قبل بضع سنوات كان العالم منقسم إلى كتلتين، رأسمالية واشتراكية، وكان لزاماً على كل دولة الإختيار بين هذا المعسكر أو ذاك ، لدرجة أن مدينة وصل بها الحال أن انقسمت بجدار نصفها للمعسكر الاشتراكى والآخر تابع للمعسكر الرأسمالى ، كما هو الحال فى "برلين".
إدراج الرياضة فى السياق السياسي، أدى إلى تغيرات عميقة. فمع بداية الحرب الباردة،حلت الكارثة على الرياضة كما حلت على السياسة ،وبدأت من هنا عملية التداخل بينهما، حيث كانت أول مخالفة للتعاليم الأولمبية التى قامت على التآخى بين جميع شعوب العالم ،بمقاطعة الولايات المتحدة وحلفائها لدورة الألعاب الأولمبية عام 1980 فى موسكو، ورد الاتحاد السوفيتى السابق وحلفائه بالمثل فى دورة الألعاب الأولمبية 1984 (لوس انجلوس) وفقدت الألعاب الأولمبية التى تعتبر أكبر حدث رياضى فى العالم بريقها وتم وصفها أنها العاب سياسية لا رياضية ، وكانت تلك الفترة هى اكثر مراحل الحرب الباردة ضراوة.
فى عالمنا العربى كانت الرياضة وبالأخص كرة القدم فرصة عظيمة لتقرب الأنظمة من شعوبها من خلال محاولة الحصول على حق تنظيم أو الفوز ببطولة قارية كبرى ولا أدل على ذلك فوز مصر بكأس أمم إفريقيا 3 مرات متتالية ومحاولة النظام الركوب على هذا الإنجاز .
ما نراه من إستغلال الرياضة فى السياسة حيث رؤساء الأندية و لاعبى الكرة المشاهير ورؤساء الإتحادات الرياضية أعضاء فى المجالس النيابية وأحياناً وزراء فى حكومات ولا مانع أيضاً من رئاسة أحزاب ، ناهيك عن تحويل الأندية إلى سلة للعملات وغسيل الأموال من خلال الصفقات أو شركات الرعاية وليس بخاف على أحد روائح الفساد الكريهة وراء كل ذلك ،ولا يفوتنا تذكر ما حدث من محاولات افراد من نظامى البلدين تحويل تنافس رياضى بين منتخبى مصر والجزائر إلى أزمة سياسية عبر التراشق اللفظى وتحويل التحرش البدنى بين جمهورين شقيقين إلى تحرش لفظى بين مسؤلى البلدين، كان الهدف من وراء ذلك بالطبع التغطية على سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية فاشلة.
ناهيك عن مشهد رفع أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية أعلام غانا داخل مصر على اثر هزيمة فى تصفيات كأس العالم نكاية فى بلادهم التى تخلصت من نظام حكمهم العفن .
تتوج كل مظاهر الفساد السياسى والاقتصادى فى الرياضة بشكل جلى وفاضح فى قضايا فساد الفيفا الأخيرة المتهم فيها حسب التحقيقات بداية من الموظفين ،وأعضاء فى اللجان الفنية، حتى رأس الفيفا نفسه ، وربما تكشف التحقيقات قريباً عن ضلوع أنظمة ورؤساء حكومات وشخصيات بارزة ...
وظهر الفارق الحضارى والاخلاقى بين موقف الإتحاد الأوروبى النزيه بقيادة ميشيل بلاتينى وموقف الإتحادات القارية الأخرى التى تغلب المصالح الشخصية والمكاسب الوقتية مقابل التستر على الفساد والمشاركة فيه أحيانا.
سيكون التخلص من فساد الفيفا خطوة عظيمة فى تحجيم فساد السياسة عندما تنتهى ولائم الرياضة بالتأكيد سنقضى على غنائم السياسيين.
لقد افسدت السياسة الرياضة وافسدت الرياضة ليس فقط السياسة ولكن أيضاً الإقتصاد والإعلام فصار كل إعلامى رياضيا وكل رياضى هو بالضرورة إعلامى وهكذا تشابكت المصالح واختلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح ....إنه فساد الأخلاق يا عزيزى.