رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أردوغان لشعبه: أناأوالطوفان!

أنقرة: سيد عبد المجيد
«دونى هو الطوفان ولا غيره، ومهزومون إلى يوم الدين، ما لم تتخذوا النظام الرئاسى سبيلاً ومنهاجاً»، هذان هما جناحا إستراتيجية «أنا المُخلص» التى يتبناها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وهو يخاطب شعبه، مستهلا إياها بتحويل المشهد السياسى الذى يجعل التوافق شرطاً حتمياً

 ـ إلى فرصة بيد أن الأخير يستحيل تحقيقه، وبالتالى تعميق الأزمة السياسية أكثر فأكثر ومعها تتراجع البورصة وتنهار العملة أمام الدولار واليورو الأمر الذى سينعكس سلبياً على الحياة المعيشية لغالبية المواطنين، هنا سيهب البسطاء من عموم الوطن وصرخة وحيدة تنطلق من حناجرهم رافعين أيديهم إلى الملهم أغيثنا وانقذنا من براثن التناحر الحزبي.

 

عندئذ يظهر روبين هود الأناضول، وقد ارتدى ثوب الأجداد من السلاجقة العثمانيين، ملبيا نداء الموعزين اطمئنوا «الحل بيدي»، وفى مخيلته أن الجميع سيجرون أذيال الخيبة، ويعودون مجدداً إلى قبول مخططه الأبدى القاضى بتغيير تعددية الحكم والفصل بين السلطات إلى حكم واحد وسلطة مطلقة مدى حياته المديدة مقابل القضاء على الفوضى والفوضويين.

إن هذا السيناريو ليس وليد اللحظة فقد بدأ نسجه وحياكته إعتباراً من عشية الانتخابات التى جرت فى السابع من يونيو الماضى وتقرر فيه على نحو نهائى خوض انتخابات مبكرة من خلال حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية الجاثم على صدر البلاد والعباد ثلاث عشرة سنة، وما تم طوال الشهر التالى لها، من ممارسات كان الهدف منه إيصال رسالة محددة وواضحة إلى كل من يهمه الأمر من الفرقاء والخصوم ، نحن هنا ولن نبرح مكاننا ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ـ والعهدة هنا على الكاتب البارز مراد يتكين ـ قامت حكومة أحمد داود أوغلو، الذى تقدم باستقالته بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة ، بإصدار 663 قرار تعيين جديدا فى مناصب رفيعة، خلال ذات الفترة بالمخالفة لكل القواعد والأطر القانونية ، كما استمر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان فى الاجتماع بمجلس الوزراء ، كذلك واصل عقد لقاءاته مع مسئولى دولته ، وكأن شيئا لم يكن.

كما أن إطالة الفترة الزمنية التى سبقت تكليف داود أوغلو تشكيل الحكومة فى إسناد مهمة تكليف الحكومة ، نوع من التسويف والمماطلة حتى تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة ، وقد كان لاردوغان ما اراد وأمس الاول الثلاثاء ، واستنادا إلى تفسير انتقائى للدستور المستباح أصلا ، انهى الحكم المباراة التى لم يلعب فيها سوى فريق واحد نافس نفسه ، معلنا تدشين وزارة يهيمن عليها حزبه العدالة والتنمية الذى سبق وقال عنه النجيب ومدير مكتبه داود أوغلو انه قدر تركيا .

وهكذا يستطيع القابع فى قصره الأبيض المنيف بأطراف العاصمة أنقرة ، بسط هيمنته عليها وإدارتها ، ولا بأس من تصفية البؤر المناوئة فى بعض الأجهزة البيروقراطية المهمة خاصة أنها مطالبة باليقظة وتوخى الحذر فى تلك المرحلة الحساسة والفارقة والأهم أن تكون على أهبة الاستعداد لتنفيذ التوجيهات الحاسمة والفاصلة فى ماراثون «أكون أو لا أكون» والمفترض له الاول من نوفمبر المقبل، وبالطبع دون إعطاء المعارضة الفرصة لإعادة ترتيب الأوراق أو التقاط الانفاس، وكان الكاتب الصحفى فى صحيفة «راديكال»، سيركان دميرتاش، محقاً فى تحليله للمشهد السياسي، عندما قال إنه طالت المدة فى تشكيل الحكومة الجديدة كلما اختلفت المعارضة واشتبكت فيما بينها، وتزداد مخاوفها وتوجساتها، إلى أن يستسلموا أمام مشروع أردوغان واللجوء إلى اقتراح الانتخابات المبكرة.

كل هذا فى محاولات مضنية لاستعادة الناخبين الذين قاطعوه فى انتخابات يونيو الحزينة ، لعله يرد تراجعه ويقتنص الفوز الثمين الكاسح الذى يمكنه من جديد الإمساك بمقاليد الدولة بمفرده بلا شريك.

لكن الثمن كان غاليا اقتصاديا وأمنيا إضافة إلى المواجهات العسكرية التى يشنها الجيش جنوب شرق الاناضول ضد ما يتم وصفهم فى الخطاب الرسمى بالمتمردين الاكراد فى انقلاب مفاجئ بعد فترة هدوء نسبى اقتربت من ثلاث سنوات فحتى كتابة تلك السطور سقط 55 ما بين جندى وشرطى إضافة إلى المئات من العناصر الانفصالية فى الحرب ضد منظمة حزب العمال الكردستانى التى عادت عناصرها والمتعاطفون معها إلى حرب العصابات والتفجيرات وزرع الالغام ، وهو ما دعا صلاح الدين دميرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردى إلى أن يصف ما آلت إليه الاوضاع ببلاده بالكارثة ، صحيح بدت هناك حوادث قتل وعنف إلا أن مواجهتها لم يكن يتطلب آلة الحرب الدائرة رحاها فى مدن جنوب شرق الاناضول والمناطق المتاخمة مع العراق وليت اكتفت حكومة حزب العدالة والتنمية بذلك بل واصلت الغرق فى الجريمة حتى أذقانها، وأن ما تتبعه ليس سياسة دولة ولكنها سياسة القصر الأبيض.

وهنا يطرح ممتاز أر توركونه السؤال ما الذى يمكن أن يفعله الناس الواقعون بين نارين، نار الحرب التى يخوضها أردوغان ضد الشعب، ونار الهجمات الإرهابية التى ينفذها العمال الكردستاني؟ ثم يمضى قائلا: »يجب على الذين ينتقدون من صوتوا للشعوب الديمقراطية أن يجدوا حلا لظاهرة الخوف من أردوغان» التى تتفاقم يوما بعد يوم، فالمواطنون فى جنوب شرق تركيا اعطوا اصواتهم للشعوب الديمقراطية ليس فقط كى يتخطى العتبة الانتخابية، ولكن للحيلولة دون استمرار اردوغان الذى ينتهك القوانين ويدفع بتركيا لكى تصبح واحدة من أسوأ ديكتاتوريات العالم.

ان اردوغان تحدوه ثقة هائلة فى أنه سيتخطى بقوة الاستحقاق التشريعى القادم فى الخريف ، ولم يكن إختياره الاول من نوفمبر موعدا له محض «صدفة» والدليل على ذلك أنه يريد إستباق قمة دول العشرين المقرر عقدها يومى 15 و16 من الشهر نفسه بمدينة أنطاليا التركية، إذ يريد أن يبهر قادة العالم بنصره المبين الذى سيترتب عليه وقوفه بينهم رئيسا قويا بصلاحيات مطلقة ورغم كل ذلك فثمة أصوات تتعاظم يوما بعد آخر تؤكد أن الحلم الاردوغانى لن يتحقق.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق