رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
السباق إلى الجنة!

تستوقفنى رسائل قرائك كل أسبوع، وأستخلص منها الدروس والعبر، وها أنا أكتب إليك تجربتى فى الحياة عسى أن يستفيد منها الآخرون، فلقد نشأت فى أسرة متوسطة الحال، وعشت حياة مستقرة بين أبوىّ وإخوتي، وأنا أصغرهم جميعا، وقد أغدقت الأسرة كلها عليّ الحب والحنان،

فتربيت فى جو من المرح والسعادة، ومرت الأيام وتوفى أبى وأنا فى الجامعة، فزاد ارتباطنا، وخوفنا على بعض، ومضت الأمور على ما يرام، وراودتنى أحلام كثيرة فى العمل والزواج، واستهوانى تحقيق حلمى القديم بالعمل فى مجال الإعلام، وأن أتزوج بمن أجد لديه راحتي، وأشعر معه بالحب والرومانسية، والتحقت بجهة إعلامية تحت التمرين، وأقبلت على الجد والاجتهاد فيها لأثبت للمسئولين بها أننى جديرة بأن أكون إعلامية ناجحة، وساقت الأقدار فى طريقى الشاب الذى طالما حلمت بمواصفاته، وجدته أمامى كما تخيلته، وسعدت به، وعبّر هو عن حبه لى من أول نظرة قائلا: إننى أتمتع بملامح طفولية، وقدر كبير من الرقة والجمال.. وأصدقك القول أن فرحتى به فاقت الخيال، وعندما تقدم إلى أسرتى طالبا يدي، لم أفكر فى أى شيء مادي، ورضيت بأقل القليل، وقلت لهم: يكفينى أن أرتبط به وأكون زوجة له، فنحن مازلنا فى بداية المشوار، وظروفه المادية لا تختلف عن ظروفنا، حيث يجمعنا التقارب الأسرى والمادى والتعليمي، وتزوجنا فى شقة بالإيجار، وبأثاث أبسط مما يتخيله أحد، ثم طلب منى أن أترك العمل فى الإعلام، ولم أكن قد خطوت فيه سوى خطوة بسيطة، ووجدتنى فى حيرة بين أن ألبى طلبه، وأتخلى عن حلم حياتي، أو أن أستجيب له وأبحث عن عمل آخر حتى يطمئن قلبه بأننى سوف أكرس معظم وقتى للأسرة، فمن يعمل فى المجالات الإعلامية يقضى معظم وقته بعيدا عن أهله، وطاوعته، وعملت بالتدريس، وعشت معه بما يرضى الله، وظلل حياتنا شعار «الصدق والإخلاص والتفانى فى كل شيء»، وراعيت الله فيه واتقيته فى كل خطوة أخطوها، وفى كل كلمة أو فعل، وحتى مرتبى لم أخف منه قرشا واحدا عنه.

وجاءتنى إعارة إلى دولة خليجية فسافرنا جميعا أنا وهو والأولاد، ولم يتغير أسلوبى معه، ولم أحدث نفسى أبدا بأن ما أحصل عليه من مال هو نتيجة شقائى وتعبي، فأنا معه شخص واحد، ومهما قلت عن حبى له، فلن أستطيع أن أصف إحساسى تجاهه، ولكن لا أدرى ماذا حدث، ولا ما الذى غيَّره إلى النقيض تماما، إذ دأب على مواجهة ما فعلته وأفعله من أجله بالشتائم بأبشع الألفاظ، والضرب.. نعم الضرب بكل أنواعه، وعدم الصراحة، وراح يفكر ويأخذ قراراته بعيدا عنى وكلها تتعلق بحياتنا، وأصبح الغموض هو سيد الموقف، وصار كل همى هو ألا يشعر أولادنا الصغار بأى خلاف بيننا حتى لا يؤثر ذلك فيهم، وتكون صورة أبيهم لديهم مشوهة، ومع اشتداد الأزمات التى يفتعلها بلغ بى الأمر إلى التفكير فى الطلاق، ولكنى تراجعت عنه لكى لا يتربوا بعيدا عنا، وتذكرت كيف أننى واجهت الجميع باختيارى له وإصرارى على الزواج منه برغم تحفظ جميع أفراد الأسرة، وأوكلت أمرى إلى خالقي.

وفجأة ذات يوم جاءنا الخبر المفجع الذى نزل عليّ كالصاعقة، إذ توفى زوجى بلا مرض، ولا بوادر إعياء، ولا أى أعراض، مات وهو فى عز شبابه وشدته، وتوقفت حياتى تماما، وعجزت عن التفكير فى أى أمر يخصنا، ولكن الله يجعل دائما مع العسر يسرا، فسخّر سبحانه وتعالى لنا من يقف إلى جانبنا فى هذه المحنة، وعدت مع أبنائى إلى مصر، وظللنا جميعا فى حال سيئة، ورحت أفكر كيف سأواجه الدنيا بأطفال أكبرهم يبلغ اثنى عشر عاما، وأصغرهم أربع سنوات، واشتريت شقة صغيرة، وفرشتها بالأثاث الضروري، ورعيت أبنائى وكرست حياتى لهم، ورفضت كل عروض الزواج، ولم أستجب لضغوط الأهل، من منطلق أننى صغيرة فى السن، ويجب أن أعيش حياتي، وقلت لهم: إن حياتى هى أولادي، فهم أمانة فى عنقى ورسالتى فى الحياة، بل وتركت العمل لأكون بجانبهم حتى لا يفقدوا الأب والأم معا.. ولا تتخيل مدى سعادتى وقتها وأنا أراهم حولى يلعبون ويمرحون، ويجرون نحوي، ويرتمون فى أحضاني.. إنها لحظات سعادة لا تدانيها أى إغراءات أخري، ترى لو أننى تزوجت بعد أبيهم، هل كانوا سيجدون من يغنيهم عن حنانى وحبي، لا بالطبع، فالأم الطبيعية هى التى تؤثر أبناءها على نفسها، حتى لو انتقصت من حقوقها حق أن يكون لها زوج، ومضت حياتنا على هذا النحو من الحب والإيثار وصاروا أمثلة للأبناء الصالحين، والكل يشيدون بأخلاقهم وحسن تربيتهم، وقد تخرج اثنان منهم فى كلية مما يطلقون عليها «كليات القمة»، والتحق الثالث بكلية مماثلة هذا العام، ويستعد للسنة الثانية بها.

ولم تكن هذه الرحلة سهلة أبدا، فلقد قاسينا فيها أياما عصيبة، والحمد لله الذى منحنا القوة فواصلنا ومازلنا نواصل مشوار الحياة، ولم يقف معنا أحد من أهلى ولا من أهل أبيهم، فكلهم مشغولون بحياتهم سامحهم الله ـ وبعد أن تخرجت ابنتى الكبرى تمت خطبتها، ولم يكن معى ما أسهم به فى تكاليف زواجها، فاضطررت إلى بيع الشقة التى نسكن فيها، وأنفقت جزءا من ثمنها فى شراء ما يلزمها من أثاث وفقا لاتفاقنا مع عريسها، وخصصت الجزء الباقى لمستلزمات المنزل والمعيشة، ولجأنا إلى شقة بالإيجار الجديد، حيث ندفع ألفا وأربعمائة جنيه شهريا، أى معظم المعاش الذى أتقاضاه عن والدي، لأن زوجى الراحل ليس له معاش، وأنا لم أستطع العودة إلى عملى الذى تركته لرعاية أولادي، وكم تمنيت أن تكون الإيجارات محددة الأسعار.

وأجدنى الآن وبعد هذا المشوار الطويل من الكفاح أسترجع خطواتى وأتأمل دروس الحياة، وأقول فى نفسى «ليت كل زوج يعامل زوجته بقسوة وعنف ولا يتقى الله فيها» ــ أقول ــ ليته يعود إلى رشده، ويعرف أنه سوف يلقى الله إن عاجلا أو آجلا، فالأعمار بيد الله، وليدرك أنه ينبغى أن يترك سيرة طيبة لأرملته تتذكره بها، كما أطلب من كل زوجة نكدية، ولا تتوقف عن المطالب أن تراعى الله فى زوجها فهو سندها، ولا يدرى أحد من يموت قبل الآخر.. أرجوكم جميعا أن تراجعوا حياتكم ومعاملاتكم، وأن يترك كل واحد لدى شريك حياته سيرة عطرة، يستمد منها المدد والعون، ويستأنس بها فى مستقبل أيامه، فلقد تألمت كثيرا، وأنا أسترجع شريط حياتي، وكيف أننى كنت أضغط على نفسى من أجل استرضائه.. وحينما كنت ألومه على تنكيله بى بلا سبب يرد عليّ بأن ضغوط الحياة هى التى تدفعه إلى ذلك. ثم يهدأ لفترة، وبعدها يعود إلى سيرته الأولي، فأرجوكم ـ رجالا ونساء ـ أن تحسنوا معاملاتكم مع بعضكم البعض.

إننى أطلب من الله الرحمة لزوجى الراحل، وأذكّر أبنائى دائما بالدعاء له، بل وأطلب منكم جميعا أن تدعوا له بالمغفرة، وأؤكد على كل زوجة رحل زوجها عن الحياة تاركا لها أبناء فى كفالتها، أن ترعاهم، وتحتضنهم، ولا تفرط فيهم مهما تكن الإغراءات وسوف تهنأ براحة البال ورضا الله الذى نتمناه جميعا.

ويبقى لى رجاء من رؤساء الأندية الرياضية خاصة الكبري، بأن يسمحوا للأرامل والأيتام بأن يدخلوها بأسعار مخفضة، فهؤلاء هم أكثر البشر شعورا بالإحباط واليأس. واحتياجا إلى متنفس ولو مرة واحدة كل شهر، فأنا مثلا عشت حياتى وأنا أحلم بدخول نادى الجزيرة أو الزمالك وغيرهما، ولقد حاولت أنا وأبنائى مرات عديدة أن نقضى بعض الوقت فى ناد منها كنوع من الترويح عن أنفسنا، ولكنهم رفضوا تماما دخول غير الأعضاء، حتى لو بتذاكر مدفوعة لبضع ساعات، وبالطبع فإن عضوية هذه الأندية لا يقدر عليها أمثالنا الذين ليس أمامهم سوى أن يذهبوا إلى الجحيم لأن الأندية الكبرى للموعودين فقط، ومن يملكون أموالا، مع أن مظهرنا مشرف، ونحيا بكل شرف ونشعر بالحب والانتماء لمصر، ولو اتخذ المسئولون خطوة دخول غير الأعضاء برسوم رمزية، فسوف يخففون آلاما كثيرة لمن هم مثلنا.

ويبقى أن أنصح كل أرملة بأن تصبر على حياتها، وسوف يأتيها نصر الله ورعايته، وستفرح بأبنائها، وتعم السعادة بيتها وبيوت أبنائها، وما أجملها تلك اللحظات التى ستجتمع فيها العائلة حولها، والكل يتسابق إلى إرضائها جزاء ما قدمت لهم، أسأل الله الثبات لكل أرملة، والنجاح لكل الأبناء، والسعادة للجميع، والله المستعان.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ما أروع الدروس والعبر التى تنطق بها قصتك ياسيدتي، ولعل أبرزها على الإطلاق حرصك على تربية أولادك وعدم الزواج بعد رحيل أبيهم عن الحياة، برغم أن الإسلام حلل للأرملة الزواج بعد انقضاء عدتها، وهكذا صرت واحدة ممن ينطبق عليهن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه حيث قال: «أنا أول من يفتح باب الجنة، فإذا بامرأة تبادرنى «أى تسابقني»، فأسألها من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي، ومعنى «تأيمت» أنها رفضت الزواج بعد وفاة زوجها لتربى أطفالهما الأيتام، وقد بلغنا الرسول عن المولى عز وجل أنه قال فى حديث قدسى «إن اليتيم إذا بكى اهتز عرش الرحمن لبكائه، ويقول الله لملائكته، من أبكى عبدي، وأنا أخذت أباه، وواريته فى التراب، فيقولون: ربنا أعلم به، فيقول: اشهدوا لَمَن أرضاه أرضيته يوم القيامة».. يا الله ما لنا تغافلنا عن تعاليم الدين وشغلتنا الدنيا الى الدرجة التى تتخلى فيها الأم عن أبنائها، أو يتخلى الأب عن أبنائه لأغراض زائلة ومكاسب رخيصة، فكانت النتيجة أن الابن يقتل أباه أو أمه، لأنه لم يلمس منهما حنانا، ولم يشعراه بمعنى الأبوة أو الأمومة.. وليس معنى ذلك أن من مات زوجها لا تتزوج من آخر، وإنما يتعين عليها ألا تتخلى عن أولادها، وأن تشترط عليه أن تراعيهم وأن يتربوا فى كنفها، وإلا فإن هناك من يتقى الله فيهم ويحسن تربيتهم، ولا يفرق بينهم وبين أولاده، ويكون هو الأفضل لها.

أما عن زوجك الراحل وصبرك عليه وحبك له برغم أنه آذاك بدنيا ونفسيا، فلقد أدركت أن الحياة الزوجية حياة مصيرية، حيث رزقكما الله بثلاثة أولاد، ولو افترقتما فسوف يتشردون، وهذا ما نبهنا إليه رسول الله الذى حرص كل الحرص على أن يكون الوفاق بين الزوجين قائما على قوله تعالى «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، وهذا درس آخر للأزواج بأن يحسنوا معاملة بعضهم، وأن يسعوا دائما الى رأب الصدع الذى يصيب حياتهم لأى سبب من الأسباب، فمعظم الخلافات تنشأ وتكبر لأسباب تافهة قد لا تحتاج فى حينها الى أى جهد لتداركها.

ولاشك أن الحب الزوجى بحاجة الى مجهود غير عادى من الطرفين، حتى يظل واقفا على قدميه، ومشكلة هذا الحب ليست فى الخلافات الحياتية العادية التى يتم تجاوزها، بل وربما تكون سببا فى تجديد العلاقة بينهما، أو كما يصفها البعض بأنها «بهارات الطبخة الجميلة». ويقول عنها الشاعر:

وأحسن أيام الهوى يومك الذى

تهدد بالتحريش فيه وبالعتب

اذا لم يكن فى الحب سخط ولا رضا

فأين حلاوات الرسائل والكتب

نعم المشكلة لا تكمن فى الخلافات العابرة، وإنما تنحصر فى عدم القدرة على فهم الطرف الآخر، وربما على عدم فهم الشخص نفسه، وصعوبة التكيف مع المشاركة الجديدة، والأوضاع المتغيرة، وعدم الاخلاص لهذه العلاقة بطرد ما يعكرها.. فعلا نحن فى حاجة لفهم قوانين «لعبة الزواج»، والسعى الى استدامة الحب بالتعود على استخدام العبارات الإيجابية، وكلمات الشكر والثناء، فالكلام العاطفى والطيب ينعش قلب المرأة ويجعلها أكثر راحة وأمانا، وكذلك الرجل اذا أحس من زوجته باللهفة عليه والثقة فيه، فإنه تلقائيا يجد نفسه أسيرا لحبها، فهى التى تحتويه ولا يجد الأمان إلا معها، والتصرفات البسيطة تأتى بنتائج عظيمة، فالكلمة الحلوة لا تكلف المرء شيئا، لكنها توجد بحرا من الحب بين الزوجين، فيسعى كل منهما للجلوس مع الآخر والائتناس به، فيتقارب قلباهما قبل جسديهما، وهنا يكمن سر السعادة الزوجية.

لقد أدركت كل ذلك ياسيدتى فحاولت احتواء زوجك الراحل وتحملت الصعاب من أجل أن تستمر حياتك معه، الى أن حان أجله، ورحل الى خالقه، وكنت أمينة على أولادكما بصنيعك الجميل، دون ضجر أو ضيق، حتى بعد أن بعت الشقة التى اشتريتها بمدخرات السنين، لكى تمضى سفينة الحياة، وهكذا بالعقل والحكمة تمكنت من عبور كل الموانع والحصون، ووصلت الى بر الأمان بنفس راضية، وقلب ذاكر لله، وإننى أحيى شجاعتك ودأبك فى تربية أولادك، وأثنى على حرصك على الاستمتاع بمباهج الحياة فى حدود الإمكانات المتاحة لك، أما بخصوص الأندية الكبرى التى تقصر الدخول إليها على أعضائها فقط، ويدخل أقاربهم أو معارفهم مقابل رسوم، فلعل رسالتك تفتح الباب لمناقشة الدور الذى تقوم به الأندية الاجتماعية بوجه عام، فلا تقتصر على فئة دون أخري، واذا كان للأعضاء الدائمين فيها حق الدخول والاستمتاع بها مجانا، فلتكن لغيرهم من الراغبين فرصة لدخولها مقابل رسوم رمزية، بشرط مراعاة المستوى العام لهذه الأندية، فكلما كانت هناك قواعد لزيارة الأندية والاستمتاع بأنشطتها، تصبح مصدر جذب للكثيرين فيسعد الجميع.

وإننى أحييك على جهدك وصبرك، واسأل الله أن ينير لك الطريق لتكملى مشوارك مع أولادك الى النهاية وتسعدى بهم وبأولادهم، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق