نهر النيل هو أساس الحياة وشريان مصر الوحيد للموارد المائية العذبة , وبرغم ذلك لاتوجد جهة محددة للإشراف عليه من حيث تأمين الملاحة ومنع التلوث وتبديد موارده ،حتى أصبح بلا صاحب ومكانا للتخلص من المخلفات الصحية والكيماوية والزراعية والصناعية الخطرة فيتسبب فى انتشار الكثير من الأمراض الخطيرة والتى لا علاج لها ، كما أن هناك 9 آلاف وحدة بحرية 70% منها غير مرخصة ،كما تم رصد 50 ألف حالة تعد على شواطئ النهر.
ولا يزال نصيب مصر من المياه محدودا ويبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا منذ كان التعداد سنة 1959 نحو 20 مليون نسمة و حتى الآن وبعد أن أصبح أكثر من 90 مليونا , ومع ذلك فالتلوث هو المهدد الأول للنهر والسكان ، وحسب رأى الدكتور أحمد عبد الوهاب أستاذ بحوث التلوث بجامعة بنها والذى يكشف عن أن أزمة النهر الخالد أنه أكثر الأنهار تلوثا فى العالم نتيجة غيبة الرقابة وانعدام الوعى بين كثير من المواطنين لذلك تصب قنوات الصرف بالقرى والمصانع والمخلفات بأنواعها مما جعله مكانا لانتشار الملوثات البيولوجية والكائنات الحية النباتية والفيروسات, كما توجد ملوثات المركبات السامة والمعادن من صرف المصانع والزراعية من خلال أكثر من100مصب على النيل والترع والمصارف ، فضلا عن إلقاء البقايا الحيوانية والفضلات والقمامة فيه.
المخلفات الخطرة
وأضاف أن من أسباب تلوث النيل إلقاء مخلفات المنازل والمصانع التى تحتوى على مواد سامة خطرة يصعب التخلص منها كالسيانور والفينول أو المركبات الكيماوية ونتاج العمليات الزراعية واستخدام المخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية.فضلا عن التأثير البشرى والحيوانى باستحمام الإنسان والحيوان ،وكذلك غسل الأوانى والملابس وإلقاء جثث الحيوانات النافقة فى الترع ، إضافة لانتشار النباتات المائية مثل ورد النيل ، إضافة لوجود مصادر ملوثات إشعاعية من المعادن الثقيلة كالرصاص والنيكل والكادميوم والزرنيخ والزئبق والكوبلت والألومنيوم وتسبب أمراضا كثيرة خطيرة.
وأضاف أستاذ بحوث التلوث أن استخدام الكلور ينقى مياه الشرب من البكتيريا فقط لكنه لا ينقى المياه من المعادن الثقيلة والمخلفات الصناعية ، ووفقا لتقارير صادرة عن وزارة البيئة ، فإن الملوثات الصناعية غير المعالجة أو المعالجة جزئيا والتى يقذف بها فى عرض النهر تقدر بنحو 4.5 مليون طن سنويا، من بينها 50 ألف طن مواد ضارة جدا، و35 ألفا من قطاع الصناعات الكيميائية ، وأن نسبة الملوثات العضوية الصناعية التى تصل إلى المجارى المائية تصل إلى 270 طنا يوميا، والتى تعادل مقدار التلوث الناتج عن 6 ملايين شخص، كما تقدر المخلفات الصلبة التى تلقى فى النهر سنويا بنحو 14 مليون طن، وهناك ملوثات الصرف الزراعى التى تصرف مخلفاتها إلى النيل مباشرة فى كثير من الأحيان، بالإضافة إلى المخلفات الناتجة عن الأنشطة السياحية من المراكب الراسية على سطح النيل.وكل هذه الملوثات تلحق خسائر اقتصادية كبيرة تتحملها الدولة، تصل إلى 3 مليارات جنيه سنويا تعادل 6 % من إجمالى الناتج القومى .
وقد ترتب على هذا التلوث إغلاق وتوقف أكثر من 8 محطات لضخ ورفع المياه تبلغ قيمة كل منها أكثر من 20 مليون جنيه، وتوقف الاستفادة من أكثر من 3 مليارات متر مكعب من المياه سنويا مع وجود خطة قومية لحماية الموارد المائية من التلوث وتبلغ تكلفتها أكثر من 10 مليارات جنيه حتى عام 2017وتشمل برنامج التحكم والسيطرة على جميع مصادر التلوث، ولجأت وزارة البيئة أخيرا لزراعة آلاف الأفدنة بالغابات الخشبية التى تروى بمياه الصرف بعد معالجتها فى بعض المدن ، و لعل أهم مصادر التلوث فى نهر النيل، هى المصانع حيث توجد 34 منشأة صناعية بحاجة لتصوب أوضاعها لخطورتها على النيل .
النزلات المعوية
وتبعا لتلك الكميات الهائلة من الملوثات أوضحت نتائج دراسة صدرت أخيرا أجراها الدكتور احمد نجم المستشار الاقتصادى أن هناك نحو 17 ألف طفل سنوياً يموتون بالنزلات المعوية نتيجة تلوث المياه ، كما أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً فى إصابات مرضى الفشل الكلوى لدى المصريين لنفس السبب ،إذ أن هناك 13 ألف حالة فشل كلوى و60 ألف حالة سرطان مثانة نتيجة للتلوث وهى نسبة تعادل أربعة أضعافها بالعالم , وأن تلوث النهر أدى إلى 50 % فاقدا من الإنتاج الزراعى , وإذا كان نهر النيل يصيب أفراد الشعب بالعديد بالأمراض عندما يتناولون المياه الملوثة فإنه قتل الأحياء المائية والأسماك التى تعيش بالنيل وتتغذى به .وأنه تسبب فى القضاء على 33 نوعاً من الأسماك التى تحيا بمياه النهر ، و هناك 30 نوعا آخرى فى طريقها للاختفاء، فى الوقت الذى أصدرت الدولة العديد من القوانين والبرامج لحماية نهر النيل, وهناك القانون 48 لسنة 82 لحماية نهر النيل والمجارى المائية وقانون البيئة الذى يلزم المصانع بمعالجة المياه بالداخل قبل تصريفها، وهنا تتضح الحالة المزرية التى وصل إليها نهر النيل فالقوانين جميعها ضرب بها عرض الحائط، على الرغم من العقوبات التى من المفترض أن يتم تطبيقها .
شريان الموت
كما أن المحاصيل والنباتات تتأثر سلبيًّا بتلوث مياه النيل، مثل المحاصيل الحولية منها الخضراوات والفاكهة فضلاً عن ترسبها بالثمرة التى تصل مباشرة إلى الإنسان كما يتأثر الأرز لاحتياجه إلى كميات كبيرة من المياه بنسب ملوحة معينة، مما أدى إلى انخفاض إنتاج مصر من محصول الأرز مشيرًا إلى أن ضعف إنتاجية الماشية هو من الآثار الواضحة لتلوث النيل، وهذه الملوثات تؤدى إلى أمراض خطيرة، منها تضخم القلب وفقر الدم واضطرابات الدورة الدموية وارتفاع ضغط الدم والفشل الكبدى والكلوى والسرطانات والإصابة بأنواع الروماتيزم المختلفة وضعف كفاءة الجهاز المناعى والكوليرا والتيفود والدوسنتاريا الأميبية والإسكارس والديدان الشريطية والدودة الكبدية ، كما أن تناول الأسماك التى يتم صيدها من مناطق ملوثة تؤدى إلى الإصابة بمرض هشاشة العظام وضمور العضلات وشلل الأطراف وغيبوبة لارتفاع معدلات التلوث بالرصاص.
ضحايا النيل
وعن جانب الإهمال الآخر فى نهر النيل والخاص بالنقل يقول الدكتور مغاورى شحاتة رئيس جامعة المنوفية وأستاذ بحوث المياه أن الإهمال والاستهتار وراء مسلسل حوادث النيل وترجع مجمل الأسباب فيها إلى زيادة الحمولة على المسموح بها فى الصنادل والمراكب ومخالفة قانون الملاحة النهرية، وعدم توافر اشتراطات الأمان فى المراكب الغارقة، فضلًا عن قيادة سائقى هذه المراكب والصنادل بدون ترخيص، وتحميل ركاب من نقطة غير مسموح به، والمشكلة الأخرى هى أن حجم التعديات على نهر النيل بلغ نحو 50 ألف حالة ، بطول النهر وبجميع المحافظات منها حالات لجهات تابعة للدولة والنقابات ، برغم الحملة التى اعتمدها مجلس الوزراء ، وأن على جميع المخالفين المبادرة بإزالة التعديات بأنفسهم وعلى حسابهم ، إذ إن ما حدث فى الثلاث سنوات الماضية من تعديات على نهر النيل لم يحدث فى الثلاثين عاما السابقة وقدر حجم التعديات على مستوى الجمهورية خلال عام 2014 وحده بنحو 8 آلاف و500 حالة . مما يتطلب من المسئولين تركيز حملة إزالة التعديات وتغليظ العقوبة على المتعدين على النهر، ووقف جميع تراخيص المؤسسات والمنشآت الجديدة الواقعة على النهر ومراجعة جميع التراخيص السابقة للتأكد من مطابقتها للاشتراطات، وكذلك إزالة جميع الأقفاص السمكية المخالفة والتى تسببت فى ارتفاع نسبة تلوث النهر أخيرا فى منطقة رشيد ونفوق نحو 2طن من الأسماك .
رابط دائم: