يري المراقبون أن توقيت قرار رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس بتقديم استقالته و اللجوء إلى انتخابات مبكرة، ربما يدخل البلاد في دوامة جديدة لا يعرف أحد نهايتها، لأن تسيبراس في الوقت الحالي فقد الكثير من مؤيديه، بعد أن استمر أكثر من سبعة أشهر يتفاوض مع الهيئات الدائنة و بعد ذلك وافق على كل ما تم طرحه على طاولة المفاوضات حتى تستمر اليونان في البقاء من دون إفلاس و من دون إخراجها من منطقة اليورو. و هذا ما أكدته استطلاعات الرأي فبعد أن كان تسيبراس كشخصية سياسية يحوز على تأييد نحو 80 في المائة من اليونانيين بات حاليا وفقا لآخر الاستطلاعات يحوز فقط على 30 في المائة. و بالإشارة إلى الدوامة التي ربما تدخل البلاد فيها، فهي دوامة الانتخابات و عدم حصول أي من الأحزاب على الأغلبية لتشكيل حكومة، و سوف يقود هذا الشيء إلى تكرار الانتخابات أكثر من مرة وفقا لتسيبراس الذي يسعي فقط على حد قولة أنه يريد الأغلبية المطلقة، و لا يريد التعاون من الأحزاب الأخرى، و كانت قد لجأت البلاد في العام 2012 إلى نفس الشيء و إجراء الانتخابات مرتين متتاليتين خلال شهري مايو و يونيو.
فالناخبون اليونانيون يبدون مرهقين من خمس عمليات انتخابية و استفتاء خلال السنوات الست الأخيرة في أكتوبر 2009، و مايو 2012 و يونيو 2012 و يناير عام 2015، و وتلك الانتخابات المرتقبة بعد أيام، بجانب الاستفتاء على خطة الدائنين الذي أجري في يوليو الماضي، و ربما لهذه الأسباب أظهرت استطلاعات الرأي تقلصا كبيرا بين حزبي سيريزا و منافسة حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ.
و يبدو أن اليونانيين الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية المزمنة مقبلون على تضحيات مؤلمة تتمثل في تنفيذ مذكرة الدائنين الثالثة التي تم التوصل إليها مع أثينا مقابل 86 مليار يورو، و سوف يتم تنفيذ هذه المذكرة على أرض الواقع، و سوف يشعر المواطن اليوناني على سبيل المثال بزيادة ضريبة القيمة المضافة على السلع الغذائية و الاستهلاكية مما يتسبب في رفع جميع الأسعار، و خفض معاشات التقاعد و إلغاء المنح و المساعدات للعائلات و الكثير من الإجراءات التقشفية الأخرى التي ستضطرهم إلى شد الأحزمة رغم أنهم انتخبوا رئيس الوزراء المستقيل الكسيس تسيبراس لأنه وعدهم بإنهاء إجراءات التقشف. من جانبه أكد تسيبراس ثقته بأنه سوف يحصل على أغلبية مطلقة تحت قبة البرلمان في الانتخابات، و استبعد تسيبراس أي تحالف مع أحزاب وصفها بـ "النظام السياسي القديم"
و أعلن حزب سيريزا أن الأولوية وفقا لبرنامجه الجديد هو تحقيق الالتزامات والبحث في نفس الوقت عن تدابير "للتعويض عن العواقب السلبية" دون التأثير على الخطة الموقعة مع أوروبا، و أن الخطوط الرئيسية للبرنامج الجديد هي إعادة هيكلة قطاع الإنتاج والتركيز على الزراعة وتعزيز القطاع المصرفي ومكافحة الفساد وحماية الوظائف والبيئة، كما ضمن البرنامج أيضا مسألة إعادة جدولة الديون التي تبلغ 170 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.
و أفاد آخر استطلاع للرأي أن 79 في المائة من اليونانيين يريدون الاحتفاظ باليورو كعملة للبلاد، فيما يعتقد 55 في المائة من اليونانيين أن تسيبراس كان محقا في القبول بخطة مساعدات من 86 مليار يورو على ثلاث سنوات، كما أظهرت نتائج العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت خلال السنوات الأخيرة على رغبة نسبة كبيرة من اليونانيين البقاء في منطقة اليورو.
