وبالرغم من أن مشكلة القمامة تتفاقم يوما بعد يوم منذ أواخر يونيو الماضي، فإن الاعتراض على وجودها بالشوارع والميادين ظهر جليا منذ 22أغسطس الماضى على أيدى نشطاء حملة "طلعت ريحتكم"،ليملأ المتظاهرون ساحتى رياض الصلح والشهداء وسط بيروت،وبمجرد دخول الليل انقلب الأمر رأسا على عقب بعد دخول مجموعة من الملثمين الذين أرادوا نزع الأسلاك الشائكة بين المتظاهرين ومجلسى الوزراء والنواب ،لتبادرهم القوى الأمنية بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي،ليرد المتظاهرون بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة وتحطيم الممتلكات العامة وواجهات المحلات التجارية ،لتكون الحصيلة مائتى جريح من الطرفين، ومصابا واحدا من المتظاهرين بالرصاص الحى ،وتنتهى المظاهرة فى الشوارع الجانبية حتى تفرقت تماما عند منتصف الليل،بالرغم من مناشدة حملة «طلعت ريحتكم» للمتظاهرين بترك ساحة التظاهر عند التاسعة مساء.
وعلى الفور عاد وزير الداخلية نهاد المشنوق من رحلة خارجية ،ودعا رئيس الوزراء تمام سلام لعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء ،وقبل اجتماع مجلس الوزراء ،اجتمع وزير البيئة محمد المشنوق ليفض مظاريف المناقصات المتقدمة لجمع القمامة الموجودة لديه منذ شهرين بعد انتهاء المدة القانونية لعقد الشركة المكلفة بجمع القمامة أواخر يونيو الماضي،وعلى عجل تم إرساء المناقصات على خمس شركات ،وليس شركة واحدة ،ويحصل المقربون من ثلاثة زعماء لبنانيين هم رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريرى ورئيس مجلس النواب نبيه برى وزعيم الدروز وليد جنبلاط ،وفى اليوم التالى يجتمع مجلس الوزراء وسط دعوات من المتظاهرين بمحاسبة من أطلق النار،وإقالة وزير البيئة لأن المناقصات جاءت بأسعار مرتفعة تتراوح مابين 115 و189 دولارا لجمع الطن الواحد من القمامة حسب المناطق اللبنانية،فألغى مجلس الوزراء المناقصات وقرر تحويلها إلى البلديات المختلفة لتتولى جمعها ،والبحث عن مكان لتجميعها فيه واستقر النقاش على محافظة عكار شمال لبنان مع تخصيص 100مليون دولار تعويضا لعكار لاستخامها فى التنمية ،ولكن أهل عكار تظاهروا رفضا لإستقبال قمامة الآخرين ،ليعود الأمر إلى المربع صفر.
وبالرغم من تهديد رئيس الوزراء بالإستقالة إذا لم يجد مجلس الوزراء حلا للمشكلة المتفاقمة والتى ضربت الموسم السياحى الصيفى فى مقتل، فإن الحكومة لم تستقل بعد مناشدات دولية أمريكية وفرنسية لتمام سلام بعدم الاستقالة وكذلك مناشدات فريق 14 آذار ،ولكن كانت الأمور تتصاعد لمطالب أكبر من مشكلة القمامة ،حيث تطورت المطالب التى أعلنتها حملة "طلعت ريحتكم"فى بيان صحفى فأصبحت إقالة وزير البيئة ومحاسبة المسئول عن إطلاق الرصاص الحى ،وانتخاب رئيس للجمهورية لملء المنصب الشاغر للعام الثانى على التوالي.
ونظرا لعجز القوى السياسية اللبنانية عن عدم التوافق فيما بينها ،حاول كل زعيم سياسى حصد تحركات الشارع لصالحه،حيث بادر رئيس التيار الوطنى الحر حليف حزب الله والمرشح الرئاسى العماد ميشال عون بمطالبة المتظاهرين بعدم الخروج من ساحة التظاهر دون إنتخاب رئيس للجمهورية ،ونفس المطلب فعله المرشح الرئاسى الآخر حليف تيار المستقبل رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع،بينما قال رئيس مجلس النواب إن من حق الناس أن تتظاهر حتى تحل مشاكلهم،أما حزب الله فلم يعلق على الأمر وإن كانت التحقيقات الأولية مع المقبوض عليهم من مثيرى الشغب أثبتت أنهم تابعون لسرايا حزب الله،ليقول بعدها حزب الله إنه مع حق الناس فى التظاهر،ويعلن عون فى اليوم التالى الدعوة للتظاهر يوم الجمعة المقبل للمطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية وإجراء انتخابات نيابية واستقالة الحكومة وحل مجلس النواب الذى يتهمه بعدم الشرعية نظرا للتمديد له حتى يونيو 2017.
وزير الداخلية اللبنانى نهاد المشنوق قال فى مؤتمر صحفى الجمعة الماضي : إن التظاهر حق مكفول للجميع بنص الدستور والقانون ،ولكن تظاهرات «طلعت ريحتكم» إنحرفت عن مسارها المرسوم بعد دخول المندسين وسط المتظاهرين مما أحدث الشغب والخسائر المادية فى الممتلكات العامة والخاصة وسط بيروت،مؤكدا أن شعارات طائفية استخدمت خلال المظاهرات تؤكد تورط عناصر حزب الله فى التخريب ،الذى طال ضريح رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى حيث تم تشويه بالكتابة المعادية للراحل وفريقه السياسي.
وطلب وزير الداخلية من الجيش المشاركة فى حماية المظاهرات والممتلكات على حد سواء مهددا بسحب القوى الأمنية مالم يستجب الجيش لمطلبه.
وبالفعل جرت مظاهرات السبت الماضى فى حماية الجيش والقوى الأمنية حتى حل الظلام لتبدأ أعمال الشغب من جديد وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة من شباب ملثمين مثل ماحدث فى مظاهرات الأحد قبل الماضى ،لتطاردهم القوى الأمنية فى الشوارع الجانبية .
وبعد الحشد الذى قادته طلعت ريحتكم إلا أن جماعة أخرى استغلت الحشد وهى جماعة "بدنا نحاسب"والتى تطالب بمحاسبة كل المسئولين خلال السنوات الماضية بتهمة إهدار المال العام وعدم حل مشكلات انقطاع المياه والكهرباء المستمرة منذ 25 عاما،ولاقت ترحيبا من المتظاهرين.
وبالرغم من التظاهرات بدأت بسبب تراكم القمامة فإنها أصبحت مثل كرة الثلج التى تتدحرج باتجاه السياسيين،فتكبر أكثر بانضمام كل فئات الشعب بعيدا عن الشعارات الطائفية والحزبية ،لأن المشاكل تطول حياة الجميع ليلا ونهارا،ولذلك أنفضت مظاهرة السبت الماضى بعد الاتفاق بين قادتها على إعطاء الحكومة اللبنانية مهلة 72 ساعة لحل المشاكل العالقة وتنفيذ مطالب المتظاهرين،مهددة بالتصعيد فى كل المناطق اللبنانية والبقاء فى الساحات والميادين حتى تحقيق مطالبها،فهل تكون القمامة سببا فى انهيار النظام السياسى الهش فى لبنان،أم أن قادة التيارات السياسية سيكونون على قدر المسئولية ليمتصوا غضب الشارع الذى قد يحرق ماتبقى من فتات مؤسسات الدولة؟