هذا ما حاول أندرو هوسكين مراسل هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» توضيحه في كتابه الجديد «إمبراطورية الخوف.. داخل داعش»، لكن هذه الخريطة لم توضح شيئا جديدا، فالمخابرات الغربية لا تتواني عن الكشف بين الوقت والآخر عن نشر وثائق جديدة للتنظيم تؤكد رغبته في الانتشار واحتلال عدد من دول العالم، ولعل آخرها كانت وثائق «الحاج بكر»، الذي وصفته بأنه أحد فلول نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وبأنه الأب الروحي لهذا التنظيم الإرهابي.
كتاب هوسكين يؤكد أن جذور نشأة داعش تعود إلى عام 1999، وأنه خرج من رحم جماعة «التوحيد والجهاد» الأفغانية بينما كانت الانفراجة الحقيقية أمام هذا الفرع الصغير تتمثل في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي أوجد فراغا أمنيا وغذى الانقسام الطائفي. ويزعم الكاتب البريطاني أن «داعش» وضع مخططا يتكون من 7 خطوات يتضمن دفع الولايات المتحدة لشن حرب على العالم الإسلامي في بداية الألفية الثالثة، في إشارة إلى هجمات سبتمبر وغزو أفغانستان، وتشجيع الثورة على الحكام العرب في الفترة من 2010 إلى 2013.
وأوضح أن التنظيم نجح بالفعل في إثارة الاضطرابات في العراق وسوريا ويعمل على إيجاد حالة من الفوضى في ليبيا، وتدمير قطاع السياحة في تونس، وتفجير الأوضاع الطائفية في دول عربية أخرى.
وبهذا المعنى الذي يحمل الكثير من نظريات المؤامرة، فإن داعش نجحت في تحقيق مخططها، وأن العقول المدبرة لاستراتيجياتها نجحت في اختراق العالم بالفعل، لكن هذا الكلام غير واقعي ويحمل الكثير من المبالغة باستثناء رغبة التنظيم التوسعية في عدد كبير من دول العالم، والذي نجح فيه عبر دعم بعض الدول والجماعات الإرهابية التي أعلنت مبايعته وامتلاكه آلة دعاية ضخمة ومليارات الدولارات عبر السلاح الأقوى «البترول».
لكن السؤال الذي سوف يطرح نفسه دائما أيضا، لماذا لم تتمكن الولايات المتحدة بعد عام من إعلان الحرب على داعش من تحقيق مكاسب كبيرة أو حتى ردع هذا التنظيم الإرهابي عن تنفيذ مخططه المعروف سلفا؟ والإجابة تكمن في عدد من الحقائق التي لا يمكن إنكارها.
أولها : أنه منذ إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ودعوة الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الابن إلى: «نظام عالمي جديد.. تعترف فيه الدول بالمسئولية المشتركة من أجل الحرية والعدالة»، على حد تعبيره.. لم تستطع الولايات المتحدة هزيمة التنظيمات الإرهابية الكبيرة أو الصغيرة سواء «القاعدة» أو طالبان».. أو غيرها، وإن قامت بتصفية بعض قياداتها، وصفقت لنفسها باعتباره نصرا عظيما.
وثانيا، أن واشنطن وعلى مدار ما يزيد على 14 عاما منذ الثلاثاء الأسود، منيت بخسائر فادحة في أفغانستان والعراق، وأن هذه الدول ما زالت تعاني من الفوضى والإرهاب بسبب التدخل الأمريكي.
ثالثا، أنه على الرغم من الآلة العسكرية الضخمة، فإن أمريكا تشجع حكومات الدول التي ترضخ تحت سياط الإرهاب إلى الدخول في مفاوضات مع الإرهابيين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، دخول الحكومة الأفغانية مع طالبان في مفاوضات طويلة لا تسفر عن شيء، بل إنها تزيد الطين بلة خاصة بعد إعلان مقتل الملا عمر زعيم الحركة ووجود انقسامات على اختيار خليفته. إذن، هذه الحقائق توضح أن «داعش» تواصل تنفيذ مخططها وطموحها وشعارها الذي يحمل كلمتي «البقاء والتمدد».
والغريب أنه بعد عام من إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحرب على داعش حاول تقديم كشف حساب عن تقدم أمريكا في حربها ضد داعش، وأكد البيت الأبيض أن التنظيم فقد حرية العمل في حوالي 30% من الأراضي التي كان يحتلها في سوريا، لكن هل هذا كافيا في ميزان مكاسب الحرب؟!
وبمقاييس المكاسب والخسارة، فإن واشنطن تواصل استراتيجية دفن رأسها في الرمال، فالتنظيم يتمتع فعليا بيد طولى، والدليل هو الكشف عن مئات المخططات لضرب أهداف داخل أوروبا وأمريكا، ولعل آخرها خطة لاغتيال الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، هذا إلى جانب أن التقارير المخابراتية الأخيرة تشير إلى أن التنظيم يبني إمبراطورية استعمارية عبر مجموعة من الدول، وهذا ما أكد عليه كتاب هوسكين، وأن الغرب لن يستطيع هزيمة أو دحر التنظيم الإرهابي، وأنه على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات والضربات الجوية وقصف مواقعه واستهداف قادته، وإعلان مقتل أكثر من 10 آلاف إرهابي من عناصره، فإن التنظيم لم يضعف بل يزداد قوة.
وترى المخابرات الغربية في تقاريرها أن الوضع بشكل عام يمثل جمودا استراتيجيا، وأن داعش الذي يمتلك تمويلا جيدا ما زال قادرا على ملء الفراغات في قيادته بالتكفيريين الأجانب بنفس السرعة التي تقوم فيها الولايات المتحدة بتصفية بعضهم.