رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

‎لماذا فشل المعارضون فى وقف الاتفاق النووى الإيرانى ؟

‎لندن: منال لطفى
«أحيانا عندما يكون لدى متسع من الوقت وأشاهد المناظرات على الهواء أجد أن بعض ما يقوله هؤلاء مثير للضحك. بعضهم لا يعرف حتى أين تقع إيران على الخريطة»

يقول الرئيس الإيرانى حسن روحانى ساخرا فى مقابلة مع محطة «سى إن إن» الأمريكية خلال مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك تعليقا على إعلان المرشحين الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأمريكية رفضهم للإتفاق النووى مع إيران وتعهد كل منهم بـ«تمزيقه إربا» إذا ما انتخب رئيسا لأمريكا 2016.

سخرية روحانى لا تقلل من قلقه أو قلق المرشد الأعلى آية الله على خامنئي. فالاتفاق النووى بين طهران ودول 5+1 ليس اتفاقا «انجز» بالفعل، بل هو «عملية تنفيذية» تستمر ما بين 10 إلى 15 عاما. وبالتالى احتمالات خروجه عن مساره أو حدوث خلافات حول تطبيقه، قائمة. بعبارة اخري، الاتفاق وإن «مرر» قانونيا، إلا أنه سياسيا لا يزال «فى مرحلة الخطر». فالنواب المعارضون للاتفاق فى مجلس الشيوخ قالوا إنهم «خسروا المعركة وليس الحرب»، وتعهدوا بوضع العوائق أمام الرئيس الأمريكى باراك أوباما فيما يتعلق برفع العقوبات الأمريكية عن طهران. وبدأ السيناتور بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ جلسات استماع حول الدور والإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، تتضمن فحص الأثار المترتبة للاتفاق النووى مع إيران على الشرق الأوسط، والإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة.

فلماذا فشل اللوبى المعارض للاتفاق فى إعاقته فى الكونجرس رغم كل جهودهم الحثيثة؟ ربما تكمن الإجابة فى أن الحجج الخمس الأساسية التى صاغها الجمهوريون على مدى الأسابيع الماضية فى الكونجرس لوقف الاتفاق لم تكن مقنعة بما يكفى لجذب العدد الكافى من أصوات الجمهوريين والديمقراطيين لمعارضة الاتفاق.

فالحجة الأولى وهى أن إيران لم تقدم تنازلات مهمة، رد عليها دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون بقولهم إن طهران قدمت تنازلات كبيرة رفضت بعضها فى السابق من أجل إنجاح هذا الاتفاق. ويقول مسئول أوروبى مطلع على ملف الإتفاق النووى لـ«الأهرام»: «نظام الرقابة الصارم الذى قبلت به إيران، من أكثر النظم صرامة الذى استطاعت وكالة الطاقة الذرية إقناع دولة ما بقبولة...لم توافق دولة على فتح منشآتها للتفتيش الدولى على مدى الساعة بهذا الشكل، ربما منذ نظام الرقابة الصارم على البرنامج العراقي». وفى حوارات عدة بعد الاتفاق النووى فند وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى حجة أن إيران لم تقدم تنازلات مهمة، بتذكيره أنه موجب الاتفاق النووى ستتخلص إيران من 97% من اليورانيوم عالى التخصيب الذى لديها. وستتوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% لمدة 10 سنوات. كما ستقلص عدد آلات الطرد المركزى فى موقع ناتانز من 19 ألف جهاز إلى نحو 4 آلاف جهاز طرد مركزى فقط. وإلى جانب هذا وافقت طهران على تغيير تصميم مفاعل أراك لتخصيب البلوتونيوم الذى يعمل بالمياه الثقيلة كى لا ينتج البلوتونيوم الذى يستخدم فى صنع قنبلة نووية. كما قبلت تحويل مفاعل فوردو تحت الأرض إلى مركز أبحاث وأوقفت عمل آلات الطرد المركزى فيه.

الحجة الثانية التى استخدمها معارضو الاتفاق هى أنه كان بالإمكان الحصول على اتفاق أفضل يجبر إيران على «تجميد كامل» لبرنامجها النووى بدلا من مجرد تقليصه، وذلك لو واصلت أمريكا والمجتمع الدولى الضغط على إيران لعدة سنوات أخري. فمواصلة العقوبات، بحسب ما يرون كانت ستجبر إيران على «توسل اتفاق نووى من أجل إنقاذها من الإفلاس الاقتصادي».

