رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عكس الأمثلة الشعبية:
«خلفة البنات» ليست هما للممات !

فتوح سالمان
بملابس بيضاء وقفت «مىِ نور الشريف» أمام سرادق الرجال تتلقى العزاء فى والدها الفنان الكبير, لم ترتد الملابس السوداء كما جرت عادة النساء ولم تكتف بالجلوس باكية فى سرادق السيدات.. بل وقفت فى حزن عميق تتحدى عادات مجتمع لا تتغير ولا تتبدل على مر السنين. قلبت «مى» مواقع الفيس بوك وانتبهت لما فعلته وسائل الإعلام. وصفوها بأنها «بنت بميت راجل»، واعترفوا بأن من انجب البنات لم يمت لكن ما فعلته الابنة المفجوعة فى عزاء والدها لا يكفى وحده لتغيير ما دأب عليه أجدادنا وكراهية «خلفة البنات».

فى مايو الماضى قتل فلاح فيومى نفسه بالنار بعد أن عايره جيرانه بأنه لا ينجب إلا البنات.. لم يتحمل الإهانة ولم يقدر على زواج جديد.. فقرر إنهاء حياته تخلصا من العار والفضيحة، وقبله قتل صعيدى من المنيا بناته الثلاث بعد أن أنجبت زوجته الجديدة «الغلام» الذى يحلم به.. الأب السفاح اشترى ثعبانا ساما وأطلقه فى غرفة البنات ليتخلص من عارهن دفعة واحدة!.

ومنذ عشرات السنين أثبت الطب أن نوع الجنين مسألة بيولوجية تعود للرجل وليس للمرأة مسئولية عنها، لكن أحدا لم يستطع إقناع أغلب المصريين بهذه الحقيقة العلمية إذ مازالت «خلفة» البنات كابوسا يهدد استقرار المرأة المصرية ويقول المثل:«يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات» فهى لا تشعر بالأمان إلا بعد إنجاب الولد الأول ولا تشعر بالاستقرار الحقيقى إلا بعد أن «تخاويه» فولد واحد لا يكفى... هذه هى المأساة التى عاشتها ومازالت تعيشها ملايين النساء فى مصر.

ليست مبالغة بل إحصائية رسمية لمركز الإحصاء تؤكد أن 92% من المصريين يفضلون إنجاب الذكور على البنات وتقع 10 آلاف حالة طلاق سنويا فى مصر بسبب عدم إنجاب الولد.. وكراهية إنجاب الإناث ليست وليدة اليوم بل هى جزء من تراث طويل ممتد لقرون طويلة تأصلت خلالها ثقافة كراهية إنجاب الإناث واعتبار إنجابهن عارا ومذلة, ويظل من ليس لديه ولد يشعر بالذل والانكسار حتى مماته ويستمر فى الإنجاب حتى يصل عدد البنات إلى تسع أو عشر وربما لا يطيق الرجل صبرا فيتزوج لينجب الولد.

وتشير الدراسات إلى أن أغلب الأمهات الحوامل اللاتى يعرفن أنهن سينجبن بنات يتأخر لديهن الطلق لعدم رغبتهن فى إنجاب الإناث.

وتسود فى المجتمع النظرة إلى أن الولد هو الامتداد، وللسبب نفسه كما يقول د. رفعت الأنصارى أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان: لا تورث الأرض للبنات, لأن معنى ذلك أن أرض العائلة ستذهب للأغراب، وأكثر العائلات عدلا تعطى البنات أموالا مقابل الأرض ومن النادر أن يرثن الأرض ذاتها.. هى ثقافة منتشرة فى كثير من الطبقات الاجتماعية فمن يعانى الفقر يعتقد أن الأولاد هم ظهر وسند وسيقفون بجانبه فى شيخوخته وهم ادخار فى المستقبل، أما البنات فمصيرهن للزواج وعرقها سيذهب لزوجها، كما أنهن عبء ويصل الأمر لحد استخسار اللقمة والتعليم والرعاية الصحية لأنهن بنات خيرهن لغيرنا... ودائما الرجل ينظر إلى الطفل الذكر على أنه الوريث المنتظر لثروة الأسرة وضمان للأبوين فى حالة عجزهما عند الشيخوخة, فى حين ينظر لإنجاب الإناث كعبء اقتصادى ومصدر قلق للأسرة أحيانا.

وفى دراسة مهمة د. وفاء كامل أستاذ اللغويات وأول سيدة تنضم للمجمع اللغوى بعنوان «صورة المرأة فى العقل الجمعى المصرى» ترصد فيها مظاهر احتقار الأنثى وتفضيل الذكر من خلال الأمثال الشعبية تقول: الأنثى عموما غير مرغوب فيها مقارنة بالذكر ويرجع ذلك إما لمزايا يراها المجتمع فى الذكر أو خوفا من الأنثى لما قد تسببه من عار للأسرة. فالمثل الأشهر فى هذا السياق: «لما قالوا دا ولد اشتد ضهرى واتسند»، ويوضح المثل موقف المجتمع من الذكر الذى تترقبه الأسرة والمجتمع ويمتلئ البيت فرحا بمولده بما يؤثر على مكانة أمه نفسها، كما يؤثر على حالتها النفسية أيضا وبالتالى سلوكياتها الاجتماعية وتعاملاتها: «أم الولاد نجابة وأم البنات نحابة»، «اللى بيسعدها زمانها بتجيب بناتها قبل صبيانها» وكل ذلك يعكس احتفاء المجتمع بالذكر دون الأنثى. وفى المقابل نجد حزنا مطبقا إذا ما رزقت الأسرة بالبنت: »لما قالوا دى بنت مت من الخضة وعدمت«، فالأنثى مظنة لجلب العار، والبنت تمثل عبئا على الأسرة تنتظر الخلاص منه بتزويجها لهذا كله يمتعض المجتمع من مولد البنات ولا يرى المجتمع فى الرجل عيبا لأن «عيب الراجل جيبه»، و«الراجل زى السيغة تنكسر وتنقام» بينما الأنثى لا ميزة فيها!..

لن يتغير مجتمعنا بين يوم وليلة ولا حتى ألف ليلة.. نحتاج إلى ألف «مى نور الشريف» وآلاف مثل والدها العملاق الذى رباها لتكون فى وداعه واقفة فى ثبات بين الرجال شامخة وصامدة وبمائة رجل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق