من رواية الريس صبرى رومانى:
لم نصدق الروايات التى تحدثت عن سمك القرش حين ظهر فى خليج الأنفوشى للمرة الأولى.
القرش؟!
نعرف أنه لا يظهر فى البحر المتوسط، المناطق التى يطل عليها العديد من مدن الشمال المصرية، والإسكندرية منها، يحذر خطره الصيادون والسائحون فى البحر الأحمر، هو ابن البيئة هناك.
لماذا؟ وكيف نواجهه؟
لم نصدق حتى الريس زكى مشالى لما قال إنه رأى القرش بعينيه، وهو يلقى الطراحة من قاربه الصغير، خلف قلعة قايتباى.
لولا أن الريس مشالى عرض أسماك القرش الثلاث، مقلوبة على ظهرها، وميتة، فوق رصيف مقهى رأس التين، لكننا سنظل على تكذيبنا لكل الروايات التى تلاقت فى أن سمك القرش ظهر فى الانفوشى، مئات من أسماك القرش تناثرت فى مساحة المياه، تحركت فى سرب، أو أسراب نهشت، والتهمت كل ما التقطته أفواهها، صبغت الأمواج بالدم.
ما روى عن أول ظهور للقرش فى بحرى:
زاد الغواص يوسف أبو منصور من سرعة المحرك، ارتفعت الفلوكة، شقت مقدمة الأمواج، صنعت انفراجة، مضى فى اتجاه البوغاز، تحول كل ما حوله إلى آفاق لا تبين عما وراءها، واختفى الخط الرمادى فى امتداد الساحل.
تنبه لحركة ـ غاب مصدرها ـ بين الأمواج.
صرخ لرؤية المئات من أسماك القرش، تصنع ما يشبه الدائرة الواسعة من حوله، تحاصره، تتهيأ للانقضاض عليه، والتهامه، لف حول نفسه وهو يواصل الصراخ، سقط أنبوب الغوص من بين شفتيه، وسقطت النظارة، لم يعد إلا تخبطه المتخاذل فى دائرة يزداد اقترابها، وصراخه الذى يتحول إلى فقاعات تمتصها الأعماق.
ما حدث صار محورا لجلسات أهل بحرى داخل حلقة السمك، وفى البيوت، وعلى المقاهى، وأطال الشيخ أحمد النجيلى خطيب جامع أبوالعباس فى تحذير الناس من الأخطار التى نهمل التنبه لها، عرف عنه إدراك الخطر قبل حدوثه، التنبؤ بمواعيد هبوب الرياح والنوات وسقوط الأمطار، وبخسوف الشمس وكسوف القمر، وأنه يتكلم بالأسرار العجيبة، وقيل إن سيطرته امتدت إلى الجن، فتخشع أمامه، وتلبى أوامره.
سخف الشيخ تهوين الملازم أول ياسر محمدى ضابط نقطة الأنفوشى، من عودة أسماك القرش، وأن ظهورها فى مياه الانفوشى استثناء لن يتكرر، وغلبت الحماسة على كلمات الشيخ النجيلى، وهو يطالب عساكر السواحل وعمال الإنقاذ بأن يدركوا ما يجب فعله لحماية الشواطئ من الوحش الذى توهمنا مسالمته.
قال رجب عبد الغفار الباحث بمعهد الأحياء المائية:
ـ أسماك القرش، لا تهاجم الإنسان إلا إذا أثارها!
قال الريس فتوح مؤمنا:
ـ يحب سمك التونة، هو الطعم الذى تجتذبه رائحته لصيده.
قال الشيخ النجيلى:
ـ بل رائحة الدم هى التى تثيرها!
وتغيرت ملامحه:
ـ رائحة الدم تعنى الهلاك لمن يهاجمه القرش.
من تقرير علمى للباحث زكرى أبو العينين بمعهد الاحياء المائية:
تغير البيئة هو سبب ظهور القرش الذى لم يتوقعه الصيادون، ولا أبناء بحرى، ولا حتى علماء متحف الأحياء المائية، لم يألف القرش تكاثر المخلوقات الغريبة فى البحر، وعلى الشواطئ، اعتاد العيش فى البحار المصرية، ما تضمه من مخلوقات تصنع المشهد الذى ألفه، حتى الناس الذين ينزلون البحر، يركبون البالنسات والفلايك واللنشات، يغوصون فى الأعماق، صاروا جزءا من المشهد، لا يلفتون نظره، ولا يلتفت إليهم، اختل التوازن البيئى فى مياه البحر الأحمر، وفى اليابسة، حدث ما لم يتوقعه أحد، هجرات وظهور مخلوقات غريبة، سمكة القرش تغوص فى الأعماق، ثم تصعد، الرائحة الغريبة تثيرها، تتجه نحوها، تختلط الروائح، فتهاجم ما تصادفه.
من تقرير غير ممهور بتوقيع فى محاضر نقطة الأنفوشى.
أفاض الدكتور عصمت حسنين الخبير بمعهد الأحياء المائية فى شرح أفضل الطرق لمواجهة أسماك القرش، قدمت اقتراحات بالديناميت والمواد المتفجرة والطعم المسموم، وجد الريس فتوح فى السنارات المفككة ما يصيد القرش، إن لم تدمر أجسادها، وتفتتها.
يعرف البحر جيدا: أسماكه وأنواع مراكبه وجزره وصخوره وقواقعه وأسراره، متى يثور، ومتى يصير حصيرة، يتحدث عن صداقته لمخلوقات البحر، والشعاب المرجانية، يحدد أماكن وفرة الأسماك، فتتجه البلانسات إليها، يهمل حمل البوصلة، أو ما يعينه على ركوب البحر، ينادى: ألسطة، ويأمر بالانطلاق.
يعرف طريقه جيدا، لا شأن له بليل أو نهار، من يمشى فى بيته يفعل ذلك فى أوقات اليوم كله، لا يعنى بنور أو ظلمة، البحر بيتى، يحسن اختيار البقعة التى يقف، أو يجلس فيها، لصيد السمك، يميزها بارتفاع منسوب المياه، خلوها من النفايات، وفرة السمك وتعدد أنواعه، يفطن إلى قيمة الموضع من زحام الصيادين، هم لا يلقون بالسنارات فى مواضع لم يدرسوها جيدا.
ربما اكتفى بالجلوس على الكورنيش الحجرى، ودلى ساقيه فى الفراغ، وتنقلت نظراته بين الصيادين والكتاب فى يده.
لم يشغله أن يعود إلى البيت بما يصنع جزءا من مائدة، مجرد أن يدلى السنارة الحاملة للطعم فى الموج، وينتظر.
جاوز الريس صبرى رومانى ما رواه الناس عن رؤيتهم القرش فى مياه الخليج، تحدث عن لحمها الطرى، يفوق فى طزاجته لحم الترسة.
بحلق الصياد حمزة أبو سكر فى دهشة:
ـ القرش يأكل البشر.. هل يأكله البشر؟
قال الريس رومانى:
ـ طبعا، لكن بعد سلخه!
حذر الدكتور عصمت من أن يكون القرش ذات المطرقة، يحيا فى المحيطات الاستوائية، هو أخطر أنواع القرش القاتلة للإنسان، إذا أصيب، أو جرح، فى المعركة، وأحس باقتراب أجله، تحول إلى مارد جبار، وبدأ فى تمزيق كل شىء يقع عليه بصره، وقتله، وتدميره، حتى يسقط ميتا من التعب.
قال الريس رومانى بنبرة واثقة:
ـ القرش الأبيض أشرس أنواع سمك القرش، تعيش وتتغذى على لحم الإنسان،
قال زكرى أبو العينين:
ـ أعرف أن أسماك القرش لا تحارب الإنسان، إذا صادفته فى الأعماق، أو فوق الأمواج، فانها تمضى فى طريقها.
قال الريس فتوح:
ـ القرش تتجه ناحية الدم، تجتذبها الرائحة التى تميزها من بعد.
وأشار ـ بعفوية ـ ناحية الأفق:
ـ رائحة الدم تجتذبه، يتجه نحو مصدرها.
من رواية عرابى بندقة ريس البلانس زهرة الربيع:
لماذا يهاجم القرش الإنسان؟ لماذا يبتعد عنه، أو يقترب منه؟ ما الدوافع التى تحركه للعدوان؟
قال الريس كتكوت
ـ لا يمكن لأحد أن ينزل فى هذه المنطقة بمفرده.
أردف لنظرتى المتسائلة:
ـ تمتلئ بأسماك القرش الكبيرة... تعض أو تلتهم.
وقال فى نبرة توضيح:
ـ نحن نقتل أسماك القرش لأننا نخافها، لا لأننا نأكلها.
ثم فى تسليم:
ـ سمعة القرش فى قتل البشر تدفعهم لقتله.
غالبتنا الحيرة فى كيفية مواجهة الحيوانات البحرية، المفترسة، فلا تنقض على السفن المبحرة.
صار الخروج إلى الصيد مخاطرة، عواقبها غير مضمونة، علت الرايات السوداء فى كل الشواطئ، تحذر من النزول للسباحة أو الغطس، يعلو التحذير: لا تقف على الحافة، إذا اهتز المركب، أو هبت عاصفة، فقد تتزلق قدماك، حتى الأولاد منعهم الشيخ النخيلى من اللعب على الرمال، ربما ألقت الأمواج بأسماك القرش، تنهش من تصادفه وتعود، سمكة ضخمة، لا نعرف نوعها، ليست عروس بحر كتلك المعروضة فى مدخل المتحف البحرى، وليست دولفين مما نشاهده فى التليفزيون.
لابد من مواجهة القرش جماعة، يهجم القرش على غواص، فيدخل بقية الغواصين اثنان، أو ثلاثة، أو أربعة، لا انفراد بالغوص فى منطقة يخشى أن تفاجئ أسماك القرش من يسبحون فيها.
لم تعد الفلايك ولا الدناجل ولا القوارب الصغيرة تخرج إلى البحر، البلانسات، وحدها تنطلق من المرسى أو البوغاز، فى أذهان ركابها توقع بملاقاة أسماك القرش، يجيدون استعمال المسدسات والبلط والسكاكين، مثلما يجيدون إلقاء الطراحة والجرافة، أهملوا قول رجب عبد الغفار المطمئن:
ـ سمكة القرش لا تهاجم بدون سبب،
الغواص يوسف أبو منصور لم يفعل ما يثير سمك القرش، فابتلعه، بدت السمكة مجرد فكين هائلين، يهمان بابتلاعه، كأنهما مدخل إلى كهف فى داخله الفزع، أدرك أنه لا توجد وسيلة للتراجع، حاول أن يدافع عن نفسه، يقاوم، يضرب بيده، وبالركلات، وبكل ما وسعه، ضربات موجعة، مؤثرة، يبعده بالمواجهة، يدفعه إلى التراجع، إن ضاعت الضربات، زادت حدة هجومه، حل التخاذل ـ فى النهاية ـ على جسد يوسف، أحس قواه تفر منه، تأرجحت المرئيات، اختلطت، ثم لم يعد يحس بشىء.
أسماك القرش تهاجم فى أى وقت، لا شأن لها بليل ولا نهار، يكون القرش فى طريقه لصيده من الأسماك، يصطدم بالإنسان فى طريقه، فينهشه حتى أنواع القرش التى عرف عنها عزوفها عن مهاجمة البشر، لم تعد كذلك، تعددت حالات القضم والنهش والابتلاع وتناثر الدم والأشلاء.
بدا الخروج فى جماعات وسيلة آمنة من أذى سمك القرش، نتوقع هجومه دون أن نطرح احتمالات، من يغوص بمفرده، يبتعد عن مناطق القرش، إذا كنا جماعات، نزلنا البحر بالونس والمساندة، لا يشغلنا الخطر.