رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رســائل الملا عمــر تهـدد بتمــدد داعش

ميادة العفيفي
هى علاقة ثلاثية شئنا أم أبينا, ثلاثة أطراف هم من يسيطرون الآن على التنظيمات الإرهابية التى تطلق على نفسها الجهادية فى المنطقة, طالبان والقاعدة وداعش, كل طرف من أطراف العلاقة استغل الطرف الآخر حتى يصل إلى أهدافه وكل طرف زايد على مدى تقوى وشرعية الآخر

 وفى نهاية المطاف نجح الطرف الجديد الوافد على الثلاثية واكتسح الأرض وأحكم سيطرته على قواعد اللعبة, داعش الآن وزعميه هو خليفة المسلمين بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية فى الوقت الذى تتداعى فيه سلطة وقوة طالبان والقاعدة, فكلاهما أصبحا عهدا ولى برحيل زعيمهما الأسطوريين بن لادن والملا عمر.

جاء الإعلان الرسمى عن وفاة زعيم حركة طالبان الأسطورى متأخرا جدا, هذا التأخر أو بالأحرى التلاعب من جانب قيادات الحركة أصبح يعنى -كما يلاحظ المراقبون -المزيد من الانشقاقات داخل كل من طالبان والقاعدة لصالح التنظيم الإرهابى الأكثر تنظيما واستقطابا للأعضاء... داعش, بل انه يهدد طالبان بالمزيد من ضعف نفوذها داخل أفغانستان نفسها, مما يعنى ببساطة أن يتمدد داعش داخل كل من أفغانستان وجارتها باكستان, كارثة إقليمية جديدة على وشك التفجر, يرى الخبراء انه يصعب احتواؤها, وتدفع الصين مؤخرا بقوة إلى سرعة السيطرة عليها.

يعتقد الكثير من المحللين أن طالبان قد تعمدت عدم الإعلان رسميا عن مقتل زعيمها الملا عمر إلا فى أواخر الشهر الماضي, فى الوقت الذى يجزم فيه خبراء الإرهاب الدوليون أن الأمير الأسطورى قد قتل منذ عامين على الأقل, وان تأخر إعلان وفاة أمير طالبان من قبل قياداتها كان هدفه الأساسى منع الحركة من الانهيار, وإمكانية استكمال محادثات السلام الأفغانية الدائرة الآن, التى حاول قادة الحركة تواصلها بأى وسيلة حتى وان ابقوا على استمرار وصول رسائل من أميرهم الراحل من القبر طوال العامين الماضيين وكانت آخر تلك الرسائل فى 15 من يوليو الماضى والذى طمأن فيه أتباعه بالشرعية الدينية للمفاوضات مع حكومة العاصمة الأفغانية كابول المدعومة من «الكفار» أو الولايات المتحدة, مستشهدا بأن النبى محمد قد تفاوض مع كفار قريش. بعد أيام أدرك أعضاء طالبان والقاعدة الفجوة الزمنية التى حدثت وأن الرسالة الأخيرة من أميرهم لابد أن يكون قد أرسلها من قبره عندما أكدت الحكومة الأفغانية فى 29 يوليو مقتل الزعيم الغامض فى باكستان فى ابريل 2013. كان الملا عمر قد عزز زعامته المفترضة لجموع الجماعات الإرهابية فى عام 1996 عندما قال انه يحمل بقايا عباءة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم كان قد وجدها فى سقف مسجد قديم فى قندهار, معقل طالبان السابق فى جنوب أفغانستان, وانه رآءه عليه السلام فى رؤيا يخصه بتلك العباءة ويكلفه بإمامة المسلمين, تلك الرواية كانت كافية لتأكيد شرعية الملا عمر الذى سرعان ما اجتذب حوله المئات من الشباب المتشدد الذين خلفتهم الحرب الأهلية فى أفغانستان بعد انهيار حكومة طالبان فى كابول تحت قصف الضربات الجوية الأمريكية فى عام 2001. ومع الوقت تزايدت مكانته الدينية فى بلد يمزقه زعماء الحرب المتنافسون, ومع إعلان زعيم تنظيم القاعدة وقتها بن لادن البيعة للأمير الأعور, أصبح للرجل عشرات الآلاف من الأتباع المخلصين حول العالم, وأعلنت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يقتل الزعيم الأكثر غموضا فى العالم والذى لم ير فعليا منذ عام 2001 .

كان الملا عمر أهم واكبر حلفاء تنظيم القاعدة منذ أن سيطرت حركة طالبان على أفغانستان فى عام 1996مع إعلان بن لادن البيعة له باعتباره أمير المؤمنين, وبعد الهجوم الأمريكى على أفغانستان طالب فصيل واسع من طالبان بقطع العلاقات مع بن لادن وتنظيمه الذى جلب لهم الدمار وأدرك بعض القادة من طالبان وجود علاقة نفعية يعتمد عليها بن لادن فى تقوية تنظيمه, إلا أن الملا عمر رفض هذا تماما ورفض أيضا تسليم بن لادن للولايات المتحدة وكانت التكلفة الغزو الأمريكى الذى اسقط طالبان, واليوم وبإعلان وفاة الداعم الوحيد للقاعدة بين فصائل طالبان يجد التنظيم وزعيمه الحالى ايمن الظواهرى نفسه بلا سند إضافة إلى اتهامه من بعض أعضاء تنظيمه بأنه هو الآخر كان يعرف بوفاة الأمير واستغل اسمه وفتاواه للحظة الأخيرة, مع التشديد على انه من تصح له البيعة دون سواه.

القاعدة ما زالت تعانى بعد مقتل بن لادن واكبر قياداتها, ومع الفوضى التى تسود منطقة الشرق الأوسط, فشلت القاعدة فى فرض سيطرتها على فروعها فى العراق والشام, متيحة الفرصة لتنظيم داعش كى يستغل هذا الضعف وخلال اشهر كان قد احتل الموصل وتمكن من السيطرة على مساحات كبيرة من العراق وسوريا وواصل داعش نجاحاته من خلال الإعلان عن إحياء ما يطلق عليه "الخلافة" مع زعيمه أبو بكر البغدادى باعتباره الخليفة الجديد "الموحد" لجميع التنظيمات الإرهابية, فى الوقت الذى تمسك فيه تنظيم القاعدة بما يعتبره شرعية أمير طالبان الملا عمر, وذلك للطعن فى شرعية أى خلافة جديدة.

كان منطق تنظيم القاعدة بسيطا, وفق تحليل باراك مندلسون, أستاذ جامعة هارفارد الأمريكية والمتخصص فى شئون الشرق الأوسط والتنظيمات الإرهابية, فهو يرغب فى تحدى مطالبة داعش "لتمثيل جميع المسلمين من خلال تذكير المقاتلين والمتعاطفين معهم ومموليهم فى جميع أنحاء العالم أن الملا عمر قد تولى لقب أمير المؤمنين منذ سنوات طويلة قبل ظهور البغدادي, وان طالبان قد قدمت نفسها للإمارة فقط وليس للخلافة, إلى أن أتى البغدادى ليقود تنظيمه الجديد ويعلن لنفسها لقبا أكثر طموحا من كل سابقيه باعتباره خليفة المؤمنين, وشددت القاعدة من خلال تأكيد علاقاتها مع طالبان, على أنها ما زالت تحتفظ ببيعتها للملا عمر وأنها لا يمكن أن تعترف ببيعة أخرى لأمير غيره, وقد حاول تنظيم القاعدة تمييز نفسه عن داعش من خلال الإشارة إلى انه يتمسك بتعهداته والتزاماته مهما كلفه الأمر, فى حين أن البغدادى فى المقابل تراجع عن بيعته للظواهري,وقد شدد الظواهرى فى آخر مرة ظهر فيها ان القاعدة تركز على إرضاء الله والعمل من اجل خير الأمة الإسلامية فى حين أن البغدادى يسعى فقط من اجل ترسيخ سلطته ومطامحه الشخصية.

والآن بعد أن تم الإعلان عن وفاة الملا عمر, فقط انهارت إستراتيجية القاعدة, ويطالب زعيم داعش القاعدة ببيعة جديدة للبغدادى والاعتراف بسلطته والانضمام تحت لوائه, وهو ما يؤكد للمراقبين أن الظواهرى يرفضه تماما, لكن يبقى المأزق الحقيقى انه من الصعب على الظواهرى إجبار تابعيه على مبايعة جديدة لخليفة الملا عمر, وهو كما تردد أن الملا اختار محمد منصور, الذى جاء كما قيل دون توافق ويعتبر اقل كفاءة ولا يمكن مبايعته.

كما تشير التقارير إلى أن طالبان التى أبقت على وفاة الملا عمر سرا لمدة عامين, قوضت من مصداقيتها مما عزز من مزاعم داعش بأنها حركة ضعيفة دينيا ومتلاعبة وأنها منحت القيادة لأمير جديد دون مبايعة شرعية, من ناحية أخرى أشارت أيضا التقارير إلى أن داعش أصبحت هى الأخرى تسيطر الآن على أراض واسعة لزراعة وتجارة الأفيون فى أفغانستان منافسة بذلك طالبان التى تعتبر تجارة الأفيون أهم مصادر دخلها وقوتها. فى يوليو الماضى انشق واحد من ابرز القيادات الإرهابية المعروفة من الثمانينيات عن طالبان والقاعدة وهو قلب الدين حكمتيار والذى يتزعم جماعة "حزب الإسلام" فى أفغانستان وأعلن البيعة إلى بغدادى داعش, وكان ذلك اثر مناشدة من طالبان لزعيم تنظيم داعش بالتوقف عن تجنيد الافغان.

من ناحية أخرى فإن الظواهرى نفسه لم يسمع منه أى أخبار منذ سبتمبر 2014 عندما أعلن عن تنظيم قاعدة الجهاد فى شبه القارة الهندية كأحدث فروع تنظيم القاعدة, ولكن على ارض الواقع فقد خسر كل مكاسبه فى العراق والشام ولم يعد يسمع منه أى أخبار مؤخرا, مما يجعل داعش هى القوة الوحيدة المسيطرة على الأمور والتى تزداد توسعا الآن فى كل من أفغانستان وباكستان مما يعزز مطالبها بقيادة جميع إرهابيى العالم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق