وهو فى حاجة إلى طعام أو شراب أو دواء أو كساء، وما أكثر هؤلاء الأطفال حيث نراهم فى الطرقات وتحت الكبارى والخرائب الموحشة وقد لجأوا إليها وأقاموا فيها، واتخذوا الأرض فراشا والسماء غطاء، معرضين للمخاطر والاعتداءات، ولا يتعدى نشاطهم فى الحياة التسول ومحاولات السرقة!! وكم هم فى حاجة إلى مشروع قومى إنسانى يجمعهم ويؤهلهم ليكونوا أفرادا صالحين للمجتمع والحياة الكريمة، وتعوضهم عما لاقوه من عذاب وحرمان منذ ولادتهم. ولمواجهة مشاكل هذه الطفولة المعذبة يجب الاهتمام بمعالجة أسباب التفكك الأسري، بتحسين الظروف الاجتماعية والحياتية للطبقة الفقيرة، وتطوير المناطق السكنية العشوائية التى يقيم فيها الكثيرون من أبناء هذه الطبقة، وإيجاد فرص عمل للعاطلين منهم، وأيضا نشر التوعية فى أوساط هذا المجتمع عن طريق وسائل الإعلام، والجمعيات الأهلية الخيرية وتنشيط دور هذه الجمعيات فى مجال تنظيم الأسرة والحد من تكاثر النسل، ومن الأهمية أيضا مراعاة التدقيق فى اختيار العاملين بمراكز الرعاية لضمان صلاحيتهم للإشراف والتعامل مع الأطفال، ولو عدنا إلى الخلف إلى أربعينيات القرن الماضى لوجدنا أحوال الطفولة أفضل مما هى عليه الآن بحكم التعداد ا لسكانى المحدود فى تلك الآونة، وطبيعة المجتمع وتقاليده آنذاك، حيث كان أكثر أمنا وأمانا وسلاما وألفة وترابطا، ورغم ذلك كانت هناك جمعيات أهلية خيرية فعالة كثيرة يتسم أداؤها بالجدية والإخلاص، ومن هذه الجمعيات على سبيل المثال ـ كما أخبرنى جدى ـ جمعية تسمى «الطفولة السعيدة» كان لها مبنى فخم كبير بمنطقة سيدى بشر بالإسكندرية على البحر مباشرة، وتحول بعد ذلك إلى عدة مبان متلاصقة وأصبح مدرسة!، وإن كان اسم الشارع المجاور له مازال يحمل اسم «الطفولة السعيدة». كانت هذه الجمعية تضم أطفالا أيتاما من مختلف الديانات، وتقيم لهم الجمعية معسكرات صيفية تضم أنشطة متعددة ويمارسون الألعاب الرياضية فى ساحة المبنى الواسعة التى تحيط بها الأشجار، والسباحة على الشاطيء الممتد أمام المبنى مباشرة. علاوة على أنشطة ثقافية ترفيهية أخرى فى المساء.. حقا كان اسم الجمعية مطابقا تماما لنتائج نشاطها الذى كان مرسوما واضحا على وجوه ونفوس الأطفال وروحهم المعنوية.
أخيرا فكم من الضرورة والأهمية على كل من يتعامل مع هؤلاء الأطفال وقد حرمهم القدر من العاطفة والحنان، أن يحمل فى قلبه مشاعر الحب والعطف نحوهم، وقد امتلأ عقله ووجدانه بقول الشاعرة العربية نازك الملائكة:
ومن عساه يكون ذلك الألم؟ طفل صغير ناعم مستفهم العيون
تسكته تهويدة أو ربتة حنون وإن تبسمنا وغنينا له ينم
مايسة الجمال