رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

‎الرجل الذى حرك المياه الراكدة فى بريطانيا

‎لندن: منال لطفي
"نحن لسنا في عرض أزياء.. وهذا ليس ناديا للصفوة أو مؤسسة للعاملين في البنوك... هذا مكان يتم تمثيل الناس فيه سياسيا"، يقول جيرمي كوربن السياسي البريطاني وأحد المرشحين الأربعة لزعامة حزب العمال، ردا على تهكمات الساخرين عليه بسبب "مظهره البائس" كما يحلو للبعض القول. هذا "المظهر البائس" عبارة عن قميص بلا ربطة عنق، وجاكت حاكته له أمه منذ سنوات، وذقن طويلة، ودراجة يتنقل بها لأنه لا يمتلك سيارة، وحقيبة ظهر.

لم تشهد الساحة السياسية البريطانية منذ سنوات سياسيا مثل كوربن. فهو أتى "من الهامش السياسي" في أخر لحظة لينافس بقوة على زعامة أحد أهم الأحزاب السياسية في أوروبا وسط دهشة زملائه ومنافسيه في حزب "العمال"، وحماسة الكثير من أنصار الحزب، وأرتياح ظاهري من قبل حزب "المحافظين" المنافس.

‎خلال فترة وجيزة حرك كوربن المياه الراكدة للسياسة البريطانية، وجذب مئات الآلاف من الأنصار والداعمين بطرحه السؤال الجوهري:"ماذا يعني أن تكون يساريا في أوروبا اليوم؟"، وجعل انتخابات زعيم جديد لحزب العمال أكثر جذبا بكثير مما كان يتصور البعض.

‎أحد الأسباب الرئيسية لشعبية كوربن أنه من "خارج المؤسسة" أو "المؤسسات" التي تفرز السياسيين في بريطانيا عادة. فهو ليس خريج قسم سياسة أو أقتصاد أو فلسفة من جامعة "اكسفورد" (مثل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير الخزانة جورج اوزبورن، والزعيم السابق لحزب العمال ايد مليباند ومنافسة كوربن على زعامة حزب العمال إيفيت كوبر). وهو ليس خريج "كامبريدج" (مثل منافسيه الآخرين على زعامة العمال ليز كانديل واندي بورنهام)، بل هو لم ينل أي درجة جامعية، فبعد المدرسة الثانوية أنضم إلى جامعة "شمال لندن بوليتكنيك"، لكنه غادرها بعد فترة وجيزة، قبل أن يبدأ نشاطه النقابي، ثم في المجالس المحلية، ثم البرلمان.

‎كما لم يتدرج كوربن، 66 عاما، في العمل السياسي الحزبي التقليدي، ولم يكن يوما عضوا بارزا في حزب العمال أو وزيرا في "حكومات الظل" على عكس ايفيت كوبر واندي بورنهام، بل تدرج في العمل النقابي والمنظمات غير الحكومية. فعمل منذ البداية مع "منظمة تحرير نلسون مانديلا" و"العدالة من أجل ضحايا اوجستو بنوشيه" و"ائتلاف وقف الحرب على العراق" وائتلاف "ضد التقشف" و"منع الأنتشار النووي". ومنذ عام 1983 ينتخب كوربن نائبا عن دائرة "نورث ايزلينجتون" في البرلمان البريطاني، وفاز في نفس الدائرة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو الماضي.

‎بهذا المعنى يأتي كوربن من قلب الصفوف الخلفية. وهو لم يترشح أصلا لزعامة حزب العمال إلا بعد جهد كبير لنيل دعم 15 عضوا، وهو شرط للترشح. ونال دعم الـ15 قبل دقيقتين فقط من غلق باب الترشح. وهؤلاء رشحوه ليس أملا في أن ينافس بجدية، بل على أمل أن يجعل السباق الإنتخابي أكثر حيوية وتنوعا.

‎ ولأنه ليس من الصفوف الأمامية للحزب، يعترف هو نفسه انه لا يتمتع بخبرة قيادة حزب. لكنه في المقابل لديه شبكة واسعة من المؤيدين الشباب الذين يقفون بحسم وراء حملته ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتعريف الرأي العام البريطاني به. كما أنه نال دعم نقابات عمالية مؤثرة وقوية.

‎تصاعد شعبية كوربن في الأسابيع الأخيرة، هز حزب العمال بعنف. ولا داعي للحديث عن حروب داخلية خفية، لكن الأمر المؤكد أن هناك أسماء نافذة داخل الحزب تريد إسقاطه، واصفة إياه بأنه سيدفع "حزب العمال من أعلى التلة إلى مماته"، ومن هؤلاء توني بلير وجوردون براون وديفيد مليباند وبيتر مندلسون والستير كامبل. لكن رفض هذه الأسماء وبالذات بلير، الذي نصح أنصار كوربن بإجراء عملية "تغيبر قلب" لإختيار مرشح آخر، لعب لصالح كوربن في الواقع وعزز المؤيدين له خاصة وسط الشباب واليسار البريطاني. وفي استطلاع للرأي لمؤسسة "يوجوف" لإستطلاعات الرأي العام، قال 48% إن كوربن "جدير بالاحترام أكثر من باقي السياسيين في بريطانيا". فهو "يتكلم مثلنا ويشعر بالمشاكل التي نعاني منها ويقدم حلولا مختلفة جذرية عما نسمعه عادة من باقي السياسيين" تقول ليز مالكوم أحدي الناشطات في حملته.

‎أما كوربن نفسه فيقول إن السياسة "ليست مهنة أو وظيفة" للتكسب وبناء مستقبل "فأنا شخصيا ليس لدى أي طموح شخصي"، موضحا أن ما يريده هو أن يساعد في تحقيق العدالة سياسيا وأقتصاديا في عالم أصبح قائما على التفاوت الطبقي الفادح. وتنفيذا لمبادئه أنفصل كوربن عن زوجته الثانية عام 1997 لأنها أصرت على قيد ابنهما في مدرسة خاصة، فيما أصر هو على قيده في مدرسة حكومية.

‎ومع التحديات التي يطرحها ترشح شخصية مثل كوربن، يواجه حزب العمال أصلا أزمة كبيرة منذ انتخابات مايو الماضي. فقد خسر الحزب كل مقاعده بإستثناء مقعد واحد في اسكتلندا، وأنحسر عدد مقاعده في انجلترا، ونشبت بين قياداته البارزة خلافات عنيفة علنية حول الكثير من القضايا الجوهرية على رأسها تقليص العجز في الميزانية عبر استقطاع مليارات الجنيهات من برامج الرعاية الاجتماعية. ولم يصوت الحزب ككتلة واحدة في البرلمان الجديد على خطط "المحافظين" إستقطاع 12 مليار جنيه استرليني من ميزانية الضمان الأجتماعي، بل أنقسم نواب الحزب بين مؤيد ومعارض على مشروع القانون. ووسط هذه الفوضى والأنقسامات لم يكن من المدهش أن يسخر البعض داخل حزب "المحافظين" من أن "الخلافات داخل العمال، أكبر من الخلافات بينهم وبين المحافظين".

‎يواجه "العمال" اذن خطر أن يتحول إلى حزب "المعارضة الطبيعي"، أو حتى الأسوأ من هذا وهو أن يصبح "غير مؤثر" من الأساس. فحزب "استقلال بريطانيا" (يوكيب) يصعد بشكل مطرد، وشعبيته تتزايد خصوصا وسط المناطق، وبين الفئات التي كانت تعتبر أرضا مضمونة للعمال في السابق.

‎ ويقول عضو بارز في حزب العمال تعليقا على حالة "فقدان البوصلة" التي يمر بها الحزب حاليا:"أعتقد أننا جميعا فوجئنا بحجم الخسارة أمام المحافظين. أعتقد أننا في هذه اللحظة لا ندرك كيف يمكن إستعادة الأصوات التي خسرناها. وفي أي أتجاه نتحرك؟. وهل هذا الأتجاه صائب أم سيعزز عزلة الحزب عن قاعدته الإنتخابية التقليدية؟. انتخابات زعيم جديد للحزب تأتي في لحظة مفصلية فارقة في تاريخ الحزب، ولا أعتقد أن أحدا كان جاهزا أو مهيئا لهذه اللحظة". وأخذا في الاعتبار التشابه الكبير بين إيفيت كوبر، وليز كاندل، واندي بورنهام، ليس من الصعب رؤية لماذا برز كوربن بسرعة مذهلة وسطهم كمرشح مفضل للكثيرين. فهو شديد الاختلاف.

‎فعلى عكس اليسار السياسي البريطاني "لا يعتذر" كوربن عن ميوله الاشتراكية، ولا يحاول إخفاءها أو التخفيف منها. فهو مثلا يريد أن ينهي سياسات التقشف الاقتصادي، ورفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 10 جنيهات استرليني في الساعة، وزيادة الضرائب على من يزيد دخلهم السنوي على مليون جنيه استرليني لتصل إلى 75%. ومع أن أيا من السياسيين في بريطانيا لا يجرؤ على طرح فكرة فرض ضرائب بهذه النسبة خوفا من تأليب طبقة رجال الأعمال والبنوك والشركات الكبرى عليه، إلا أن المدهش أنه في استطلاع لمؤسسة "يوجوف"، أيد 56% ممن استطلعت آراءهم مقترح فرض 75% ضرائب على الأكثر ثراء.

‎ أيضا من أفكار كوربن الشعبية خفض مصاريف التعليم الجامعي وتمويل ميزانية الجامعات عبر الضرائب على أرباح الشركات، وهو ما يؤيده أيضا 49% ممن استطلعت أرائهم. كما يريد تقليص حجم الانفاق العسكري، وأن تغادر بريطانيا حلف الناتو لانه يفرض عليها تخصيص 2% من الميزانية العامة للدفاع. كما يريد أن تتخلى بريطانيا عن أسلحتها النووية. وهو ما يدعمه الكثير من البريطانيين أيضا. ففي استطلاع لـ"يوجوف" أيد 64% معاهدة دولية جديدة لتحريم الأسلحة النووية.

‎صعود اليسار الأوروبي مفهوم خاصة بعد سنوات عجاف من التقشف الأقتصادي لم تؤت ثمارها المرجوة من النمو أو تقليص معدلات البطالة أو رفع مستويات المعيشة. واليونان وأسبانيا وإيطاليا واسكتلندا دليل على ذلك. لكن صعود مرشح أقصي يسار حزب العمال البريطاني لا يعتبره الكثيرون هنا "فرصة" بل "معضلة". وتقول ليز مالكوم في هذا الصدد: "داخل حزب العمال هناك من يشعرون بالهلع من شعبية كوربن ويحاولون الانقضاض عليه عبر الهجوم الشخصي، وعلى أساس أن غالبية البريطانيين لن تنتخبه بسبب مواقفه الراديكالية كما يرون، لكن لا أحد منهم يحاول أن يفهم ظاهرة كوربن ولا لماذا أكتسب تلك الشعبية خلال فترة قصيرة جدا". وتسخر ليز مالكوم من فكرة أن فوز كوربن "سيقتل" حزب العمال، مشيرة إلى أن ظهوره على الساحة، شجع عشرات الالاف من انصار وناشطي حزب العمال على العودة للحزب الذي هجروه بعد غزو العراق 2003. كما شجع فئات كبيرة من الشباب على المشاركة في النقاشات حول الحزب وبرنامجه. وحاليا سجل نحو 610 آلاف شخص أسماءهم من أجل التصويت في انتخابات زعامة الحزب وهو عدد كبير بالنسبة لانتخابات زعيم الحزب.

‎ومع أن حزب "المحافظين" أشار مرارا إلى أنه يأمل في انتخاب "العمال" كوربن على أساس أنه "ليس خامة رئيس وزراء" وانه "من الصعب انتخابه" و"يساري أكثر من المزاج العام في بريطانيا" و"أفكاره هى شعارات أكثر منها برنامج سياسي يمكن تطبيقه"، وأن انتخابه سيجعل فوز "المحافظين" في انتخابات 2020 "محسوما سلفا"، ، إلا أن هذا الأرتياح الظاهري مخادع. فبرنامج كوربن الذي يختلف 180 درجة عن برنامج "المحافظين" قد يجذب طوائف كبيرة وجديدة من البريطانيين المرهقين بالتقشف الأقتصادي وتخفيض الانفاق على برامج الضمان الأجتماعي.

‎ ومع أن البريطانيين مختلفون عن الكثير من الشعوب الاوروبية فيما يتعلق بنمط تصويتهم، إلا ان شعارات العدالة الاجتماعية، وسد الفجوة الطبقية المتفاقمة، وزيادة الضرائب على الأكثر ثراءا، وخفض مصاريف الدراسة الجامعية ورفع الحد الأدنى للأجور، وخفض الإنفاق العسكري مقابل زيادة الأنفاق على برنامج الرعاية الصحية، بإمكانها أن تجذب ناخبين من كل الأتجاهات.

‎فوز كوربن أمر محتمل جدا، لكنه ليس مؤكدا أو محسوما. فإستطلاعات الرأي أخفقت بإمتياز في الانتخابات البرلمانية في مايو الماضي ويمكن أن تخفق الأن أيضا. لكن إذا أظهرت النتائج في سبتمبر المقبل فوزه بزعامة العمال، قد تدخل السياسة في بريطانيا مرحلة جديدة تشهد ربما عودة "اليسار" حقيقة إلى المشهد السياسي البريطاني وهو ما غاب نهائيا منذ سنوات بلير الكئيبة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق
  • 1
    عقيد/ بهى الشربينى
    2015/08/22 03:09
    0-
    0+

    اذا كنت مهتماً بشأن مصر فيجب ان تحزن!
    عندما تقارن الحديث عن الضرائب فى الانتخابات البريطانية والضرائب فى مصر ، سؤال لكل من يهمه الامر..كيف تقدم اوروبا وامريكا رمزا الرأسمالية العالمية اعانة بطالة للعاطلين تفى بالحد الادنى لحاجات الانسان بينما مصر الاسلامية "التى يحثها الاسلام على التكافل" تترك العاطلين يتضورون جوعاً؟..انها الضرائب العالية التى تفرضها النظم الرأسمالية على اصحاب الاعمال لتقدم اعانة البطالة وتجعلها دول غنية تفتح اسواق اكثر لشركاتها سواء بالسياسة او بالحروب بواسطة جيوشها القوية ايضاً التى تتنفق عليها من الضرائب!
    البريد الالكترونى
     
    الاسم
     
    عنوان التعليق
     
    التعليق