فقد نشأت فى أسرة ميسورة الحال بإحدى قرى الشرقية، ومكونة من ثلاثة أولاد وبنتين، وحصلت على دبلوم فنى تجارى وعملت مع والدى وأخى الأكبر، إذ اشتغل أبى بتجارة الحبوب والغلال، واشترينا قطعة أرض مزروعة بأشجار الفاكهة، وبنينا بيتا كبيرا ضمنا جميعا، وتزوجت ورزقنى الله بولدين وبنت، أكبرهم فى الصف الثالث الابتدائى وتليه أخته فى الصف الأول الابتدائي، وأصغرهم بنت عمرها أربع سنوات.
وتوفى والدى تاركا ميراثا يجعلنا نعيش فى يسر، لكن حدث ما لم يكن فى الحسبان، فبدلا من أن يأخذ أخى الأكبر مكان والدى فى بيت الأسرة ويرعى إخوته تحول إلى شخص آخر غير الذى تربى معنا فى بيت واحد، فأعماه مال أبي، وحنث فى كل ما وعده به، قبل وفاته من أن يكون أمينا على البيت والمال وإخوته، ورفض تقسيم الميراث، وكانت بحوزته عقود الأرض والبيت الذى نعيش فيه، وحاولت بكل الطرق الحصول على نصيبى من الميراث ولم استطع، فدعوت كبار البلدة والعائلة إلى جلسة عرفية للفصل بيننا، لكنه امتنع عن الحضور وأصر على موقفه، ولم أجد أمامى إلا رفع دعوى فى المحكمة بإعلام وراثة، وكان هذا آخر حل أمامى برغم أننى كنت أرفض ذلك خوفا على روابط الدم وحفظ ماء وجه الأسرة، لكنه دفعنى إلى ذلك وانضم معى فى رفع الدعوى أخى الأصغر واختاى وظننا أننا سنحصل على حقوقنا بهذه الطريقة، ولكن بعد رفع الدعوى زاد عداء أخى لى وطردنى وأسرتى من بيت العائلة، ولم أجد بدا من الخروج إذ حاول قتلى أمام أطفالى لولا تدخل الجيران، الذين أبعدوه عنى وانتقلت إلى محافظة أخرى وبعثت بأهل الخير إليه لإقناعه بأننى مستعد للتنازل عن جزء من ميراثى متحججا بأنه كان يعمل مع والدى وأن الأرض والبيت والتجارة شقاء عمره، ونسى أننا كنا نعمل مع والدى مثله، وجميعنا شركاء فيما اشتراه أبى باسمه، لكن الطمع أعمى قلبه وبصيرته وسولت له نفسه أكل حقوقنا بالباطل.
واستقرت بى الحال عند تاجر كان يتعامل معه والدى فى المحافظة التى رحلت إليها، واستأجرت بيتا وعملت فى تجارة الحبوب والغلال، وسارت الأمور على خير وكبرت تجارتى وبعد خمس سنوات من العمل والبعد عن بيتى وأهلى استطعت توفير مبلغ من المال لتكوين بيت والعودة إلى قريتى ونقل تجارتي، وذات ليلة وأثناء توصيلى بضاعة على طريق وادى الملوك وقع حادث كبير، أفقت منه على كسور فى أنحاء جسدي، منها كسر فى العنق وآخر فى الساق اليمني، وتم تركيب شرائح ومسامير فى كثير من مفاصل جسدي، وظللت أكثر من عامين أسير العمليات الجراحية المكلفة واستنفدت كثيرا من المال ومع ذلك لم أستطع الوقوف على قدمىّ مرة أخرى ولم أجد أمامى إلا العودة إلى قريتي.
وعدت إلى بيت العائلة مستندا على عكازين، واستقبلنى أخى الأكبر بوجه عبوس ناظرا إليّ باشمئزاز، وقال جملة صعبة على أى إنسان أن يسمعها من أخيه وهو يعانى المرض، قال: «هو أنا كنت مستحملك وأنت سليم لما هستحملك وأنت متكسر»، وأعطانى بعد عناء وتدخل أهل الخير حجرة فى البيت أعيش فيها أنا وزوجتى وأولادي، ومرت أربع سنوات على الحادث وقطعت مشوارا طويلا مع المرض، وتغيرت حياتى تماما، ووصلت بى الحال إلى قبول الصدقات والزكاة، فى الوقت الذى يعيش فيه أخى وأولاده فى رغد من العيش.. تصور أن قلبه لم يلن حتى الآن ولو لأجل أطفالى الصغار ولقد خرجت زوجتى إلى العمل فى مجال بيع الخضراوات واسأل نفسى كثيرا: هل هذا عدل؟ وما هو الحل لأخى وأمثاله؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ما أكثر الرسائل التى أتلقاها عن أكل الميراث بالباطل، وكم كتبت وحذرت من يرتكب هذا الإثم الكبير من عواقب جريمته، فى حق الورثة، لكن أحدا لا يسمع الكلام إلا من رحم ربي، ومع ذلك سوف نطرق باب التحذير لكل من تسول له نفسه أن يأخذ المال الحرام، ومنهم أخوك الظالم الذى سيندم يوم لا ينفع الندم، وما الرسائل التى تناولتها خلال الأسابيع الأخيرة إلا جزء يسير من طوفان الرسائل التى ترد إليّ يوميا، وقد عاد كثيرون ممن وقعوا فى هذا الفعل المحرم إلى رشدهم وكتبوا لى استجابات خطية بأنهم يريدون تسوية أوضاعهم مع أهاليهم، وقد عقدت جلسات عرفية عديدة، أعادت الجميع إلى الدفء الأسرى والعائلي، وأرجو أن يبادر أخوك إلى مصالحتك أنت وإخوتك فتطوون صفحة الماضى بكل مآسيه، وتبدأون من جديد حياة تملؤها السعادة والوفاق، ولا تحزن فإن الله أفاء على الكثيرين بما يمكن أن يقدموه لك من مساعدة إلى أن يلين قلب شقيقك، والله المستعان.