ومن المدافعين بشدة عن هذه الحجة، على ألفونة الباحث الأمريكى من أصل إيرانى فى «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية» الذى يرى أن «إيران بسبب العقوبات الدولية ضدها كانت على قيد أنملة من الانهيار الاقتصادي. وأن واشنطن تجاهلت ورقة الضغط هذه وهى تتفاوض مع طهران وبدلا من إجبارها على وقف كامل أنشطتها النووية، قبلت إدارة الرئيس الإمريكى باراك اوباما بسقف منخفض وهو تقليص البرنامج النووى الإيرانى فقط ولمدة زمنية تتراوح بين 10 إلى 15 عاما».

ويقول عباس ميلانى رئيس قسم الدراسات الإيرانية فى جامعة ستانفورد الأمريكية حول فكرة أن واشنطن كان بإمكانها مواصلة الضغط لإجبار إيران على تجميد برنامجها بالكامل:«هذه الحجة غير منطقية أو واقعية. الاتفاق الحالى ليس مثاليا، لكنه أفضل اتفاق كان بإمكان دول 5+1 الحصول عليه مع طهران. بعبارة أخري، الخيار كان بين هذا الاتفاق وبين عدم الاتفاق. وفكرة أنه كان بالإمكان الحصول على تنازلات أكبر من إيران بمواصلة العقوبات عليها، لا يوجد ما يدعمها على أرض الواقع». ويتابع ميلانى قائلا: »العكس هو الصحيح. فالتجارب مع إيران تشير إلى تشددها كلما زاد الضغط عليها».

الحجة الثالثة التى حاول الجمهوريون فى الكونجرس دون نجاح البناء عليها لإعاقة الاتفاق النووى هى أن نظام الرقابة على إيران «هش» ويمكن إنتهاكه لأنه يمنح طهران 24 يوما للاستعداد قبل زيارات مفتشى وكالة الطاقة الذرية لمواقعها النووية.

وهذه الحجة تتجاهل نظام الرقابة الصارم الذى ستخضع له طهران. ويقول المفتش النووى الدولى ديفيد اولبرايت فى هذا الصدد إن المواقع النووية الإيرانية ستخضع لمراقبة وكالة الطاقة الذرية «على مدار الساعة عبر شبكة كاميرات شديدة التطور تنقل كل ما يحدث على الأرض لمقر الوكالة فى النمسا لحظة بلحظة»، موضحا أن مفتشى وكالة الطاقة يحق لهم زيادة وتفتيش أى موقع نووى إيرانى فى أى وقت. أما فترة الـ24 يوما، فتشير إلى بند محدد بدقة فى الإتفاق وهو أنه إذا أرادت وكالة الطاقة الذرية تفتيش موقع جديد أو موقع عسكرى إيراني، فعليها أن تبلغ طهران بالأسباب، ومن حق إيران الإعتراض على طلب الوكالة.

الحجة الرابعة التى ساقها نواب فى الكونجرس واللوبى الإسرائيلى من أجل إفشال الاتفاق هى أن الاتفاق سيترتب عليه «إعطاء إيران ما بين 100 إلى 150 مليار دولار من أرصدتها المجمدة فورا». وهذا غير دقيق. فموجب الاتفاق سيتم فك الأرصدة الإيرانية المجمدة تدريجيا، ولن تحصل طهران فى البداية سوى على ما بين 30 إلى 40 مليار دولار. ويقول ريك نيومان المحلل الاقتصادى فى «ياهو فايننس» إن «فكرة أن إيران ستحصل على الأموال كى تبدأ فى اليوم التالى شراء أسلحة ومعدات وقنابل دعاية كبيرة. فالحكومة الإيرانية تعانى مشاكل اقتصادية فادحة وهناك انتخابات برلمانية العام المقبل، والشارع الإيرانى ينتظر الحصول على مكاسب الإتفاق النووي. ومنطقيا غالبية الأموال الإيرانية المجمدة فى البنوك الدولية ستذهب لتحسين حياة الإيرانيين.

