النادرة ومنها بالطبع الدول الخليجية ،فعلى الرغم من غربتها الممتدة لأكثر من نصف قرن وبعد حصولها على الثانوية العامة فى الستينيات وانتقالها للدراسة فى ألمانيا والزواج فيها والإقامة بها لمدة 15 عاماً ثم الانتقال للندن 15 عاما أخرى فإنها لم تتخل عن عشقها لبلدها المحبوب مصر والدفاع عن آثاره وتراثه وحضارته وفنونه وتاريخه، ولم تثنها مشاغلها الكثيرة كأستاذ جامعى للفن والحضارة الإسلامية بسواس جامعة لندن واستقرارها بالقارة العجوز (أوروبا) عن التصدى لتلك الجرائم المتمثلة فى السطو على ثروات مصر الأثرية ، بل أكثر ما يقلقها هو الصعود المطرد فى كميات الآثار المهربة والتى أصبحت تباع علناً وآخرها التمثال الفرعونى النادر « سخم كا» ،وقبله المشكاوات الإسلامية النادرة والتى كشفت عنها شخصياً،ثم دورق قوص الزجاجى النادر والذى كشفت سرقته مبكراً مما كان له أعظم الأثر فى إحباط محاولة تهريبه وإعادته لمتحف الحضارة والقبض على اللصوص، وغيرها من عشرات القطع الأثرية التى هُربت وبيعت دون أن يعلم عنها أحد شيئا ، ويبقى أكثر ما يحزنها هو عدم استرداد تلك الآثار ومنها المشكاوات الإسلامية وعدم القبض على المهربين على الرغم من ابلاغ الانتربول منذ نوفمبر الماضي.
إنها عالمة الفن والحضارة المصرية الأصيلة العاشقة لوطنها البروفيسور دوريس أبو سيف - التى تستحق عن جدارة واستحقاق أن يكرمها الوطن بأرفع الأوسمة فهى وبحق « امرأة بمليون رجل»
وفى بداية حوار امتد لأكثر من ساعتين «عبر الهاتف» قالت البروفيسوردوريس:- آه ياوطنى ! نعم أكثر مايحزننى هذا الذى يحدث من سرقات لتراثه الغالى الذى أشعر دائماً أن من يسرقه ينتزع أجزاء من أجسادنا ، والأشد هو كيف يتم سرقة هذا التراث العظيم وينتزع من أماكنه ، ويُهرب خارج البلاد ويباع بهذه السهولة ،إنها عصابات تهريب متكاملة وليست فردا واحدا أو اثنين ، بل هى مافيا من الداخل والخارج استحلت تراث البلد للبيع بثمن بخس ، والأخطر عندما نكتشف سرقة ما نجد أول مانجد من يؤكد لنا من المسئولين عن الآثار أن ما يتم عرضه غير أصلى ومقلد ، وأمام تأكيدنا وإلحاحنا وتقديمنا للقرائن والأدلة الدامغة نجد الاستجابة السليمة والسير فى الاتجاه الصحيح باتخاذ إجراءات الاسترداد القانونية عبر القنوات الشرعية المحلية والدولية، والأمر يحتاج إلى شفافية ، وأكثر احتياجا لمن يعى كلمة بلدى مصر أو معنى كلمة «وطن» ،وهذه تحديداً لمن يدركها ويعود ليذكر نفسه أنه ولد وتربى وترعرع على ثراها يوقن تماما أن ما يقترفه فى حقها من سرقة لآثارها وتراثها وحضارتها خيانة عظمى يستحق معها أقصى درجات العقاب التى تنص عليها القوانين والأعراف.
ولكن ما هو تفسيرك لعمليات التهريب الضخمة التى تتم وكيفية اتمامها ؟
تجيب الدكتورة دوريس :- تلك العمليات وكما قلت لك تتم بواسطة شبكة من عصابات التهريب المحترفة فى الخارج والداخل وكلٌ له دوره، أو بمعنى آخر مافيا تهريب الآثار،بل يحتاج الأمر لمجموعة ضخمة من البشر لإخراج تلك الآثار، وهذا ليس وليد اليوم فقط بل من فترات طويلة ، ولايمكن أن يتم دون تدخل مسئولين كبار وعلى أعلى مستوى حتى تستطيع تلك المافيا إخراج تلك الآثار من مصر ، وهذا مانراه جلياً فى مجموعة المشكاوات أو أى قطع أثرية زجاجية تحتاج لعناية خاصة فى سرقتها وشحنها وتهريبها وصولا لمحطتها النهائية، أو آثار فرعونية وتماثيل من الحجر بعضها ثقيلة الوزن وذات قيمة أثرية لا تقدر بثمن ، وكل فرد من أفراد شبكات التهريب له دوره المنوط به.
