هذه المقولة دفعت الباحثة إيمان مهران المتخصصة في البحث التشكيلي إلى تأليف كتابها «نحت أطفال قرية القرنة» الذي حاولت فيه فتح طريق أمام الدارسين في مجالات الطفولة وعلم النفس ودارسي الفنون الفطرية، علهم يكملون البحث في المناطق المعمورة في ربوع مصر وقد اختارت الباحثة طفل القرنة على اعتبار أنه نموذج يحتاج لمزيد من الرعاية.
تستعرض الباحثة مدى تأثير الجغرافيا ونهر النيل على الأقصر وظهور الفنون المصرية القديمة وخصوصيتها رغم اختلاف العصور المتعاقبة، ثم تستعرض خصائص قرية القرنة التي تضم آثارا فرعونية وقبطية وإسلامية وعلاقة المهندس حسن فتحي بالقرنة والتي تضمنها كتابه «عمارة الفقراء» ومحاولته إنشاء القرنة الجديدة.
تنتقل المؤلفة لأطفال القرنة الذين يتعلمون في المدارس الحكومية ويساعدون آباءهم في عملهم خلال الإجازة الصيفية ويعملون بكل مراحل التشكيل النحتي، ويتميز الطفل النحات باستعداده للتعلم والصبر على معلمه فنحت الأطفال أحد مجالات التعلم ومن العوامل المؤثرة البيئة والوراثة، ففي أحد المنازل وجدت الباحثة ثلاثة أجيال لأسرة واحدة تتحدث بروح وفكر واحد وكأن كل جيل يسلم للذي يليه، وهناك عوامل تسببت في عمل أطفال القرنة في النحت منها وجود أطفال مسئولين عن أسر كاملة لوفاة عائلها ورغبتهم في تقليد آبائهم ومحاولة إثبات الذات بإظهار مهارة وتفوق كما أن المهنة تدر الربح وقت تحسن السياحة.
ومن خصائص نحت طفل القرنة البعيدة عن المستنسخات، التركيز على إنتاجه الإبداعي الموجود بالمدارس وهنا يظهر حسه الشعبي في التشكيل، فينتج شيئا يستخدم في بيئته الريفية البسيطة بها رموز فرعونية، ويهتم الطفل بالتلوين بألوان فرضتها الصبغات المتوافرة في البيئة المحيطة من الأكاسيد الملونة وأغلب الخامات التي يستخدمها، حجر التلك والحجر الجيري ولا يستخدم الطينيات وتتميز النقوش بدقتها وترابطها مع الشكل النحتي وأغلب الأطفال بالقرنة يفضلون النحت على الرسم.
وتستعرض الباحثة أوجه التشابه والاختلاف بين رسوم الأطفال ورسوم المصري القديم ونحت طفل القرنة والنحت القديم، من حيث الخامات والتقنيات والألوان والأشكال ثم تنتقل الباحثة إلى دور ورش التشكيل النحتي التي تبلغ نحو 50 ورشة، توضح أن النحت أمد أهالي القرنة بمعرفة أسرار خامات البيئة والتمكن من فهم خصائصها، لكن هناك بعض السلبيات منها عدم توافر الشروط الصحية في المنازل والورش والتوظيف السييء للمواهب التي احترفت تقليد بعض القطع القديمة وبيعها على أنها أصلية.
وتختتم الباحثة دراستها بضرورة وجود رؤية جديدة للقرنة وتنمية إمكاناتها وظروفها ومكانها التاريخي ورعاية نشئها ودعمهم اجتماعيا ونفسيا وتسويقيا، فهم ثروة إنسانية وهنا يظهر دور جامعة جنوب الوادي ووزارة التربية والتعليم ووزارة السياحة.
الكتاب: نحت أطفال القرنة
المؤلف: إيمان مهران
الناشر: على نفقة المؤلف 2015