أما الحجة الخامسة لمعارضى الإتفاق فهى أنه لا يعالج الأسباب الحقيقية للقلق من إيران وهى لا تتعلق حصريا ببرنامجها النووي، بل بسياساتها فى الشرق الأوسط. ويقول ابراهام سوفاير الباحث فى «معهد هوفر» الأمريكى للأبحاث والذى عمل سابقا فى إدارة الرئيس الراحل رونالد ريجان:»هذا الاتفاق لا يعالج كل أسباب القلق من إيران، بل يعالج فقط الملف النووى وهذا مثير للحيرة.

ولا يعارض سافاير الإتفاق مع إيران من حيث المبدأ، لكنه ضد «هذا الاتفاق السيئ». وأسوأ ما فيه، كما يقول، هو أنه بعد أيام قليلة من التوصل إليه، أصدر مجلس الأمن الدولى قرارا يعترف فيه بالاتفاق، ويعلن أنه سيفكك منظومة العقوبات الدولية ضد طهران طالما ألتزمت بتنفيذ الاتفاق بملاحقة الخمس. ويتابع: «فى رأيى تفكيك منظومة عقوبات مجلس الأمن على إيران كارثة. فالعقوبات لا تتعلق فقط ببرنامج إيران النووي، بل أيضا ببرنامجها للصواريخ البايستية ورعايتها لمنظمات إرهابية. وهذه قضايا لم يتم التفاوض مع إيران حولها بعد». وبالنسبة لسافاير الإتفاق بصيغته الراهنة «خطر على إسرائيل، كما يهدد بسباق نووى فى الشرق الأوسط». وكان من الافضل، كما يرى سافاير وغيره من أعضاء الكونجرس من معارضى الاتفاق، دعم المعارضة الإصلاحية الداخلية لنزع الشرعية عن النظام بدلا من منحه الاعتراف الدولي.

ومشكلة هذا الطرح أنه يتجاهل كم ضعفت أمريكا واضمحل دورها فى الشرق الاوسط والعالم. وفكرة «تصدير الديمقراطية» باستخدام القوة العسكرية أصبحت الفكرة الأسوأ سمعة خلال الثلاثين عاما الأخيرة بعدما استخدمت لتدمير العراق وأفغانستان.

يقول الجمهوريون إنهم خسروا «المعركة وليس الحرب» وإنه ما زال بإمكانهم إعاقة الاتفاق النووي. ومنطقيا هذا وارد. فتطبيق الاتفاق لن يكون سهلا أو بلا مطبات وأزمات. كما أنه يظل فى النهاية «إتفاقا نوويا»، وليس «اتفاقا شاملا» يتضمن كل القضايا الإشكالية بين طهران وواشنطن.

كما أنه «اختبار» لصبر طهران والتزامها. فالأثار الإيجابية للاتفاق لن تتحقق فورا، بل على مراحل، الكثير منها معقد وحساس.

وبالمقابل هناك خطوات طويلة بعضها معقد ودقيق لرفع أمريكا والغرب تدريجيا حزم العقوبات المفروضة على طهران. وأجمالا لن يكون هناك رفع فعلى لأغلب العقوبات التى تشل الأقتصاد الإيرانى قبل ربيع أو صيف 2016 . لكن إيران تبدو متلهفة لبدء التطبيق.

لن يغلق الاتفاق النووى وحده كل الممرات أمام إيران لو أرادت بناء سلاح نووي. كما أنه لا يعالج الوضع المشتعل فى الشرق الأوسط، لكنه على الأقل يقلص فورا وبشكل كبير وتحت إشراف دولى قدرات إيران النووية ويفتح الطريق أمام رفع العقوبات عنها والتوصل لتفاهمات أشمل معها حول باقى مشاكل الشرق الأوسط. وكما يقول ديفيد هالواى «هذا الاتفاق مبنى على تفاؤل كبير»، فيمكنك أن تختار السيناريو الأسوأ وهو المزيد من التدهور الأمنى وسباق نووى وحروب اقليمية أكثر فداحة، ويمكنك أن تختار السيناريو الأفضل وهو تفاهمات اقليمية ودولية جديدة، بعضها يتبلور بالفعل لوقف نزيف الدم فى المنطقة. النصوص الحرفية للاتفاق لا تتضمن بالضرورة أيا من هذين السيناريوهين، هذا تحدده التحركات الاقليمية والدولية حياله.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق