وفى أعقاب الحملة، التى لاقت تأييدا رسميا من العديد من الجهات المعنية سواء المتعلقة باستيراد اللحوم كما فى وزارة التموين ، أو تربيتها كما فى وزارة الزراعة، سيطرت حالة من الركود على سوق اللحوم الحمراء بالقاهرة والمحافظات ، بعد ارتفاع أسعارها إلى 85 جنيها، ووصلت لبعض القطع المتميزة من الذبيحة إلى 120 جنيها فى المناطق الراقية، وقد تراجعت مبيعات محلات الجزارة إلى نحو 50% باعتراف الجزارين أنفسهم، والذين برروا ارتفاع الأسعار بالوسطاء بين المربين وبينهم، وارتفاع أسعار العلف ومستلزمات الإنتاج، وغياب الدعم للمربين، وتراجع معدلات الانتاج بسبب ذبح الإناث، ونقص أسباب عديدة
فى حين يؤكد محمد عطا يعمل فى محل جزارة بالجيزة، أن الجزار مظلوم، وأن الوسطاء والعلف لعبا دورا كبيرا فى ارتفاع الأسعار، وأن الجزارين يتحملون نفقات فواتير المياه ، والكهرباء، والضرائب، والايجار، والتأمينات، مشيرا إلى أن سعر كيلو اللحم القائم» بالعظم» يصل إلى 58 جنيها، وبعد حساب كافة التكاليف ( الذبح وخلافه) يصل السعر إلى 79 جنيها للكيلو، ومن ثم يتم بيعه بسعر 85 جنيها ، وبعد كل هذا العناء يربح الجزار 300 جنيه فقط فى رأس الماشية بعد البيع.
علاج الأزمة بالمسكنات
المقاطعة ليست هى الحل - كما يقول محمود عبد الرحمن « موظف».. وأن علاج أزمة اللحوم فى مصر، مازال مستمرا بالمسكنات، من خلال الاستيراد من الخارج، لتلبية الطلب المحلى على اللحوم دون البحث عن حلول حقيقية لها، إذ ليس من المعقول أن نلجأ للاستيراد، ولا يتم اتخاذ إجراءات لتنمية الثروة الحيوانية فى مصر، ودعم المربين، وتوفير الرعاية البيطرية اللازمة للحفاظ على الثروة الحيوانية وتنميتها، ومن ثم تقليل معدلات الاستيراد من الخارج وتوفير العملة الصعبة، مطالبا بتكثيف الرقابة على الأسواق، لمواجهة جشع الجزارين، وتوفير اللحوم فى المجمعات، والتوسع فى المنافذ التابعة لوزارتى التموين والزراعة، للحد من ارتفاع الأسعار، وتوفير اللحوم بأسعار مناسبة للمواطنين.
قاطعو الوسطاء
وعلى أرض الواقع، يؤكد محمد محمود مربى ماشية، أن اللحوم الحية كانت تباع بسعر 20 جنيها للكيلو بالمزرعة قبل عدة شهور، بينما كان الجزار يبيعها بسعر 50 جنيها، وعندما ارتفع السعر بالمزارع إلى 30 جنيها لكيلو اللحوم الحية» قبل الذبح»، أصبح الجزار يبيعه بسعر 80 جنيها، وتكمن المشكلة فى الوسطاء الذين يبالغون فى الأسعار، ولذلك يجب على الجزارين الحصول على رأس الماشية المعدة للذبح بأنفسهم، مؤكدا أن ارتفاع سعر العلف، ومستلزمات الإنتاج، والرعاية البيطرية الخاصة وراء ارتفاع الأسعار بالمزارع، ولكن ليس بالقدر الذى تباع به فى المحلات.
الجزار يربح ما بين 3 و4 آلاف جنيه فى الرأس، فى حين تتكلف رأس الماشية ما بين 0009 و 9500 جنيه، ويباع بسعر 10 آلاف جنيه.
حلول مطروحة
الحل كما يراه محمود ــ يكمن فى ضرورة إيجاد حلول جذرية ، فالمقاطعة ليست سوى حل وقتى للأزمة ، ولكن يجب أولا تنمية الثروة الحيوانية، وضبط الأسعار، وتسهيل إجراءات إنشاء المزارع، ودعم المربين، وتوفير السلالات المناسبة للتربية، وحل مشكلة تمويل مثل هذه المشروعات بالبنوك، بفوائد تتلاءم مع نسبة الربح التى يمكن أن يحققها المربي، ناهيك عن ضرورة توفير الرعاية البيطرية اللازمة لمواجهة الأمراض الفتاكة كالحمى القلاعية، والتى يجد المربى نفسه وحيدا فى مواجهتها والتعامل معها.
