. أى انسان فى أى مكان على وجه الأرض, فبعد كل ما حدث لى ليست لى مطالب أو أمنيات سوى ألا يذوق أحد الحزن واللوعة اللذين ذقتهما على مر السنين, واليك حكايتي, فمنذ أحد عشر عاما تزوجت من زميل لى فى العمل بعد أن رفضت كل من تقدموا لى لعدم ارتياحى إلى أى منهم, وكان زميلى يكبرنى بعدة سنوات وله سابقة زواج, لكنه فشل فى الحياة مع زوجته لسبب لا دخل له فيه.. وقد اقترب منى وروى لى كل ظروفه وكيف انه أصيب بفيروس سى فى اثناء استئصال الزائدة الدودية, بالرغم من انه لم يحتج وقتها الى نقل دم, فلقد كانت أدوات الجراحة ملوثة نتيجة الاهمال الذى يسود المستشفى الحكومى الذى أجريت له العملية فيه.
والحقيقة أننى قدرت فيه صراحته التى دفعته الى ان يخبرنى بمرضه حيث انه لم يخش ان ارفض الزواج منه, ولذلك وافقت عليه بلا تردد ويكفينى اننى احسست بصدق مشاعره وطيبته ونقاء سريرته.
وبدأنا فى الإعداد لحفل الخطبة وزرت الطبيب الذى يتولى علاجه لكى استشيره فى نظام علاجه, وعلمت منه طرق العدوى والوقاية, وكيفية العناية بزوجي, وخطونا معا على طريقين فى وقت واحد, طريق الزواج، وطريق العلاج، وبدأنا حياتنا وكلنا أمل فى شفائه من مرضه، أو على الأقل جعل هذا الفيروس خاملا لكى لاتحدث له أى مضاعفات.
ولكن خلال سنوات قليلة بدأت علامات المرض تظهر عليه, وقال الطبيب انها تطورات طبيعية, ووصلت حالته الى درجة التليف التى أدخلته فى متاهات الغيبوبة الكبدية مرات عديدة, وبعد عام واحد أصيب بسرطان الكبد, وشربت الكثير من كأس المرارة, وأنا أجد صحة زوجى تتدهور إلى الأسوأ.. وقتها شعرت ببوادر الحمل بعد تأخر الانجاب كل هذه السنوات، ووضعت طفلا جميلا ملأ حياتنا بهجة وسعادة, لدرجة ان زوجى كلما رآه ارتسمت الابتسامة على شفتيه بالرغم من شدة الآلام التى يعانيها، ثم تدهورت صحته تماما ودخلنا فى دوامات عديدة بين المستشفيات حتى أسلم الروح فى النهاية, وارتاح جسده بعد كل ما عاناه سنوات طويلة وتقبلت أقدارى بإيمان بما قدره الله, وتقربت اليه سبحانه وتعالى ان يلهمنى الصبر, وظللت أدعو له وأقرأ آيات القرآن الكريم على روحه فاطمأن قلبى وهدأت نفسي, وانزل الله سكينته علىّ، واحتضنت ابنى الصغير, وأفرغت فيه كل الحب الذى أودعه زوجى فى قلبى خلال سنوات زواجنا القليلة, وأحيا الآن حياة هادئة مطمئنة بأنه فى الجنة, فالحقيقة أننى لم أجد منه إلا كل خير, وأكتب إليك برسالتى راجية ان توجه كلمة أو رجاء إلى الأطباء والممرضين والمساعدين فى كل مستشفى ايا كان مستواه, خاصا أو حكوميا, بأن يحافظوا على نظافة الأدوات وان يعقموها دائما ويختبروا أكياس الدم قبل نقله الى أى مريض, فأعزاؤنا وأحباؤنا يتعذبون قبل موتهم بسبب الإهمال والاستخفاف بحياة الناس.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
كلما ارتبط المرء بالله تعالى زادت منزلته, وتحققت سعادته فى الدنيا والاخرة, ما أصاب من مصيبة الا بإذن الله, ومن يؤمن بالله يهد قلبه, والله بكل شيء عليم.. فإذا تذكرت ذلك ياسيدتى هدأت نفسك وأيقنت ان كل شيء بيد علام الغيوب.
ورسالتك تفتح بابا واسعا لمناقشة قضية الأطباء وبنوك الدم والآلات الجراحية, وقد تناولت هذه القضية كثيرا, وطالبت وزارة الصحة بمزيد من الاجراءات المشددة مع الاطباء لتعقيم آلاتهم الجراحية, والتأكد من خلو بنوك الدم من الدماء الملوثة بالأمراض والفيروسات, ولكن تبقى هذه القضية فى النهاية مسألة ضمير, وإذا لم يكن ضمير الطبيب هو الذى يحكم علاقته بمريضه فلن تستطيع أى قوانين ان تحاسبه على جرائمه فى حق مرضاه, وخصوصا فى هذه القضايا التى يلعب فيها التعقيم دورا أساسيا.
وقد سبق ان ضربت أمثلة بأجهزة الغسل الكلوى التى تجرى عليها جلسات الغسل لجميع المرضى سواء المصابون بفيروس سى أو غيره من الفيروسات التى تنتقل عن طريق الدم الى غير المصابين بها.
والمطلوب قانون جديد لمهنة الطب, وليس القانون المعمول به منذ عهد الرئيس الراحل محمد نجيب.. فمتى تتحرك وزارة الصحة لمحاسبة المقصرين لكى يكونوا عبرة لأمثالهم ممن لا وازع دينيا ولا ضمير لهم؟.