يبدو مشهد نهر النيل شريان الحياة وأحد المقدرات الرئيسية لمستقبل هذا الوطن فى وضع بالغ السوء وفى حاجة إلى الكثير من المراجعة والتحرك من قبل المواطنين قبل الدولة خاصة فى ظل غياب الوعى المجتمعى بأهمية وضرورة الحفاظ على مياه النيل، وحمايته مـن التلوث حماية لصحة المواطنين.. الأهرام استضافت لمناقشة هذه القضية نخبة من الخبراء والمتخصصين فى شئون المياه بالتعاون مع أعضاء جمعية كتاب البيئة والتنمية فى نقاش مفتوح لجميع جوانب القضية وإلى نص الندوة.
الأهرام: فى البداية نود إلقاء المزيد من الضوء حول ملف نهرالنيل وسبل إنقاذه من التعديات؟ وكيف يمكن نشر الوعى للحفاظ عليه؟.
مغاورى شحاتة: فى الحقيقية أن ملف نهر النيل هو أحد الملفات الإستراتيجية المهمة، خاصة مع تزايد التعديات المختلفة عليه فى الآونة الأخيرة، وفى غفلة من تطبيق قانون رقم 48لسنة 1982 الخاص بحماية نهر النيل والمسطحات المائية،بيد أن هناك العديد من التجاوزات الصارخة التى تتطلب التدخل الفورى منها: إنشاء بعض المصانع على بعد أقل من 3 كم فى اتجاه التيار وأخرى أنشئت على بعد 700 كم وغير ذلك من المنشآت المطلة على النيل رأسا والتى تقوم بالصرف فيه،وتحتاج لتقنين أوضاعها بما يتماشى بالمحافظة على مياهه، وأعتقد أننا نعايش الآن فترة من أكثر الفترات حرجاً فى عمر أمتنا؛ تعانى فيها بيئتنا معاناة شديدة من مختلف أنواع التعديات سواء براً أو بحراً أو جواً،ويعانى فيها نهر النيل الذى هو رمز للحياة فى مصر.. من جميع صنوف الاعتداءات والتلوث بسموم قاتلة.
الأهـرام: على أى جهة تقع مسئولية صلاحية مياه الشرب؟ وما هى الجهة المنوطة بإزالة التعديات على نهر النيل؟
ضياء الدين القوصى : فى الواقع ترتبط جودة المياه وصلاحيتها للشرب بإختصاصات وزارة الصحة، التى تقوم بتحليل عينات المياه بصفة دورية فى معاملها الخاصة، وبالتالى يصبح أى تلوث للمياه هو مسئوليتها المباشرة. ويأتى دور وزارة البيئة فيما يتعلق بالتأثيرات السلبية التى تسببها بعض المخلفات التى تلقى فى النيل أما فيما يتعلق بالبناء على نهر النيل و إعطاء جميع تراخيص البناءونقل المواد الصلبة فتقع تحت طائلة وزارة الرى والموارد المائية مباشرة، كما تنوط بإعطاء التصاريح أو تقوم بإزالة المخالفات من على النهر. وطبقا للإحصاءات الرسمية فإن إجمالى إنتاج محطات مياه الشرب فى مصر هى 25 مليون متر مكعب فى اليوم طبقا لوزارة الإسكان أى أن حصة مياه الشرب واستهلاك المنازل من النيل 10 مليارات متر مكعب فى العام أى 20% من حصة مصر من مياه النيل تذهب لاستهلاك المنازل أى أن نصيب الفرد فى مصر نحو 300 لتر فى اليوم وهو رقم كبير جدا علما بأن متوسط نصيف الفرد من المياه فى الولايات المتحدة مابين 100 و200 لتر فى اليوم وعلى ذلك من المفروض حسابيا ألا تعانى مصر من الفقر المائى إلا أن الكارثة الحقيقية هى أن 50% من نصيب الفرد اليومى من المياه يفقد بسبب شبكات المياه المتهالكة وغياب عمليات الصيانة للمواسير وخزانات المياه فى العمارات والمنازل وكأن الأمر أشبه باستهتار مقصود بالمياه. هذه المياه التى تصل إلينا ونفقد نصفها تكبد الدولة 37 مليون جنيه يوميا فى محطات الشرب أى بمعدل 1.5 جنيه للمتر المكعب. وفى حقيقة الأمر إذا كنا نفكر فى مستقبل المياه يجب تفعيل ما يسمى الدعم المشترك للمياه بحيث لا تتساوى فاتورة المياه بين فئات المجتمع ويدفع من يستخدم مياه الشرب فى حمامات السباحة ورى الحدائق وغسل السيارات فاتورة أكبر ممن يستغل نفس المياه للاستهلاك المنزلي. فبدون مثل هذه السياسات فى ترشيد المياه قد نفاجأ بكوارث حقيقية فى المستقبل فمن المتوقع فى عام 2050 أن يصل تعداد المصريين لنحو 150 مليونا وإذا أخذنا فى الاعتبار الضغوط الإقليمية لتقليص حصة مصر من النهر فهذا يعنى أن نصيب الفرد من الماء سيقل جدا بشكل يهدد فرص التنمية فى البلاد.
المخلفات
الأهرام: هل هناك خطط مستقبلية بخصوص الحفاظ على مياه نهر النيل وحماية البيئة والمواطن من التلوث؟
مغاورى شحاتة: على الرغم من سعى الدولة الحثيث للحفاظ على نهر النيل العظيم شريان الحياة فى مصر من التلوث والحد من مسبباته.. إلا أن هناك العديد من المنشآت تحتاج خطط تقنين أوضاع لأماكن صرفها سواء أكان صرفاً مباشرا أو غير مباشر،وباتت هناك ضرورة ملحة لتطوير قانون رقم 48 لسنة 1982 ولائحته التنفيذية والخاص بحماية نهر النيل والمجارى المائية من أخطار التلوث.
ضياءالدين القوصي: فى الحقيقة أنا أرى أن المشكلة الحقيقية للنيل العظيم تكمن فى شيوع المسئولية عنه، فلا يوجد مسئول حقيقى عن النيل وأعتقد أن وزير الرى والموارد المائية يمكن أن يناط بتحمل هذة المسئولية.. فبذلك تكون له الصلاحية لمتابعة ومحاسبة ومراقبة الوزارات والإدارات جميع المتعلق عملها بنهر النيل،كوزارة الإسكان التى تحتاج مياه للشرب،ووزارة الزراعة التى تحتاج لزراعة جزر نيلية وغيرها،ووزارة النقل التى تحتاج لعمل ممرات للنقل فى المجرى الملاحي،ووزارة السياحة تحتاج لتمرير العبارات عبر نهر النيل وشرطة المسطحات المائية.. لذلك توحيد مسئوليتهم جميعا تحت إدارة واحدة سيسهم فى منع تضارب المصالح وتوحيد الجهود.
أزمة سد النهضة
الأهرام:مع تباطؤ المكتب الاستشارى الفرنسى عن تقديم التقارير الفنية عن سد النهضة والمخاطر المحتملة على دول المصر ما هو الوضع الراهن اليوم وكيف يمكن استكمال المفاوضات المصرية الأثيوبية فى هذا الشأن؟
مغاورى شحاتة: بداية التفاوض كانت مطالبة مصر لإثيوبيا بالتوقف عن بناء السد، بعد ذلك تم تشكيل لجنة ثلاثية، مكونة من مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب 4 خبراء دوليين وانتهت هذه اللجنة إلى وضع تقرير عن المشاكل المتعلقة بمشروع السد، وأشار التقرير إلى أن هناك مشكلات من حيث التصميم، وأخرى من حيث مستوى المعلومات وجودتها، وأن النماذج المستخدمة بدائية، وأنه لا توجد معلومات عن السد المساعد المسمى بـ» سد السرج «وصدر التقرير فى مايو 2013، وللأسف لم تستغل مصر هذا التقرير استغلالا جيداً فى حينها.
بعد ثورة 30 يونيو بدأ فتح الملف مرة أخري، ودخلت مصر مرحلة جديدة من التحاور بين مصر وإثيوبيا، وبدأ التفاوض جديا مع زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مالابو فى غينيا الإستوائية خلال مؤتمر القمة الإفريقي، وصدر بيان بإعتماد مبدأ التفاوض لحل الأزمة بين الدولتين، والتعاون بين البلدين، والتزام أثيوبيا بأنه فى حالة تضرر مصر ستزيل السد، وجرى الإتفاق على تشكيل لجنة رباعية مكونة من فنيين من مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا، لإعداد تقرير فى نهاية عملها ثم يدفع بالتقرير إلى مكتب استشارى دولى متخصص فى دراسات السدود، لتقييم الفوائد أو الأضرار الناجمة عن إنشاء السد، وقالت إثيوبيا إنها ستحترم رأى اللجنة النهائي.ومع تباطؤ التقارير الفنية أرى أنه من المهم أن تستمر فى التفاوض والضغط للحفاظ على حقوقها من مياه النيل حيث ترى أثيوبيا إنها دولة فقيرة وليس لديها موارد للكهرباء، وأنها معرضة للضرر أيضا من عدم بناء السد، وتدعى أن مصر لن تضار بمشروع سد النهضة، رغم أن 93% من أراضى مصر صحراء، ونسبة كبيرة من أراضى الدلتا تعانى العطش، كما أنها تدعى سوء استخدام المصريين لمياه النيل وتلويث النهر، وأن مصر لا تستحق أكثر من 40 مليار متر من المياه، وأنه إذا احتاجت النسبة المتبقية المتمثلة فى 15 مليارا، فإنها ستقوم ببيعها لنا رغم أن مبدأ بيع المياه ليس موجودا فى العالم أجمع..
اتفاقية عنتيبى
الأهـرام: هل كان يمثل توقيع مصر على إتفاقية عنتيبى مساساً بأمنها المائي؟
مغاورى شحاتة: بلا أدنى شك، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الأثيوبية قامت بتحويل مجرى النيل الأزرق الذى يمد مصر بنحو 85% من حصتها المائية التاريخية والبالغة نحو 55.5 مليار متر مكعب من المياه ودون انتظار لتقرير اللجنة الثلاثية الدولية المعنية بتقييم السد ودراسة الأضرار المتوقعة منه مما يتطلب إجراء المزيد من الدراسات الفنية والاقتصادية والبيئية الخاصة بإنشاء وإقامة السد.. على الرغم من عدم توقيع الحكومة المصرية على اتفاقية « عنتيبى» لإضرارها بأمنها المائي، مما يُعد خرقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية ومباديْ الأمم المتحدة من قبل إثيوبيا، ويشكل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الإقليميين، مع تنكرها الدائم لأكثر من 15 إتفاقية دولية وإقليمية تضمن حقوق مصر التاريخية فى مياة نهر النيل..وتجدر الإشارة إلى أن سد النهضة الذى شرعت الحكومة الأثيوبية فى إنشائه سيمنع عن مصر نحو 90 مليار متر مكعب من المياه خلال فترة زمنية وجيزة للغاية.. لا تتجاوز السنوات الثلاث المُقبلة، وتبلغ تكلفة إنشائه نحو 8 مليارات دولار فى حين يبلغ ارتفاعه نحو 145 مترا وطوله 1800 متر، بالإضافة إلى خطط مُستقبلية لبناء أربع سدود أخرى على النيل الأزرق بطاقة إستعابية تُقدر بنحو 200 مليار متر مكعب من المياه، والجدير بالذكر أن أى نقص أو عجز فى حصة مصر التاريخيه من المياه سيتسبب حتماً فى تبوير ملايين الأفدنة الزراعية فى مصر والسودان كدولتى « مصب « بما يوازى نسبة 30%، بالإضافة إلى التأثير البالغ على قدرة السد العالى فى توليد وإنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 30% مع العلم بأن معامل بناء السد الزلزالى 1.5 درجة بمقياس ريختر وفى مكان صخرى وغير مناسب إطلاقاً مما يُعزز من إحتمالات إنهياره الكبيرة خاصة إذا علمنا أن معامل أمان السد العالى على سبيل المثال أضعاف هذه النسبة بكثير، ومع قيام الحكومة الإثيوبية ببناء نحو 32% من السد خلال الفترة الماضية أصبحت مصر تحت خط الفقر المائي، وسترتفع الفجوة الغذائية فى مصر إلى نسبة 70 %.
الأهـرام:لماذا خرقت إثيوبيا مبدأ عدم الضرر الذى أقره القانون الدولى فيما يخص مجارى الأنهار؟
مغاورى شحاتة: من المفترض أن هناك قواعد بألا تضار أى من دول حوض النيل فيما يخص أمنها المائي، والمعروف أن الأكثر تعرضا للضرر هى دول المصب، وحتى لا يقع ضرر على أى من الأطراف أقرَّ القانون الدولى مبدأ عدم الضرر، والذى يقضى ويلزم دول المنابع بضرورة إبلاغ دول المصب مسبقا بما تعتزم إنشاءه من مشروعات على النهر كالسدود وغيرها،واستندت إثيوبيا بأن مصر أقامت مشروعات مثل السد العالى وترعة السلام ومشروع توشكي، دون إبلاغ أى من دول المنابع، وبالتالى لا يحق لمصر المطالبة بإخطارها عند إنشاء مشروعات من جانب دول المنبع، فمشروعات السد العالى وترعة السلام وتوشكى وغيرها لم تضر أثيوبيا، ولم تأخذ من حصة أى دولة على النهر، بل على العكس فإن السد العالى أفاد دولة السودان كثيرا، وهناك فرق واضح بين إخطار دولة المصب لدولة المنبع، والعكس صحيح فإخطار دولة المنبع ضرورى لأن مشروعاتها تخرج مياه الحوض من مكانها وبالتالى تؤثر على دولة المصب، لكن مشروعات دولة المصب لا تؤثر على أى من الدول المشتركة فى المياه، ورفضت أثيوبيا حق الإخطار المسبق لمصر قبل القيام بالمشروعات على مجرى النهر، وأقرت مبدأ التصويت بالأغلبية خلال الاتفاق الإطارى لمبادرة دول حوض النيل، اعتمادا على قيام مصر بإنشاء مشروعات على النيل دون إخطارها.
الأهرام:كيف ترون قانون حماية النيل بصورته الحالية؟ وهل تم تدارك الثغرات الموجودة به؟
مغاورى شحاتة: أرى أن قانون حماية النيل قبل التعديلات عليه.. متهالكاًوليس كافيا لردع المخالفين، خاصة أنه لم يتطرق بشكل كاف لنقل المواد الصلبة عبر نهر النيل، وآليات الأمان التى يتم وضعها من أجل عدم تكرار كارثة صندل الفوسفات هو أمر لم ينص عليه القانون، وحتى مع تغليظ العقوبات وتعديل بعض البنود فى القانون الجديد فهذا لا يعتبر الحل الأمثل لحل مشكلة نهر النيل.. وإنما الفيصل هو إحساس المواطن المصرى بأهمية المحافظة على مياه النيل.
ضياء القوصي: أعتقد أن القانون عاجز حتى الآن عن تشديد العقوبات على المخالفين، فمثلاً:مبلغ 50 ألف جنيه غرامة مقارنة بالمبانى التى تتكلف ملايين الجنيهات هو أمر غير كاف لردع المخالفين،ولابد من وضع آلية كاملة للتنسيق بين الوزارات لمنع أى اعتداء على النيل برئاسة جهة بعينها، بجانب سد أى ثغرة قانونية وتطبيق القانون على الفئات جميع دون استثناء.
الأهـرام: كيف ترون ملامح وثيقة النيل؟ وهل إقتصر منح صفة الضبطية القضائية على أعضاء وزارة الرى والموارد المائية؟
مغاورى شحاتة: تعد وثيقة النيل بصورتها الحالية وثيقة أخلاقية قبل أن تكون تنفيذية، حيث تلتزم الدولة بمقتضاها بإزالة كل التعديات ومنع التلوث ومسبباته بالتنسيق مع الوزارات ذات الصلة بقضايا نهر النيل.ولقد بدأ الإعلان عنها فى 15 مارس 2015، والتى اقترحها د.حسام المغازى وزير الموارد المائية والري، تقوم الوثيقة على 7 محاور رئيسية ينبثق عنها قانون « نهر النيل الموحد». أما صفة الضبطية القضائية فهى ممنوحة لشرطة المسطحات المائية بمقتضى القانون الراهن ولاحقاً وفور صدور القانون الجديد سوف تمنح لوزارة الرى والموارد المائية.
نص وثيقة حماية النيل
فى ظل هجمة شرسة يتعرض لها نهر النيل شريان حياة المصريين وهبة وجودهم وإحتراماً لدستور مصر الذى أقسمنا جميعا عليه، والذى يقر بالتزام الدولة بحماية نهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها وعدم إهدار مياهه أو تلويثها، كما أكد حق كل مواطن فى التمتع بنهر النيل وحظر التعدى على حرمته لذا فإننى أعلن اشتراكى فى لجنة «حراس النيل» لحماية النهر من التعدي، و أقوم بدور رقابى شعبي، أتابع شئون النيل وأشارك فى توعية المواطنين ضمن الحملة القومية لحماية النهر وأقسم على عدم تلويثه أو التعدى عليه.
شارك من الأهرام: ثابت أمين عواد ــ مارى يعقوب - خالد الجرنوسى ــ محمود أمين
ضيوف الندوة:
د.مغاورى شحاتة: الخبيرالدولى فى دراسات المياه ورئيس جامعة المنوفية الأسبق
د.ضياءالدين القوصي: مستشار وزارة الرى الأسبق للمياه الجوفية