عقدت الندوة بالرغم من تشوهات النفايات التى تحيط بساحات بيروت بفعل الفساد والتقاعس فى إيجاد الحلول،وايضاً بسبب تعارض المصالح لدى المسئولين فى السلطة والمجتمع، لاشك ان هذا الحراك يعتبر ظاهرة صحية فهو يسعى لاستعادة العدالة فى تطبيق العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم
مظاهرات الشباب اللبنانى تحت عنوان «طلعت ريحتكم» هى دعوة حاسمة إلى إعادة بناء الدولة،واهم ما يُميز هذه المظاهرات هى الدعوة الواحدة والعلم الواحد والكلمة الواحدة والموقف الواحد، مما يعكس العمل المشترك على تنظيم محطاته ،هذه المظاهرات تطلق يقظة وطنية واسعة حول أخطار العيش بلا دولة. هذا الغضب الوافد من خارج الطوائف والاصطفاف إلى مشروع جريء وواقعى لاستعادة الدولة. ،فتح ملف النفايات بهذا الشكل لم يكن مفاجأة ،الجميع كان يتوقع الوصول إلى هذه المرحلة، وانفجار الأوضاع بوجه اللبنانيين، من أجل العودة إلى نقطة البداية.
هذه المظاهرات التى تعتبر أكبر حركة احتجاجية فى تاريخ لبنان، نظمت بمعزل عن الأحزاب التى يغلب عليها الطابع الطائفى ،وتهيمن على الساحة السياسية.اكتسحت وسط بيروت ..الشباب ملوحين بالأعلام اللبنانية فقط ومرددين هتافات مناهضة للحكومة فى مظاهرة ضد القادة السياسيين الذين يتهمونهم بالعجز والفساد، فى حراك شبابى هو الأقوى منذ اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، قبل عشر سنوات.
وكان بهيج طبارة رئيس المنظمة العربية لمكافحة الفساد قد أشارفى كلمته فى الندوة السنوية لمكافحة الفساد الى أن تضارب المصالح، بحد ذاته، ليس جرما يعاقب عليه القانون، إلا أنه ما لم توضع له قواعد صارمة تحول دون حصوله، سواء فى القطاع العام أو القطاع الخاص، فإنه يشكل بالنسبة للمسئول أو الموظف إغراء دائما لاستغلال المهام الموكلة اليه من أجل تحقيق منافع شخصية، لذلك يرى طبارة أن حظر مثل هذه الأوضاع دون قيام تضارب المصالح، يصبح جزءا لا يتجزأ من سياسة مكافحة الفساد.
ونظرة لأسماء الخبراء المشاركين بالندوة نجد ان تنوعهم الفكرى والإيديولوجى يعود الى حرص المنظمة على انتاج حوار قادر على مواكبة الحراك الشعبى الذى لم يعد ممكنا تجاوزه إلا بإحداث صدمة إيجابية نوعية تؤدى الى تغير فى هيكلة الدولة والممارسة على حد سواء، والسعى لمواءمة التشريعات العربية مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2005، والسعى الى تعميم ثقافة مكافحة الفساد وتعميم الوعى بآثار الفساد المدمرة على الاستقرار السياسى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد وضح الدكتور عامر الخياط أمين عام المنظمة العربية لمكافحة الفساد ان الحالة التى يمر بها لبنان فى موضوع النفايات فريدة من نوعها ولكن لها دلالة وسياقات لما يجرى فى معظم الدول العربية فى أمور تتعلق بمساءلة الحاكم والمسئول بسلامة وأمن المواطن ،وبالتالى لما يعانى الوطن والمواطن من مخاطر نتيجة اساليب خاطئة وفاسدة من قبل السلطة. وكما جاء فى البيان الخاص بالمنظمة :الأمور لا تستقيم بمعالجة الحدث الآنى إنما بمحاسبة من أدى إلى هذا الفساد ،ليس فى ظواهر الأمور فقط ،إنما فى نفوس من شارك فى تفشيه وانتشاره. وأن ما يحصل فى لبنان يدل على بلوغ لبنان نهاية مرحلة الدولة التى فشلت فى حماية أمن المواطن الاجتماعى والصحى والحياتي،فنحن أمام مشهد للدولة الرخوة بتعبير الدكتور جلال أمين الذي يجد فيه المواطن نفسه في وضع اعتداء مبرمج وتعريض سافر لأمنه الاقتصادى والاجتماعى والسياسي. فى هذه الحالة إما أن ينكفئ على نفسه ويستقل بها عن المواطنة المنتهكة ليعزز انتماءاته القبلية والمذهبية والعشائرية ،بما يؤدى الى ما أسميناه المجتمع الفاشل أو أن يستعيد المواطنون الوعى فى ممارسة حقوقهم التى آلت السلطة الحاكمة على نفسها حمايتها وفشلت فى ذلك. وهذا ما حدث فى لبنان ،فى التحرك الشعبى الواسع الرافض للانتماءات المذهبية والحزبية والقبلية والمتحد بهوية لبنانية وطنية، وهذا هو الاسلوب الصحيح فى المعالجة ولا يستهين أحد بفاعلية الحراك الشعبى وقدرته وطاقته.
وأضاف عامر أنه على الطبقة السياسية تحمل مسئولية ادارة الحكم. وفى لبنان تقع مسئولية انتخاب رئيس الجمهورية دستورياً على عاتق المجلس النيابي وهو السلطة الأكثر التصاقاً بالإرادة الشعبية والمنتهية ولايته، والذى كان عاجزاً عن إصدار قانون انتخاب يجرى بموجبه انتخاب أعضائه أو القيام بأحد أهم مهامه وهى انتخاب رئيس للجمهورية ،الحل المطلوب يستدعى إنقاذ البلد من الفراغ الحاصل فى السلطة الرئاسية وفي غياب السلطة التشريعية عن القيام بمهامها. وقد يتطلب الأمر قيام السلطة التنفيذية بإجراء انتخابات برلمانية استثنائية تؤدي الي قيام مجلس نيابى منتخب من الشعب يقوم بانتخاب رئيس للجمهورية فى أول عمل يقوم به. بطبيعة الحال هناك إشكالات دستورية يجب أخذها بعين الاعتبار وحلها اعتمادا على مبدأ ضرورة إنقاذ البلد وما يطلبه الناس.
وأشارت الدكتورة آمال قرامي استاذة الحضارة العربية الاسلامية إلى أنه وإلى أنه عندما تتخلى الجهات المعروفة التى يلقى على عاتقها مكافحة الفساد، يكون على المجتمع المدنى أن يتسلم المسئولية ويتولى بنفسه المحاسبة ،وترى أن الحراك الذى شهدته بعض الدول العربية نجح بالطبع فى بث الوعى والإدراك بأن الشارع له تأثير ، وبالتالى تحرّكات الشارع باتت تؤخذ بعين الاعتبار، لأنها أدت فى مناطق معينة الى تغيرات جذرية.
واكد المهندس شربل نحاس الخبير الاقتصادى والوزير الأسبق ان المهم فى هذه المظاهرات هو اعتمادها الأساسى على الشباب مشيراً إلى أن بيروت كبلدية تمتلك الملايين، داعياً إياها لصرف هذه الأموال لتنظيف المدينة، مشيداً بالتدرج التصعيدى المتبع فى الحراك بعيدا عن الطائفية ، وداعياً القائمين على المظاهرات لاستيعاب كافة أطياف الشعب. وشدد شربل نحاس على أن هذه التحركات قد منحت القوة للشعب وغيرت جميع موازين القوي.