رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الخطاب الجديد

أحد أهم اشكاليات بناء الدول العربية هو أن أغلبها لم يكن نتاج تفاعلات مجتمعية محلية وانما كانت نتاجا لتوازنات وتفاهمات القوى الاستعمارية التى أحكمت سيطرتها الاقتصادية والسياسية على الدول الوليدة سواء فى أثناء الاحتلال أو بعد الاستقلال.

وقد أخذت الدول الوطنية الناشئة من الحداثة بعضا من مظاهرها فكانت طائفية أو قبلية من حيث الجوهر، وحداثية من حيث الشكل، ولم يحترم فيها، لا الدستور ولا القانون، ولم تعرف التعددية والديمقراطية، وتداول السلطة، وانما ظهرت نظم شمولية معادية للحداثة والاستنارة على الرغم من ادعاء البعض وجود نماذج للمستبد العادل!!

وأصبحت الثقافة الرسمية العربية فى الدول الوليدة بعد الاستقلال أكثر التصاقا مع الفئة المهيمنة التى تستخدم الأدوات الإعلامية الموجهة للتأثير فى السلوكيات. وبعد التطور الهائل فى قنوات السماوات المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعى أصبح هذا الالتصاق منفرا للناس ومساهما فى بحثهم عن مصادر مختلفة يستقون منها المعلومات والتحليلات بعيدا عن المصادر الرسمية، والسبب فى هذا التحول هو أن الأحداث العربية أصبحت تتجاوز التوجيه والتعبئة فكل إعلام لا تدعمه الوقائع والحلول سرعان ما يتراجع أمام ضربات الأحداث، فلقد قاومت ثقافة أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وغيرها من الدول والحضارات الخطاب الأحادى للسلطات، كما تم إلغاء التوجيه السياسى باعتباره من بواقى الشيوعية، والذى وصفه وصفا دقيقا جورج أرويل فى روايته الشهيرة (1984) بينما تستمر الثقافة العربية كحالة إعلامية ركيكة تتميز بـ «العليائية» تجاه وجهات النظر الأخري، فالثقافة العربية الخاضعة للسيطرة الرسمية تعيد إنتاج ما تخلى عنه غيرنا، وعندما يوجه النظام السياسى العربى الصحف ويتحكم فيما تبرزه وما لا تبرزه ويسعى إلى السيطرة على اللغة فى المجال العام منطلقا من أن الكلمة هى السبب الرئيسى للمأزق السياسى والطائفية والعنف فان المشكلات تكبر وتفعل فعلا مدمرا.

إن الثقافة العربية الرسمية غير قادرة على مجاراة الخطاب المغاير ولا الخطاب الحقوقى الجديد، ولم تستطع أيضا مجاراة ما يقع فى عالم الأدب والقصة، وهما أبرز وسائل التواصل الاجتماعى فى أواسط الجيل الصاعد من الشباب.

إن الخطاب الرسمى مطالب بالانفتاح حتى لو كان تدريجيا مع تفكيك خطاب التوجيه والسيطرة وعليه أن يعى أن هناك طريقا آخر مرتبطا بثقافة نقدية أكثر تحررا من الثوابت السياسية والثقافية، وعلينا أن ندرك أن الثقافة فى الأساس منتج نقدى ولو عدنا إلى التاريخ فسنجد أن كل الثقافات تبلورت نتيجة نقد القيم السياسية السائدة، ولم يتطور التاريخ إلا ببروز الجديد من قاع المجتمع وتشكيلاته ومسلماته الثقافية والسياسية ولذلك يجب أن يكون فى الثقافة مكان واضح للعدالة والأنسنة والحريات، فالتاريخ لم يتقدم إلا بنقد التعسف والفساد والهيمنة.

ان المنهج التبريرى فى الثقافة العربية لن يؤدى بنا إلا لزيادة اتساع الفجوات التى يعانيها العالم العربى فى العدالة والفقر والمعرفة والإنتاج والحرية والشفافية والتعليم وهذه الفجوات تؤدى إلى التطرف والعنف والثورات والتدخل الخارجي.

ويعيش العالم العربى سلسلة من الحروب الأهلية والحركات السياسية كما هى الحال فى العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال، وذلك فى ظل صعوبات سياسية واقتصادية تتحدى قدرة الدولة على البقاء ضمن صيغتها الراهنة.

وأخيرا فان الثقافة العربية تعانى الأمرين لأنها تجد صعوبة فى قول الحقيقة وتجد أيضا صعوبة مع موروث القمع والسلطة التى تحول بينها وبين الاشتغال الجوهرى والنقدي، وبالتالى فإن دور الثقافة فى هذه المرحلة هو فتح الباب بفكر متفائل ومجدد.

إن خيانة الحقيقة لمصلحة الخوف تضعف قدرة الأمة على مواجهة الأخطار المتعلقة بالإصلاح والحقوق والفساد ولن تنمو الثقافة دون قول الحقيقة.

د.عماد إسماعيل

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق