يشاركه في هذا ايضا بقية اعضاء التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وكأن السماح ــ والذي جاء بعد طول مماطلة ــ باستخدام قاعدة " إنجيرليك" الجوية في أضنة بالجنوب التركي لضرب التنظيم ليس كافيا.
غير أن الحقيقة التي لم يقلها كارتر ، هي أن الهدف الاساسي وربما الوحيد للعدالة والتنمية الحاكم ، من قصف مقاتلاته مواقع بشمالي سوريا والعراق إضافة إلى ما بداخل تخوم جنوب وجنوب شرق الاناضول هو دحر الانفصاليين الأكراد في محاولة يائسة لإعادة ما فقده من انصاره القوميين المتشددين ، وبعد أن يتم وأد المتمردين ستكون العودة سريعة لطاولة المفاوضات وعقد المصالحة المنشودة ، ولأن الحرب الدائرة هناك -حيث العرقيات غير التركية هي الغالبة- ، لم يكن هناك ما يبررها وفق المنطق ، ولم تأت الا نزولا على رغبة باديشاه الاناضول الجديد، بدأت تتكشف شيئا فشيئا الدوافع الحقيقية لها.
فيوم الجمعة الموافق 28 أغسطس ، خرج يالتشين أكدوغان ، النائب البارز بمجلس الوزراء وعين رئيس الجمهورية الساهرة ، والتي لا يغمض لها جفن قبل ان ينقل لرب نعمته كل صغيرة وكبيرة ، بتصريحات مثيرة استهلها بجمل مؤداها " لقد حذرنا من تناقص اصواتنا في استحقاق السابع من يوينوالماضي وما حدث عليكم تحمل عواقبه ، فقد فشل العدالة والتنمية في الانفراد بالحكم ، وبالتالي ضاعت عملية السلام " ، ثم موجها كلامه ليس لعموم شعبه بل للأكراد ولسان حاله يقول لهم عودوا إلى رشدكم فــ " الأمن والاستقرار لن يتحققا إلا بسلطة منفردة لنا "، ورغم أن الرجل نفي صبغة التهديد في حديثه إلا أن مضمونه حمل ما هو أكثر من الوعيد والنذير.
في سياق متصل لا يبتعد عن ذلك الاسترسال المقصود والممنهج ، تناقلت الميديا ، وهي بالطبع المناوئة لصناع القرار والحكم معا ، قصة أعادت إلى الأذهان مشهد مأساويا كاد يعصف باردوغان الذي هب معنفا مواطنا اتهم حكومته بالإهمال لولا حراسه الأشداء الذين حالوا بينه وبين الساخطين من عوائل ضحايا منجم سوما للفحم الشهير غرب البلاد ، في مارس العام 2014 وراح ضحيته 301 عامل .
فالواجب كان يقتضي أن يتصل هاتفيا مع أسرة أحد الجنود والذي لقي حتفه في التاسع من الشهر نفسه خلال مواجهات مسلحة بمدينة سيريت جنوب شرق تركيا ، وردت عليه شقيقته قائلة نصا : " لا يمكن لك أن تتفهم ما نحـس به من آلام ، إلا إذا جـاء نعـش ابنـك بـلال أيضـا ملفـوفا بالعـلم التركي بعد استشهاده ، هل يجب أن يدفع أبناؤنا وإخواننا ثمن تراجع نسبة أصوات حزبك ؟ " هنا وكما هي عادته العنيفة رد عليها وقد استشاط غضبا صارخا بحدة متناسيا منصبه الرفيع : من أجبر أخاك على اختيار هذه المهنة" في إشارة إلى كونه متطوعا محترف ولكنه في النهاية ليس مرتزقا أجيرا.
على أية حال ليس هناك في الأفق ما يشير إلى توقف شلالات الدم فالارواح تتساقط ، واردوغان يشدد معلنا في حسم " سنكافح الإرهاب حتى النهاية ، وسنتحدث باللغة التي يفهمونها" .
في المقابل جاءه الرد سريعا وقاطعا هو الآخر متمثلا في زيادة العمليات التي تستهدف الجيش والشرطة ، وأعلن اتحاد المجتمعات الكردستانية أحد أذرع منظمة حزب العمال بأن عناصره ستدخل المدن لحماية الشعب إذا لم توقف الدولة عملياتها ، تأتي تلك الخطوة بعد أن تمكن من نقل فصائله من الجبال إلى مراكز المدن وهو ما احدث طفرة نوعيه في أساليب حرب العصابات التى باتت أكثر تأثيرا مما كانت عليه قبل عامي 2012 و2013، واللذين ترك فيهما السلاح مؤقتا ، لإفساح المجال للمفاوضات السرية التي قادها هاكان فيدان رئيس جهاز المخابرات والمقرب ايضا من اردوغان ، مع زعيم المنظمة عبد الله أوجلان الذي يقضي عقوبة السجن مدي الحياة في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة غرب إسطنبول.
وليس هذا هو الجديد فحسب ففي بعض الأماكن بمعاقلهم التقليدية باتوا يتصرفون وكأنها دولة موازية حيث أصبحت تنفذ عمليات لحفظ الأمن وتم فرض ما يشبه الحكم الذاتي في 30 منطقة وتشهد المرحلة الحالية قيام العمال الكردستاني بتسليح المدنيين بمناطق نفوذهم في مؤشرات تومئ بما هو أسوأ .
وبالتوازي مع تلك التطورات واتساع مساحات الانتقادات لاستبدال الحرب ضد الاكراد والتي صبت في صالح تنظيم الدولة الإسلامية، طبقا لما ذهب إليه مراقبون غربيون ، تتزايد الاصوات داخليا وخارجيا متهمة حكومة العدالة عندما كان يرأسها اردوغان بانها ساعدت داعش ، إذ فاجأ محمود تانل النائب بحزب الشعب الجمهوري المعارض الرأي العام بالمذكرة التي قدمها للبرلمان طلب فيها فتح تحقيق مع كريمة رئيس الجمهورية " اسما " لتقديمها الدعم المالي والمعنوي للتنظيم الارهابي واحتمالات زواجها من أحد قادة التنظيم ، وقد يكون هذا امرا مبالغا فيه، إلا أنه لا ينهي عشرات علامات الاستفهام حول وجود علاقة خفية مع جهاديين على صلة مباشرة بداعش ومدهم بالسلاح وغض النظر عن انتقال انصارهم عبر الاراضي التركية الى سوريا، والتى لم تفلح معها بيانات الساسة الاتراك التي نفت جملة وتفصيلا ما اعتبرته مزاعم.
ونسوق هنا على سبيل المثال لا الحصر غضب انقرة الشديد من إتهامات رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي لها بمساعدة تنظيم الدولة الاسلامية ولم يكن أمام المتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بيلجيج، سوى وصفها بالهذيان الناتج عن شعور المالكي بالذنب لدوره الكبير فى فقدان بلاده حوالي ثلث أراضيه لصالح التنظيم الارهابي ومقتل عشرات الالاف من الاشخاص وبقاء ملايين العراقيين بدون مأوى
صحيح قامت الطائرات الحربية التركية بقصف مواقع داعشية للمرة الاولي مساء السبت الفائت ، إلا أن المواجهات الشرسة الحالية لمحاصرة المسلحين الأكراد ستظل في بؤرة المشهد الاردوغاني كما اراد ، بيد انها صارت حربا ثالثة ، تضاف للحربين الدائرتين بالفعل ضد بشار الاسد من جانب وداعش من جانب ثان وهي عقدة جديدة على ساحة قتال معقدة بشكل مدهش للغاية على حد تعبير تقرير لشبكة إذاعية ألمانية ناطقة باللغة التركية والذي خلص في النهاية الي ان سياسة صاحب القصر الابيض المتبعة غير سليمة ، وتدفع الطرفين التركي والكردي معا إلى الهاوية بعدما صارا على حافتها.