غير أن الرياح خالفت ظنونهم ، إذ أن الرئيس رجب طيب اردوغان، عاد ليطل عليهم بكل وسائل الميديا مرئية ومقروءة ومسموعة ، وليظهر أمامهم بصورته الجديدة البعيدة عن تلك المتهجمة التي لازمته عقب نتائج الماراثون التشريعي المخيبة للآمال ، معلنا من مسقط رأسه في مدينة ريزا المطلة على البحر الاسود شمال شرق الاناضول ، أن حزب العدالة والتنمية هو رمز للصدق ، والدلالة واضحة لا حاجة إلى إمعان أو تدقيق ، وهي أن تذهب كافة الاحزاب الأخري إلى الجحيم ، فقد آن الأوان كي تلفظها الجماهير وتلتف حول حزبها القائد .
ولم يكن أحمد داود اوغلو رئيس الوزراء المنتهية ولايته حينما اكد نصا في الثلاثين من يوليو المنصرم " يجب على الجميع أن يعي أنه لا يمكن تشكيل حكومة دون توجيهات أردوغان" ، وقد صدق حدسه وهو المدرك لرغبات رئيسه ، حينما قال على الجميع أيضا ألا ينتظر خطابا تاريخيا يوم الخميس الموافق الحادي عشر الشهر الحالي وهو الموعد الذي تنبأ فيه البعض بالاعلان عن الائتلاف الحكومي بين الحزب الحاكم والشعب الجمهوري المعارض في تلميح ضمني مفاداه ان من كلفه لايريد لهذا المزمع تشكيله أن يري النور أبدا وقد كان له ما اراد.
ثم جاءت الترجمة سريعة من خلال دعوة خطيرة أطلقها اردوغان نفسه ، طلب فيها عقد اجتماعات مع عمد القرى بغرض الحديث معهم لجذبهم إلى صفه ليس ذلك فحسب بل تكليفهم بمهام التخابر والتجسس على المواطنين في قراهم على أن ينقلوا له كل شيء يدور فيها في مشهد إستاليني بإمتياز ، بيد أنه بات مألوفا أن يصفه معارضوه بالنازي هتلر وأخيرا بالعقيد الليبي معمر القذافي وديكتاتور العراق صدام حسين. وبشكل أكثر جرأة ورعبا في ذات الوقت هدد من يطالبونه بأن يكون محايدا ، تبا لهم جميعا ، فلن " اكون رئيسا مثلما يريدون لقد جئت بانتخابات حرة مباشرة " ونسي انه انتخب على اساس دستور يعطيه صلاحيات شرفية ، إلا أنه عصف به وهو الذي اقسم في مثل هذا الوقت من العام الماضي على الالتزام به وبسيادة القانون وأنه لن يحيد قيد أنملة عن هدفِ " السعي ليتمتع كل المواطنين بحقوق وحريات الإنسان في إطار إقامة مفهوم العدل"، ثم اختتم آنذاك قسمه مشددا " أقسم بشرفي أن أؤدي المهام الملقاة على عاتقي بحيادية وأن أكون على مسافة واحدة من الكافة ".
الطريف انه يعود للدستور الذي طالما انتهكه فقط حينما تكون بعض نصوصه في صالحه عندما اشار إلى أنه ليس لدي الصلاحية لتجاوز مدة الـ45 يوما لتشكيل الحكومة أنه الدستور. في المقابل صرخ المنضوون تحت لواء حزب الشعوب الديمقراطية ، ليعلنوا على الملأ مرة اخرى " مثلما كنا العائق في تحقيق طموحك سنحرمك ايضا من هذا الحلم ". أذن تركيا إلى أين هذا هو السؤال ؟
فرغم أنه كان ضد إبراز مشاهد جنازات العسكريين في الميديا حتى لا تزداد الهوة بين الاتراك والاكراد وبالتالي تعرقل عملية السلام الذي كان يقودها ، إلا أنه الان بات حريصا على المشاركة فيها وفي مدينة طرابزون شمال الاناضول يوم الاحد الماضي ، توعد في جنازة أحد الشهداء بملاحقة الارهابيين أينما كانوا ، أما عن سبب تغييره مائة وثمانيين درجة فيعود إلى رهانه على اصوات القوميين.
في هذا السياق لفت الكاتب الصحفي في جريدة بوسطا (جانداش طولغا اي شك ) الانظار إلى حقيقة مهمة وهي وجود ارضية مشتركة لا تخفى على احد بين العدالة والحركة القومية قائلا " لاتبالوا لما يدلي به الناطقون باسم الأخيرة من تصريحات سلبية عن قصر أردوغان الابيض ، فرئيس هذا الحزب دولت بهتشلي سبق وقال إن المجتمع الذي يوفق بين الثقافة القومية والإسلام هو خير مجتمع بالنسبة لتركيا. ولذلك فنحن نقول إننا لا نشبه العدالة والتنمية، ولكن ثمة قواسم مشتركة بيننا وبينه”. وما يقصده بهشلي من كلامه واضح جداً: يمكننا الاتفاق مع العدالة والتنمية من خلال النظرة
القومية الممزوجة بالإسلام.
ثم مضي موضحا أنه إذا جرت الانتخابات المبكرة في نوفمبر ، ستنقسم الأحزاب إلى قسمين أحدهما يعد بالموت للناس وهو العدالة والتنمية الحركة القومية وآخر يعدهم بالحياة ويتمثل في الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية الكردي وقبل أن يحل الأخير وحبسِ زعمائه عليهما إقناع الراي العام التركي دون ضياع المزيد من الوقت بأن العدالة والتنمية الحركة القومية لن يقودا البلاد إلا إلى حرب أهلية واحتراب داخلي، وأن تركيا لن تجد السعادة والاستقرار إلا بالعودة إلى المعايير الأوروبية. وتعضيدا لذلك حذر الباي شاهين مجتمعه يجب ألا يساوركم أي شك في أن بحر
الدماء سيزداد اتساعا وعمقا يوما بعد يوم إذا تم تفضيل خيار الانتخابات المبكرة التي تمثل طوق نجاة لاردوغان حتى لا يحاسب على فساده.
ولحث المواطنين على إدراك ما ينتظر بلادهم من مخاطر لو استمر السيناريو الاردوغاني ، خرج الكاتب يسال آياهان مخاطبا قرائه مذكرا إياهم بما فعله أردوغان بدءا من إحتكار المؤسسات العامة وتجنيدها لخدمته وخدمة حزبه مرورا بسيطرته على الميديا خاصة وعامة وتدشينه لمشاريع بثّتهاعلى الهواء مباشرة 12 محطة تلفزيونية خاصة، بالإضافة إلى التليفزيون الحكومي وبالمناسبة كل هذه المشاريع لم تخرج عن الورق التي رسمت عليه ، وأخيرا إهانته لمن يختلف معه مستخدما عبارات شديدة الإساءة وإجمالا اتهم المعارضة بخيانة الوطن عبر تأكيده على وجود تعاون بين أحزاب
الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي وما سماه بـ" الكيان الموازي" في اشارة إلى أنصار الداعية الاسلامي فتح الله جولين.
أما عن كرة اللهب التي تعيشها البلاد نتيجة المواجهات المسلحة جنوب شرق الاناضول بعد فترة هدوء امتدت لأكثر من سنتين فيتحمل السلطان القابع في قصر الرئاسة المسئولية هكذا اكد الكاتب الصحفي حسن جمال في مقال له على موقع T24 الإخباري. وفي كلمات موجزة راي عمر نور الدين ان ما يحدث في بلاده ، هو تلخيص لذهنية البعض ممن أغرقوا الشعوب في خيالات الديمقراطية والحديث عن إرادة الأمة واحترام كلمة الشعب والاحتكام إلى صناديق الانتخابات، لكنهم ينقلبون سريعا إذا وجدوا أن كل ذلك لايقود إلى تحقيق أهدافهم وضمان استمرار مصالحهم وهنا تجدهم لايتورعون عن التضحية بالوطن من أجل رغباتهم وأطماعهم.