، فإن مواجهة الخطر تقتضى اللجوء إلى منهج موضوعى وقدرة علمية تصلح لأن تختار ما يتلاءم مع ثوابت الأمة، ذلك لأن الاستسلام للغزو الإعلامى والإعلانى معا يساعد على تآكل الجسد وتجويفه، ومن ثم تهدمه وانهياره، والإعلان التجارى أصبح سمة على هذه الفضائيات، وهم يلجأون من أجل الترويج للمنتج إلى كل ما هو مبهر حتى يحصدوا المكاسب المالية ويضمنوا قدرا كبيرا من الانتشار والذيوع وزيادة التوزيع، وأصبح لكل شيء إعلان خاص به، ودخل المنتجون حلبة الإعلان وتفننوا فى تقديمه للمشاهد بشكل يثير حواس الناس جميعا، فلا يقوى على الانفلات من تأثيره أحد.
والمرأة ـ فى كيانها الجميل ـ أصبحت لعبة الإعلان، فما من إعلان يخلو من فتاة جميلة مختارة بمقاييس «تجارية» تتعامل مع العين، فالجسد دقيق التكوين، والوجه أبيض مشرب بالحمرة، والعيون شقية وجريئة، والشعر ناعم ومسترسل
وفى ظل سيادة المقولات التى تتحدث عن المساواة والحرية، راحت الاغراءات تفرض نفسها وتحدد السلوك، وسهلت للنمط الغربى أن يسود على القنوات العربية، وأصبحت صورة المرأة فى الإعلان العربى تخاصم الطهر والعفاف والإنسانية، وراحت تجرى وراء الإغراءات المادية التى تحصل عليها من العمل فى الإعلانات. وإذا كان الإعلان يعتمد على مخاطبة الغرائز لدى المشاهد، فإن الترويج للسلعة عبر التليفزيون أو حتى فى المجلات والصحف، يتخذ من المرأة وسيلة لإظهار ما فى السلعة من فائدة وجمال، والترويج للمشروبات والمأكولات والمنتجعات وغيرها قائم على استغلال المرأة استغلالا مبالغا فيه ويسيء إليها، وذلك حين يعتبرها ـ فى تجلياتها المختلفة ـ سلعة جميلة ومغرية تساعد فى ترويج السلع المادية المعلن عنها، ومن ثم تساوى الاغراء المادى بين المرأة والسلعة.
ولا شك أن تعرى المرأة وخلاعتها وتجرؤها الشديد ـ وفق سيناريو الإعلان ـ فيه امتهان لها، وانحطاط بقدرها، وأصبح الإعلان بإلحاحه ذريعة نفسية لأن تسلك الفتيات الجميلات نفس المسلك فينجرفن نحو عالم الأضواء والألوان، ويتلفعن بعباءة الإعلان، ومن لم يحالفها الحظ تظل تحلم به مما يمثل عبئا على الأسرة، ويفضى إلى نوع من الخلل القيمي، وكثير من التجاوزات، فضلا عن التعدى على حريات الآخرين، وهذا هو الجانب الخطير من استخدام المرأة كسلاح إغراء فى الإعلانات، وكأنه أمر متعمد لتسهيل الغزو الإعلامي.
إن استغلال أنوثة المرأة فى جمالياتها المتنوعة جاء تقليدا للفضائيات الغربية، بل إن الصحف والمجلات استخدمت المرأة فى مجال الإعلان فى أوضاع تخدش الحياء، وكذلك استغلال نبرات الصوت فى تهدج يقترب من الفحش، ولم تخجل بعض القنوات وهى تبث إعلانا عن «الفياجرا» بصوت امرأة جميلة يقترب من الفحيح، كما قامت المرأة بالإعلان عن سلع غريبة طبيعتها كالمبيدات الحشرية، والاطارات، والدهانات، وأطعمة الكلاب وغيرها، ومازال استغلال المرأة فى الإعلان له سطوته وتأثيره، والتفنن فى إبراز مفاتن الأنثى يتنامى مع تنامى درجات العرى وغنج الصوت، حتى بدا للمشاهد أن المرأة التى يجب أن تكون رمزا للعفاف، أصبحت رمزا للابتذال والفحش.
الأديب ـ محمد قطب