من أين ومتى بدأ تعاملك مع هذا الملف ؟
وفى إجابتها قالت أستاذ الفن والحضارة بالجامعة اللندنية :- البداية قديمة فليس من المعقول أن أرى أمامى آثار بلدى تراث أجدادى وأجداد أجدادى وحقى وحق أحفاد مصر من الأجيال القادمة يسرق وينهب ويعرض ويباع أمامى وأسكت ،فسكوتى فى حد ذاته خيانة لوطنى الحبيب مصر ، وأذكر أننى كنت ألقى محاضرة عامة فى لندن عام 2007وحضرها السفير المصرى آنذاك، وانتهزت فرصة وجوده وتحدثت فى قلب المحاضرة عن سرقة الآثار المصرية وبيعها ، وضربت مثلاً بسرقة مطرقة بوابة من عهد السلطان حسن كانت مثبته على باب مسجد المؤيد وكانت عبارة عن تحفة أثرية رائعة ونادرة جدا بل من أندر الآثار الإسلامية وترجع لعصر المماليك ، والمضحك أن تلك المطرقة وعلى الرغم من ضخامتها انتزعت وسرقت أمام أعين الناس والمسئولين، واكتشفت أنا سرقتها وبالصدفة البحتة عندما أرسلت المصور الخاص بى لتصويرها ، وهناك مطرقة ثانية مشابهة لها تماما لما سألت عنها آنذاك قالوا إنها موجودة فى عهدة الغفير أو فى المخازن، وأتمنى ألا يكون مصيرها كشقيقتها الأولى التى عندما تحدثت عن واقعة السرقة فى المحاضرة غضب السفير المصرى وتوجه لى معاتباً مبررا عن غضبه بأن ذلك ما كان يصح أن يقال فى محاضرة وأمام الناس وبعيدا عن أرض الوطن لأنه يفضح البلد، فأجبته إنها لاتفضح مصر بل تفضح من يسرق ويهرب آثار مصر وتراث مصر ولا يمكن أن نترك الأمور هكذا .
وتستكمل البروفيسور دوريس حديثها قائلةً:- وكما هو الحال مع الآثار الفرعونية والرومانية والقبطية لاحظت أن الآثار تسرق من المساجد والمبانى الأثرية الإسلامية وبكثافة ، وكل الأشياء التى تسرق ذات ندرة وذات قيمة أثرية متفردة خاصة القطع الخزفية والزجاجية والمعدنية والخشبية ،وهذا ما يعنى أن العين التى تنتقى تلك الآثار عين فاحصة خبيرة وأى خبرة هى خبرة نادرة وهذا ما يمثل لغزا كبيرا ،فمثلاً عام 2010 هناك ألواح خشبية ذات تصميمات رائعة انتزعت من مسجد الظاهر بيبرس ، أقول مسجد الظاهر بيبرس من أشهر مساجد القاهرة وبحراساته وتأمينه وخضوعه للآثار ، وهو محمى بكل القوانين ، تنتزع منه لوحات خشبية أثرية وتعرض للبيع فى لندن علناً ،وللعلم ليس عمليات البيع التى تتم فى المتاحف فقط كما يعتقد البعض بل فى الشوارع أيضاً.
وتتساءل: بالله من نزع تلك اللوحات ومن أخرجها ومن هربها ومن يبيعها بتلك الصورة ؟
وفى إجابتها (بانفعال يعكس روحها الوطنية )عن رأيها فى الإدارة المصرية للآثار لهذه القضية قالت دوريس:- قلت من قبل السرقات بتلك الصورة خيانة عظمى للوطن ولتاريخه ، وما يحدث فى مصر شيءغير عادى بالمرة بل ظاهرة، فمن يسرق ويهرب يسرق ويهرب تاريخ مصر وتراثها ودى هويتنا ، فمن يبيع تاريخه سوى الخائن ، وآثارنا مصدر مهم للسياحة المصرية وهو بذلك يدمرها، وقلة الكفاءة أحد أهم العوامل التى تسهل ذلك ، فالعمليات صعبة وحساسة للغاية، ولك أن تتخيل كم فرد يمكن أن ينفذ أى عملية من عمليات سرقة وتهريب الاثار خارج البلاد ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فى حال كشف أى سرقة للآثار المصرية ماهو أول رد فعل من المسئولين ؟ فى البداية نفى واتهامات بأن المعروضات فى الخارج غير أصلية ومقلدة ومزيفة ، والأصلية موجودة فى المخازن والمتاحف ، ومع إصرارنا على مواقفنا وبحكم الخبرة نكتشف الحقيقة المرة فالآثار الخارجية هى الأصلية وإن كان هناك مثيل لها فى فترينات العرض المتحفى أو فى المخازن فهى المقلدة ، ثم تبدأ عمليات البحث وإبلاغ الإنتربول
وهل هنا تقصدين عمليات سرقة المشكاوات الإسلامية تحديدا؟
وتجيب البروفيسور المصرى فى جامعة لندن:- بالنسبة لسرقة المشكاوات المصرية الأثرية قمت بمحاصرة بيعها فى لندن وأحبطتها تماما ،وللعلم تلك المشكاوات ظلت معروضة للبيع فى لندن لمدة ثلاث سنوات ، ودخلت فى معارك شرسة لإحباط عمليات البيع هناك ،وبالفعل نجحت فى إحباط جميع محاولات بيعها خاصة لبعض هواة ومحترفى جمع التحف الأثرية العالميين ومنهم من أثرياء الخليج أيضا ،وهذا تم بعلاقتى الشخصية فقط،وآخر إحباط لمحاولة السرقة هذا العام هى سرقة الدورق الزجاجى الأثرى والذى تم اكتشافه فى قوص فى ستينيات القرن الماضى ويرجع للعصر المملوكى قبل 600 سنة ، وعرضت صوره للعرض للبيع فى لندن ، وكان من ضمن أمنياتى أن لا يكون من سرقه لم يستطع تهريبه من مصر حتى تتم محاصرته داخل الحدود لأنه لو نجح فى ذلك لصعب الأمر كثيرا ولا يستغرق الاسترداد وقتا طويلا فى حال نجاح الجهود ، وهذا ما حدث بالفعل فلم يكن قد خرج بالفعل من مصر وأعيد للمتحف مرة أخرى .
وفى إجابتها عن سؤال عن الآثار المصرية فى المتاحف العالمية قالت البروفيسور دوريس أبو سيف :- لا أحد ينكر أن متاحف فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وجميع المتاحف الشهيرة فى العالم بأثره مكتظة بالآثار المصرية على اختلاف عصورها بداية من العصور الفرعونية ومروراً بكافة العصور التى تليها كالرومانية والقبطية والإسلامية ومنذ أسابيع قليلة أكتشفوا بجامعة برمنجهام البريطانية واحدة من أقدم نسخ القرآن الكريم فى العالم ، ومعظم تلك الآثار خرجت إبان الاستعمار أو قبل وجود القوانين التى تحظر ذلك ، وفى الوقت الراهن هناك قوانين منظمة تحظر تهريب وبيع الآثار وتلك القوانين عالمية أيضاً ، بل هناك قوانين تحظر التعامل فى الآثار المهربة والمسروقة ، وتحذر المتاحف العالمية من التعامل فيها ، وهناك هيئة عالمية مركزها لندن معنية فقط بتجميع معلومات عن الآثار التى يتم الإبلاغ عن سرقتها فى أى دولة فى العالم ووضعها فى قوائم خاصة بها ، وتوزع نشرات دولية تحذر من التعامل فيها بالبيع أو الشراء أو التداول، ومن هنا كان إلحاحى على المسئولين المصريين فى بداية سرقة المشكاوات بالإبلاغ عن سرقتها أولا حتى يتسنى التعامل مع القضية من منظور دولى من خلال تلك الهيئة العالمية ، وكما قلت من قبل نفى بعض المسئولين فى البداية واعترفوا فى النهاية ، وهذا يعكس تقصيرا كبيرا وعدم كفاءة ، وهذا أثمر عن محاصرة البيع فى العالم كله ، ليخرج علينا فى النهاية من يخبرنا أنها بيعت لأحد الأثرياء العرب، وللعلم أى أثر مصرى من أى عصر يتم عرضه للبيع فى أوروبا وفى العالم كله معروف أنه لم يتم الإبلاغ عن فقده وسرقته من خلال تلك الهيئة العالمية ، وفى أوروبا ولندن تحديداً قواعد صارمة تحظر تماما بيع أو التعامل فى الآثار المبلغ بسرقتها أو أى أشياء أخرى مماثلة سواء فى المتاحف أو صالات المزادات وغيرها، ومن هنا لابد من الإبلاغ بالسرقة أولاً ، والإنجليز أنفسهم لا يحبذون التعامل فى الآثار المسروقة لأنها تضعهم تحت طائلة القانون ، وما تعانيه مصر الآن من مشاهدة بيع علنية للآثار فإن مشكلتها من البداية تكمن فى عدم الإبلاغ عن سرقة أو اكتشاف الأثر المسروق.
ولكن هل هناك دور للمصريين المقيمين فى لندن والعواصم الأوروبية ؟
تجيب أستاذة الفن والحضارة المصرية :- نعم والأحداث الأخيرة الخاصة بسرقة وبيع الاثار خير دليل على ذلك ، ولكن هذا الدور لن يكتمل سوى بتحرك رسمى على أعلى مستوى ، وكذلك أن تبذل الأجهزة المسئولة عن الآثار المصرية وتنمى قدرات كوادرها ، وأن تعمل بشفافية وأن تأخذ بزمام المبادرة وتعود للمتاحف والمخازن وتقوم بجرد محتوياتها ، وتعلن على الفور المفقودات والأشياء المسروقة منها ومن واقع قوائمها وسجلاتها وكتلوجاتها وتبلغ عنها الهيئات الدولية المعنية وعلى رأسها الهيئة العالمية بلندن ، حتى يتسنى تسجيلها بالقوائم المحظور التعامل فيها عالمياً ، وتلك أول خطوة جادة، كذلك فحص جميع العناصر الموجودة بحوزة متاحفها ومخازنها للوصول للعناصر المقلدة والمزيف فيها والتى وضعت مكان الأصلية ، أيضاً العمل على إحكام مراقبة جميع المناطق الأثرية والحفائر لعدم سرقتها ، وتزويد جميع المواقع بكاميرات المراقبة الحديثة وأجهزة كشف السرقات ، وبجانب كل ذلك تضافر جهود جميع الوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات المعنية لتعمل فى منظومة متكاملة ، ثم تقوية الروابط مع الهيئات الدولية المعنية بتلك القضايا، ونحن كمصريين هنا فى لندن كلً يعمل فى موقعه فى الدفاع عن آثار مصر والوقوف بقوة أمام كل المحاولات التى تتم لسرقة تراثها وتاريخها.
وننتقل للتعريف بالدكتورة دوريس أبو سيف فتضحك وتقول :- هويتى التى أفتخر وأفاخر وأباهى بها أنا مصرية حتى النخاع ، ورغم غربتى عنها فإننى أواظب وبصفة مستمرة على زيارتها وأحبب لتلاميذى زيارتها ، وأعطيهم المعلومات الكافية عن تاريخها وروائعها ،غادرت مصر بعد حصولى على الثانوية العامة سنه 1964لتكملة دراستى الجامعية بألمانيا التى أقمت بها 15 عاماً ومنها حصلت على الدكتوراه فى التاريخ الإسلامى ، طفت دول العالم والعواصم الأوروبية لأعرف الناس بتاريخ مصر الحضارى والحضارة والفن الإسلامى ،وتزوجت من شريك حياتى وهو ألمانى ،وانتقلت للعاصمة البريطانية لندن كأستاذ للفن والحضارة بسواس لندن ،وأقوم بتدريس آثار وفنون وحضارة وعمارة مصر الإسلامية وقمت بتدريسها ، وألفت 11 كتابا عنها منها «تاريخ مآذن مصر الإسلامية» و «تاريخ المساجد» و«تاريخ العمارة الإسلامية » وكتاب «القاهرة المملوكية» منشورة كلها باللغة الإنجليزية .