خطة شاملة
وفى خطوة جادة لحل الأزمة، ومواجهة ارتفاع أسعار اللحوم، يؤكد محسن زاهر رئيس شركة النيل للمجمعات الاستهلاكية، أن وزارة التموين والتجارة الداخلية وضعت خطة لتوفير اللحوم بأسعار مخفضة، حيث يتم استيراد 80% من اللحوم المستوردة المجمدة من البرازيل، و20% من الهند ودول أخري، كما أن الوزارة تعمل على توفير اللحوم المجمدة والحية المذبوحة فى المنافذ الحدودية ، فاللحوم الحية المستوردة من السودان يتم ذبحها فى منفذ أبو سمبل، ويجرى الذبح أيضا فى السويس وسفاجا، ويتم الذبح فى تلك المنافذ الحدودية كإجراء وقائي- لحماية الثروة الحيوانية المصرية من الإصابة بالأوبئة والأمراض الوافدة، مشيرا إلى أن اللحوم المجمدة البرازيلية يتم طرحها بأسعار تتراوح بين 32 و38 جنيها، أما اللحوم الطازجة فتباع بسعر 40 جنيها للحوم السودانية، و58 جنيها للأنواع الأخري، وتطرح المجمعات الاستهلاكية نحو 10 آلاف طن يوميا من اللحوم المجمدة والطازجة، ويتم طرح اللحوم والدواجن والأسماك فى نحو 4500 منفذ تابع لشركة النيل فى المحافظات، وتلك المنافذ متوفرة فى القاهرة، والإسكندرية، وعواصم المحافظات، والمراكز الكبري، وهناك تعاقدات مستمرة طوال العام لتوفير احتياجات المواطنين من اللحوم، والدواجن، والأسماك، حيث تضمنت خطة وزارة التموين والتجارة الداخلية، التعاقد على كميات كبيرة من رؤوس الماشية الحية، وكذلك التعاقد على لحوم طازجة مبردة منها 105 آلاف رأس ماشية من السودان، وكذلك استيراد 20 ألف رأس من أوروجواي، واستيراد 30 ألف طن دواجن مدعمة، والتعاقد على 75 ألف رأس ماشية من السودان، لاستيراد قطعان الماشية بسعر يتراوح بين 3,5 دولار و4 دولارات للكيلو، إضافة إلى التعاقد على 10 آلاف رأس من الأغنام ، واستيراد لحوم مبردة من أفريقيا وإيطاليا ، إلى جانب التعاون مع جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة لتوفير اللحوم، وكذلك التعاون مع وزارة الزراعة لتوفير اللحوم بالمجمعات، وهناك مشروع سيجرى تنفيذه بالتعاون مع وزارتى التموين والزراعة بالتنسيق مع الصندوق الاجتماعى للتنمية وتشرف عليه المجمعات الاستهلاكية، وهناك اتجاه للتوسع فى منافذ البيع، لمواجهة غلاء الأسعار، إلى جانب مخاطبة الدكتور خالد حنفي، وزير التموين والتجارة الداخلية، للمحافظات ومديريات التموين، بشأن التنسيق الدائم لزيادة معدلات تزويد منافذ التوزيع فى المحافظات باللحوم، وتوفير المنتجات باستمرار بأسعار منخفضة.
الفجوة بين العرض والطلب
> ويبقى السؤال: كيف تتعامل وزارة الزراعة مع أزمة الإنتاج الحيواني، وهل هناك استراتيجية واضحة للنهوض بهذا القطاع الحيوي؟
الإجابة تأتى على لسان الدكتور محمد تاج الدين رئيس قطاع الإنتاج الحيوانى بوزارة الزراعة، الذى يؤكد لـ « تحقيقات الأهرام»، أن حملة « بلاها لحمة» تهدف إلى مناهضة جشع الجزارين والتجار، كنوع من الرقابة الشعبية المطلوبة لضبط الأسعار ، فى ظل ضعف الرقابة الرسمية، مشيرا إلى أن مصر تستورد 65% من اللحوم من الخارج، وهناك 140 منفذًا على مستوى الجمهورية لبيع اللحوم والدواجن والأسماك ، وأن المجمعات حصلت على 2000 رأس منذ شهر رمضان الماضى وحتى الآن، وهناك خطة لتزويدها بنحو 5 آلاف عجل فى عيد الأضحى المبارك.
يضيف تاج الدين: لقد وضعت وزارة الزراعة خطة لتقليل الفجوة بين العرض والطلب، من خلال العديد من الإجراءات من بينها مشروع البتلو، والذى استفاد منه حتى 30 يونيو الماضى نحو 1150 مربيا، بواقع 19600 رأس ماشية، كما تم إطلاق خط الائتمان لمشروع البتلو أيضا، وسيقوم بالإعلان عنه الدكتور صلاح هلال وزير الزراعة، خلال الاحتفال بعيد الفلاح فى 9 سبتمبر، ويتضمن قرضا بالضمان الشخصى عن طريق بنك التنمية والائتمان الزراعى بحد أقصى 50 ألف جنيه، ونوع آخر من القروض حتى 400 ألف جنيه، بينما تصل قيمة القروض المخصصة للجمعيات والشركات حتى مليون جنيه تسدد خلال عام بفائدة بسيطة مقدارها 7%، ومع اختلاف قيمة القرض تختلف الضمانات المطلوبة، ويتم الصرف خلال 10 أيام على الأكثر من تاريخ تقديم طلب القرض ، وبعد اتمام الإجراءات ، ومن بينها الاستعلام البنكى عن موقف العميل، وتقديم الأوراق والضمانات المطلوبة.
أما الثروة الحيوانية فى مصر- كما يقول رئيس قطاع الإنتاج الحيوانى بوزارة الزراعة- فتتضمن 4,5 مليون عجل جاموسي، و4 ملايين بقري، وننتج مليونى عجل جاموسى وبقرى كل عام، وهى تمثل الولادات الجديدة، وإن كانت هذه الاحصاءات ليست دقيقة لصعوبة حصر الماشية الموجودة لدى الفلاحين، والتى يصعب تسجيلها، ولكن استمرار ذبح الإناث يمثل كارثة كبيرة على الثروة الحيوانية، فمن يصدق أن نحو 70% من عمليات الذبح تتم داخل المجازر الحكومية ومعظمها إناث، ومن يصدق أيضا أنه تم ذبح 23 ألف أنثى خلال عام واحد؟.. الأمر الذى يستوجب ضرورة تفعيل قرار تجريم ذبح الإناث للحفاظ على الثروة الحيوانية.
الجزار متهمًا
حملة « بلاها لحمة» كما يقول محمد وهبة رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية- تعد فى حد ذاتها شيئا إيجابيا، ولكن المقاطعة يجب أن تشمل اللحوم الحية والمستوردة، حتى لا تصب مقاطعة اللحوم الحية فى مصلحة مستوردى اللحوم من ناحية، ودعم الإنتاج الحيوانى المستورد من ناحية أخري، مؤكدا أن حملة مقاطعة اللحوم البلدية لن تأتى بنتيجة ملموسة، لأن الإنتاج المحلى من اللحوم الحية يمثل 40% من حجم الاستهلاك، بينما نعتمد على اللحوم المستوردة حية كانت أو مجمدة بنسبة 60%، ولذلك فإن الحل يجب أن يتجه نحو زيادة الإنتاح، لزيادة العرض فى مواجهة الطلب، وهو ما يؤدى إلى تراجع أسعار اللحوم.
وفى كل مرة ترتفع فيها أسعار اللحوم ، فإن الجزار هو المتهم دائما من جميع الأطراف برفع الأسعار، وهو الذى يتحمل وحده أوجه القصور فى هذه المنظومة، ودائما يخضع للاتهام ، مع أن الجزارين يشترونها بأسعار مرتفعة من المجازر، أومن أسواق الماشية، ويتحملون أعباء الإيجار، والعمال، والنقل، والضرائب ، والتأمينات وغيرها من الالتزامات المالية.
المقاطعة حل مؤقت
وبشكل عام، تمثل المقاطعة حلا لارتفاع أسعار اللحوم، لكنها ــ كما يقول سيد النواوى مستورد لحوم، وعضو مجلس إدارة غرفة القاهرة التجارية- جاءت فى توقيت غير مناسب، لقرب حلول عيد الأضحي، حيث يقبل المواطنون على شراء الأضاحي، أو توزيعها على الفقراء، أو تناولها فى تلك المناسبة أيا كان سعرها، مؤكدا أن هناك العديد من الممارسات السلبية التى تؤثر على الإنتاج الحيواني، ومنها ذبح الإناث، وهو ما يقلل من معدلات الإنتاج ، فضلا عن ثقافة الاستهلاك لدى المواطن المصري، حيث يشترى اللحوم بالكيلو، بينما فى الخارج يحظرون ذبح الإناث، كما يشترون شرائح اللحوم فقط، وهو ما يجعل هناك وفرة فى العرض، فى مقابل تراجع الطلب ، ومن ثم تنخفض الأسعار.
وكما هو معروف- والكلام لـ سيد النواوى مستورد اللحوم- فإن الحيوان يحتاج إلى مأوي( مكان للتربية)، ومرعي( للتغذية)، ورعاية صحية للوقاية من الأمراض أو علاجها، وتلك العوامل الثلاثة ليست موجودة فى مصر ، حيث لا توجد أماكن للتربية، ولا مراعى ، ولا رعاية بيطرية كافية
> سألناه: هل تعتقد أن ارتفاع أسعار اللحوم يرجع إلى جشع الجزارين؟
- النواوي: بعض الجزارين جشعون، لكنهم فى الغالب يستهدفون الطبقة القادرة بأنواع محددة من اللحوم كالبتلو، حيث يبيعونه بأسعار مرتفعة ، لكن فى المقابل هناك لحوم تباع بأسعار تتراوح بين 38 وحتى 55 جنيها ، وللزبون حق الاختيار، لكن نسبة كبيرة من الجزارين على حق، حيث إن التكلفة مرتفعة ،و يجب ألا يكون الجزار هو «الشماعة» التى يعلق عليها الجميع سبب ارتفاع أسعار اللحوم، إذ يجب البحث عن حلول جذرية، لأزمة نقص الإنتاج الحيوانى فى مصر.