ولا يبدو أن الانتخابات المبكرة في اليونان تثير قلق الدائنين، فقد أوضح يروين ديسلبلوم رئيس مجموعة اليورو أنه لا يخشى أن تشكل فترة الانتخابات خطرا على تنفيذ الإصلاحات، فيما أكدت خريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي على أن إي شكل لإعادة هيكلة الديون اليونانية يجب أن يتيح لأثينا القدرة على إدارة ديونها غير القابلة للسداد، و قالت لاغارد أن أي شكل من أشكال إعادة هيكلة الديون بدلا من شطبها يجب أن يكون كافيا إلى الحد الذي يسمح لليونان بإدارة ديونها غير القابلة للسداد الآن. و ينتظر صندوق النقد الدولي نتيجة الانتخابات ليوضح بصورة قاطعة ما إذا كان سوف يشارك في البرنامج الثالث لدعم اليونان الذي تم التوقيع عليه في بدايات شهر أغسطس أم لا، وذلك لأنه يرى بأن الديون اليونانية بشكلها الحالي غير قابلة للسداد، واستبعد دائنو اليونان في منطقة اليورو وخاصة ألمانيا شطب الديون إلا انهم أبدوا استعدادا لمناقشة أشكال أخرى من إعادة الهيكلة مثل تمديد مهلة السداد.
و في لقاءات لـ " الأهرام" حول الوضع السياسي الراهن في بلاد الإغريق و نظرة الشارع اليوناني لما يحدث من تقلبات سياسية، ذكر عدد من اليونانيين أن قرار تسيبراس بالانتخابات المبكرة هو يخدم فقط مصلحة تسيبراس و حزبه السياسي سيريزا و لا يخدم مصلحة البلاد، موضحين أن تسيبراس كان من استطاعة قيادة البلاد إلى الأمام في الفترة الحالية الحرجة و التي تحتاج إلى تنفيذ الاتفاق مع الدائنين و إخراج البلاد من نفق الأزمة و أيضا توفير الأموال التي سوف تنفق على الانتخابات. فيما تعرفت " الأهرام " عن رأي عدد آخر من الشعب أدرك أن تسيبراس لجأ إلى الانتخابات لأنه يريد أن يحصل على أغلبية مطلقة، و عجل بهذه الانتخابات في العشرين من الشهر الجاري، لأن من يوم 20 حتى 25 سبتمبر سوف ترسل الجهات المختصة إلى المواطنين سداد أموال ضرائب ضمن الاتفاق الجديد مع الدائنين و وقتها سوف يشعر الناخبين بمرارة هذه التدابير التقشفية و من ثم لن يصوتوا لتسيبراس الذي أثبت من وجهة نظرهم أنه لا يختلف كثيرا عن السياسيين الذين سبقوه. على صعيد آخر، و بخصوص تولي فاسيليكي ثانوس رئيسة المحكمة الدستورية العليا في البلاد رئاسة الوزراء، و تشكيل حكومة انتقالية، فإن هذا أيضا يرهق البلاد اقتصاديا، حيث اصبح في قوائم السلطات اليونانية 24 وزيرا جديدا و إن كان تعينهم سوف يستمر شهر أو شهرين على الأكثر في حال إعادة الانتخابات في شهر أكتوبر المقبل، و لكن في نفس الوقت أظهر ديمقراطية اليونان و تعيين أول سيدة لإدارة مقاليد الحكم في البلاد.
و فاسيليكي ثانوس تبلغ من العمر 65 عاما و هي من مواليد خالكيذا و التي تقع على بعد مائة كيلومتر من العاصمة أثينا، و تعتبر ثانوس الرئيسة السادسة عشرة للحكومة في اليونان بعد التحول الديمقراطي في البلاد عام 1974، وتسلمت منصب نائبة رئيس المحكمة العليا عام 2014، لتصبح رئيستها بموجب قرار مجلس الوزراء في يوليو الماضي، ووقع الاختيار عليها بعدما اعتذر بانايوتيس لافازانيس، زعيم حزب الوحدة الشعبية، ثالث أكبر أحزاب البرلمان اليوناني، عن عدم قدرته على تشكيل حكومة ائتلافية، و من قبلة أيضا فشل في تشكيل حكومة ايفانجيلوس ميماراكيس زعيم الحزب الثاني و هو حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ.
ويأمل اليونانيون أن تتمكن أول سيدة ترأس حكومة في بلادهم من أن تستطيع جمع التناقضات اليونانية، و أن تعيد الحياة إلى السياسة اليونانية، و الإشراف بشفافية علي انتخابات مبكرة، و التي تعتبر أنها بمثابة استفتاء شعبي يحكم توجه السياسة اليونانية للسنوات المقبلة، و التي وصفها المراقبون أيضا أن اليونان لم تكن في حاجة ملحة لهذه الانتخابات و في هذا الوقت بالذات، و يدلا من أن يهتم ساسة البلاد بمستقبل البلاد و السير بها في طريق الإصلاحات، فهم حاليا ربما يسيرون بها إلى الوراء و عكس الاتجاه.