وواجهت بالإنكار ما اعلنه الرئيس عباس فى عمان، وكانت حماس تقيم الدنيا ولا تقعدها وتتهم الإعلام بتشويه صورتها كفصيل مقاوم، ولكن حديثها الآن بعد ان تكشفت التفاهمات يأخذ طابعا اخلاقيا انسانيا عن المنكوبين فى القطاع الذين يعانون ويلات الحصار وتعرضوا لثلاث غزوات صهيونية جعلت قطاع غزة أرضا للموت، ولكن هذه التفاهمات التى يتم الترتيب لها فى الخفاء سيكون لها بالتأكيد علاقة بملف الاحتلال الذى بالضرورة سيدخل الى الثلاجة لأجل غير مسمى وكذلك ملف القدس وملف اللاجئين والمستوطنات.
وتبدو فرص إبرام هذا الاتفاق كبيرة بعد ان ظهر على السطح مبعوث الرباعية تونى بلير الذى يقود قناة دبلوماسية بين الدوحة وتل أبيب، مع وساطة تركيا، وتحركات مكوكية لخالد مشعل، تتزامن مع الأخبار الواردة من المسئولين الأتراك عن سعى حماس لعقد اتفاق شامل مع إسرائيل مقابل انهاء الحصار وإنشاء ممر مائي.
البعد الإنساني
وقد ظهر خالد مشعل على قناة «بى بى سي» يتحدث عن التزام حركته برفع الحصار وفتح المعابر وإنهاء الوضع الكارثى الذى يعيشه أهل غزة لاعبا على وتر الحالة الإنسانية والبعد الأخلاقى والإنسانى لمأساة القطاع بما يستلزم فتح المعابر ورفع الحصار وإقامة ميناء وإطلاق يد الإعمار، كذلك ما قاله القيادى حسن يوسف فى حديث لصحيفة الاندبندنت البريطانية عن سعى حماس لرفع المعاناة عن كاهل سكان غزه الذين يعيشون اوضاعا انسانية بالغة الصعوبة، إلا أن الاتفاق الجارى التباحث حوله، ينطوى على بعد سياسى يكرس فى مدلولة إنفصال غزة عن الضفة والقدس، الأمر الذى من شأنه أن ينعكس على القضية برمتها وهو ما يؤمن حكومة نيتانياهو ويمنحها فرصة التملص من الضغوط الدولية الرامية إلى تحريك الجمود السياسى فى عملية السلام التى من المفترض أن تشمل قضايا الضفة وغزة والقدس كتلة واحدة، غير ان هذه التسوية الأحادية التى تجرى بمعزل عن الضفة الغربية بما تعانيه من إستيطان وحصار وتهويد وخارج إطار منظمة التحرير ستعزز فى حال التوصل إليها الإزدواجية السياسية فى الساحة الفلسطينية، بل ربما ستنهى فرص المفاوضات.
انتهاء المقاومة
خلاصة الصفقة التى تدور بين بلير وخالد مشعل، هى التهدئة ومدتها لا تهم لأنها ستجدد تلقائيا، ولن يعلن القطاع حربا جديدة أصلا لأنه سيتحول إلى دولة جوار بشكل عملى وذلك مقابل رفع الحصار، وتسهيل مهمة الإعمار، مع منفذ بحرى بإشراف دولي، وبموجب الإتفاق يتم تحسين الحياة والوضع المعيشى لسكان القطاع المنكوب، واذا كان الأمر هو شروط الحياة، فلماذا كانت المقاومة من الأصل، ولماذا التسلح والحرب و الدمار؟
أما المفاوضات على قضايا الحل النهائي، فأمر ربما يستمر لعقود طويلة، والنتيجة هى أن ثمة شبه دولة تعيش نزاعا حدوديا مع جارتها، وستواصل التفاوض معها والضغط عليها من خلال المجتمع الدولي، ومن خلال مؤسساته العرجاء التى لا تسير خطوة واحدة بغير جماعات الضغط الصهيوني.
نزاع أبدى
وحسبما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» ان ما يؤسس له نيتانياهو مع حماس هو استكمال لقرار شارون بالانسحاب من غزة ومحاصرتها ليكون التركيز على العيش والتنمية، وصولا إلى جعل النزاع أبديا، وجعله مجرد نزاع حدودى بين دولتين، والابتعاد عن القضايا اليهودية المحورية كالقدس وجبل الهيكل، والكثيرون فى المجتمع اليهودى يصفقون لنيتانياهو ويعتبرونه بهذا الإتفاق احدث إختراقا فى معضلة المقاومة الفلسطينية التى فشلت كل المواجهات العسكرية فى إسكاتها، وحديث عباس والسلطة وحل الدولتين سيكون ثرثرة لا احد فى العالم سيتعاطف معها، خصوصا ان الكثيرين فى المجتمع الإسرائيلى يفضلون قيام دولة فلسطينية فى غزه بشروط إسرائيلية، حتى المعارضة الإسرائيلية التى تندد دوما بسياسات اليمين خرج اقطاب منهم يؤيدون التوصل لتفاهمات مع غزة.
استراحة محارب!
رغم ان الرأى العام الفلسطينى مؤمن الى حد اليقين بأن حركة حماس لن تستطيع انهاء الاحتلال الإسرائيلى وأقصى قدرات قتالية للكتائب المسلحة فى غزة هى صد العدوان ومنعه من دخول غزة فقط، فإن التسريبات التى ظهرت عن الإتفاق اصابتهم بالإحباط العميق الذى ظهر فى البرامج والمواقع والتعليقات على الأخبار، فبهذا الاتفاق انتهت حركة حماس كمشروع مقاوم، لأن الصفقات الطويلة التى تصبح واقعا دائما، ليست من المقاومة فى شيء، كما أنها لا تنسجم أبدا مع وقائع الصراع ومع محتل يواصل الاستيطان والتهويد، ويلتهم حتى المقدسات، ويرفض الاعتراف بالقرارات الدولية التى تمنحه 78 فى المائة من فلسطين، وبالطبع لا امل فى تفجير انتفاضة فى الضفة الغربية تقلب الطاولة فى وجه الجميع، وتعيد تصحيح بوصلة القضية.
وقد تبارت الأقلام الفلسطينية فى وصف مشروع الاتفاق بالخيانة للثوابت الفلسطينية التى تتعامل مع القضية بمختلف اتجاهاتها ككتلة واحدة تلقى بها امام المجتمع الدولى والمؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، وتبادلت مواقع التواصل الرأى عن المشروع الذى وصفوه «بالمخطط» ومجرد وجود تونى بلير يؤكد أنه مؤامرة تهدف الى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وضرب المشروع الوطنى الفلسطينى ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة فى قطاع غزة والضفة، وتأسيس إمارة اسلامية على غرار دولة الخلافة، وان الأمر هو مشروع اخوانى تتبناه تركيا وقطر لتعويض جماعة الإخوان عن فشل مشروعهما فى مصر، ولكن حماس موجودة على مواقع التواصل تتحدث عن استراحة محارب وعن اوضاع انسانية لأهل القطاع يعد الصمت عليها جريمة، وأنها ستواصل تنديدها بالاحتلال وأفعاله ولن تنسلخ عن قضاياها القومية، وكلها مفردات ولغة واحدة لكل ما هو حمساوى تمهيدا للخروج باتفاق كفيل بتفتيت البقية الباقية من القضية الفلسطينية.