رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فلاحو أوروبا ينتفضون ضد «حصان طروادة » الأمريكى !

بروكسل: محمد بركة
قالت التقارير الصحفية ووكالات الانباء إن هذا الحراك مجرد مطلب جماعى لمزارعينا برفع أسعار الحليب حتى لا يعلنوا افلاسهم ، وهذا تبسيط مخل لما يحدث فنحن فى الواقع ننتفض ضد محاولة البعض استنساخ النموذج الأمريكى برأسماليته المتوحشة.


هكذا جاءت كلمات الناشط السياسى الشاب أوليفر لمنت الذى يعمل لدى منظمة السلام الأخضر لكنه يعتبر نفسه مستقلا .أوليفر ابن الثامنة والعشرين ، كان يتحدث الى «الأهرام» وهو يشير الى مجسم بالحجم الطبيعى العملاق من الخشب لحصان طروادة الشهير فى الاساطير الاغريقية والمجسم يحمل كلمة «تيب» التى تشير اختصارا الى الاحرف الاولى من الاتفاقية المرتقبة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.

أضاف قائلا : يريد بعض سياسينا و صناع قرارنا أن يقنعونا بأن الاتفاقيات التى يتفاوضون بشأنها مع الولايات المتحدة وكندا سوف تكون سبيلنا إلى السعادة ولكننا نعرف تمام المعرفة أننا لن نجنى من ورائها - بالضبط مثل حصان طروادة هذا - إلا تدمير القيم و المكتسبات التى ناضل آباؤنا وأجدادنا من أجلها هذه الاتفاقية التى يسعى انصارها إلى تسويقها بزعم انها سوف تزيد من فرص العمل ، لن تعود علينا الا بالخراب ، و لن نسمح بتمريرها حتى لا تفعل بنا ما فعله حصان الغزاة بأهل مدينة طراودة حين ظنوا انه هدية فلم يكن إلا حيلة لإخضاعهم و إذلالهم.

ومن هنا كان المشهد مفاجئا ومربكا رغم الاعلان المسبق عنه، الا أن كثيرين لم يتوقعوا أن يحدث بالفعل وبهذه الضخامة : مئات الجرارات الزراعية تغلق جميع الطرق المؤدية الى حى شومان حيث مقار الاتحاد الاوروبى بالعاصمة البلجيكية بروكسل . المتظاهرون جاءوا من جميع أقطار القارة العجوز لاسيما ألمانيا وايطاليا واسبانيا وفرنسا و هولندا و لوكسمبورج ويحملون رسالة واحدة تكررت بأكثر من معنى عبر كلمات ممثلى الوفود بالاذاعة الداخلية للمظاهرات التى هزت الحى الراقى: نحن هنا على قلب رجل واحد لنظهر لصناع القرار فى المفوضية الاوروبية التى تتولى التفاوض مع كل من الولايات المتحدة و كندا بشأن إقرار بعض الاتفاقيات المصيرية إننا لن نتنازل عن المكتسبات التى حققناها .

يشكو فلاحو أوروبا تدنى سعر الحليب فى الاسواق حتى بلغ عشرين سنتا فى بعض الاحيان مع اغراق السوق بالانتاج وامتناع روسيا عن استيراده من الاتحاد الاوروبى ردا على تمديد الأخير العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية . هذا هو السبب المباشر الذى أطلق الشرارة الاولى للتظاهرات التى شهدت اشعال النار فى بعض اطارات السيارات من جانب المتظاهرين، واستخداما عنيفا لخراطيم المياه و قنابل الغاز المسيل للدموع من جانب قوات الشرطة . لكن هذا المطلب المحدد تحول الى مغناطيس يجذب جميع النشطاء والمحتجين من كل انحاء القارة للتعبير عن غضبهم إزاء ما يعتبرونه نقلا للمعايير الامريكية «الفاشلة» - على حد وصفهم - فى السياسة والاقتصاد والمجتمع الى بلادهم ، فضلا عن اتهاماتهم لكبار موظفى المفوضية و المجلس الأوروبيين بالتواطؤ مع لوبى الشركات المتعددة الجنسيات.

سيتا فان كيمبيما - متحدثة رسمية عن هيئة الالبان الاوروبية «إى إم بى» قالت: نحن نمثل مصالح ملايين المزارعين فى مختلف انحاء الاتحاد الاوروبى المهددين بضياع حقوقهم بسبب السياسات الفاشلة للمفوضية الاوربية التى تخضع لهيمنة أمريكية فيما يبدو و اذا لم تتم الاستجابة لمطالبنا فسوف نلجأ للتصعيد .

وأضافت كرستين بوتى - ناشطة سياسية - لـلأهرام قائلة : المشكلة تتمثل فى عدم الشفافية التى تحيط بالمفاوضات التى تجريها المفوضية الأوروبية مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقية «تيب» والاعلام لا يخبرنا بشيء حقيقى حتى أعضاء البرلمان الاوروبى الذين انتخبناهم لا يستطيعون الاطلاع على فحوى تلك الاتفاقية المريبة سوى عشرين دقيقة بحد اقصى و دون تصوير اجزاء من مسودتها مادامت فى مرحلة ما قبل الانتهاء ، لكن ما تيقنا منه من مصادرنا الخاصة أنها تتضمن عددا من النقاط المحددة أهمها إغراق السوق الاوروبية بمنتجات أمريكية وإنهاء أى اجراءات حماية لمنتجاتنا الوطنية و تدمير حقوق الملكية الخاصة بتصنيعها حيث يصبح من حق اى فلاح امريكى انتاج اشهر انواع الجبن الفرنسية مع عدم قدرة منتجاتنا على المنافسة فى ظل مشكلات قديمة متوارثة ، فضلا عن - و هذا هو الأخطر - إخضاع التأمين الصحى لاقتصاد السوق ولا يصبح مجانيا بالكامل كما هو الحال فى الولايات المتحدة وكذلك جعل التعليم الجامعى على نفقات الطالب بالكامل على غرار النموذج الأمريكى .

وتشير بوتى الى نقطة شديدة الأهمية و هى أن من يتولى «طبخ » الاتفاقية - على حد تعبيرها - هم مسئولو المفوضية الأوروبية و هؤلاء أشخاص ليسوا منتخبين على عكس أعضاء البرلمان الأوروبى الذين جاءوا بأصواتنا و بالتالى يمكننا محاسبتهم والثقة بهم. والمفترض أن الاتفاقية سوف يتم اقرارها فى الخريف المقبل بعد أن كانوا سوف ينتهون منها قبل نهاية هذا العام و لكننا بضغوطنا وتحركات تحالف «عشرين ديسمبر» الذى يشكل أكبر حركة ضغط شعبى من المواطنين فى اوروبا استطعنا اجبارهم على التأجيل .

السؤال الذى طرحته الاهرام أخيرا : هل ينتصر فلاحو اوروبا و تثمر تحركاتهم فى النهاية إلغاء او تعديل بنود الاتفاقية المثيرة للجدل ؟

ميشيل فانهورن - استاذ جامعى سابق و ناشط سياسى - اجاب : هناك من السوابق التاريخية التى تؤكد قدرة الرأى العام على تعديل مسار الاتفاقيات الدولية كما حدث فى اتفاقية التجارة الحرة بالبرلمان الفرنسى بدايات القرن الحالى ، بينما اكد اوليفر لمنت ان الرهان الحقيقى على وعى المواطن و تبصيره بحقيقة ما يدور من حوله من اشياء سوف تؤثر على مستقبله هو و ابنائه . هذه هى المعركة الحقيقية .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق