1-الموساد يغتال حلمه بسرقة «نيجاتيف» فيلمه عن فلسطين
الموساد الإسرائيلى كان سببا فى تعثر فيلم من أهم الأفلام التى تناولت قضية الشعب الفلسطينى، وهو فيلم « خيط أبيض..خيط أسود»، الفيلم كتب قصته الروائى الراحل «سير جواميداي»، وأخرجه المغربى الشاب فى هذا الوقت «بوغالب البوريكي»، الذى كان هذا الفيلم يمثل له حلما كبيرا، وقام بالبطولة مجموعة من الفنانين المصريين منهم «نور الشريف، صفية العمرى، أمينة رزق، عبدالله غيث»، فضلا على عدة ممثلين وممثلات من إيطاليا أبرزهم الممثلة الحسناء « دانيالا سلفاريو».
في سجون اسرائيل
وقصة الفيلم تدور حول محامية أمريكية يهودية، كانت تعتقد أن إسرائيل دولة مثالية، لكنها أمام ما رأته فى تل أبيب من اضطهاد للعرب الفلسطينيين الذين هم أبناء البلاد الحقيقيون، تتغير نظرتها وتتعاطف مع الشعب الفلسطينى، ومع الأبرياء الذين يعانون العذاب والتعذيب فى سجون إسرائيل.
وشخصية المحامية الأمريكية التى دارت حولها أحداث القصة هى شخصية حقيقية واسمها «روبين كورتس»، وكان من المقرر أن تصور بعض مشاهد الفيلم فى إسرائيل، لكن الفنانين «نور الشريف وصفية العمرى وأمينة رزق» رفضوا الذهاب إلى هناك، فأقام المخرج فى صحراء المغرب ديكورات ضخمة بدت فيها الصور الكاملة للمسجد الأقصى فى القدس، وكنيسة القيامة فى بيت لحم، وبعض السجون الإسرائيلية، وتم تصوير الفيلم وسط هذه الديكورات.
وعن هذا الفيلم قال لى الفنان نور الشريف فى حوار نشر فى مجلة «الأهرام العربي» عام 2001 : إن أحد أهم وأخطر الأدوار التى مثلتها فى مشوارى الفنى كان دورى فى هذا الفيلم الذى يتناول معاناة الشعب الفلسطينى فى ظل الإحتلال الإسرائيلى.
ولقد انتهينا من التصوير فى هذا الفيلم وظلت بعض المشاهد القليلة المتبقية لبعض الممثلين المغاربة، لكن ما حدث بعد ذلك كان أغرب من الخيال، حيث اختفى النيجاتيف الخاص بالفيلم فى ظروف غامضة، وأعتقد أن الموساد الإسرائيلى كان وراء ذلك الاختفاء، رغم حرص الجميع على التعتيم على أخبار الفيلم الذى تم تصويره عام 1984، لاسيما أن مخرجه الدكتور «بوغالب البوريكي» مشهور بمواقفه وآرائه الشديدة ضد الصهيونية.
2-«عمى إسماعيل» سبب نجاح دورى «فى السكرية»
عانى نجمنا المبدع من اليتم المبكر، حيث رحل والده وعمره عام واحد فقط، لهذا كان يعتبر عمه إسماعيل هو والده الحقيقى، خاصة أنه قام بتربيته وتعليمه هو وشقيقته، وعن ظروف يتمه يقول: توفى والدى فى سن صغير وهو فى السادسة والعشرين من عمره، وكان عمرى حينذاك لا يتجاوز العام الواحد، وليلة وفاته، كما علمت فيما بعد، رأى عمى إسماعيل حلما أو مناما حيث رأى أبى ممسكا بحنو حمامتين سلمهما لعمى وقال له: إنهما أمانة حافظ عليهما.
فسر عمى هذا «المنام» على أنه وصية لا يمكن التخلى عنها، وفعلا اعتبرنى أنا وأختى أمانة قام بتربيتنا، ولم يكن عنده أبناء واضطر إلى طلاق زوجته عندما رغبت فى الاستقلال به، وأن تكون لها شقة خاصة، بعيدة عن «بيت العيلة» فى» حى الخليفة»، وشاءت الأقدار أن يتوفى اثنان من أبناء عمومتى فى سن أبى نفسه، وأصبح على عمى أن يتولى رعاية أبنائهما معنا كنا تسعة أيتام، وقام عمى إسماعيل الذى كان يعمل نجارا بدوره كأب لنا جميعا، بلا كلل وبلا ضيق أو شكوى.
ودار الزمن دورته ومرت الشهور والسنون وبدأ البيت يخلو منا، وبدأ كل واحد منا يشق طريقه ويكون أسرة خاصة به، ويسكن بعيدا عن «بيت العيلة» فكنت ألمح نظرة أسى فى عين عمى إسماعيل كأنه ينظر بداخله، ولقد استعنت بهذه النظرة وأنا أؤدى دور «كمال عبدالجواد» فى فيلم « السكرية»، فرغم أننى أثناء تمثيلى للدور كنت شابا فى العقد الثالث من عمرى، لكن كان على أن أؤدى فى نهاية الفيلم الدور بعد أن أصبح كمال كهلا، وكان من أهم مشاهد الدور لحظات صمت فيها نظرات أسى، فمن عمى استوحيت هذه النظرات الموجودة فى نهاية الفيلم.
3-توفيق الحكيم يرفض التمثيل معى بسبب عبدالوهاب
يعتبر فيلم «عصفور الشرق» سيناريو وحوار وإخراج يوسف فرانسيس، بطولة «نور الشريف، سعاد حسنى، محمد خيرى، محمد توفيق»، والذى عرض عام 1986 من التجارب المهمة والمختلفة فى مشوار نور الشريف، وفيه يقوم بدور وكيل نيابة يقرأ رواية الكاتب الكبير توفيق الحكيم «عصفور من الشرق»، ويحاول تجربة ما قام به الكاتب فى تلك الرواية، فيقرر السفر إلى باريس، والذهاب إلى نفس الأماكن التى زارها «الحكيم» فى روايته، فيكتشف أن باريس التى كتب عنها «توفيق الحكيم» فى روايته قد اختلفت كثيرا بمرور أكثر من أربعين عاما على كتابة الرواية، وهناك يقابل فتاة ويقع فى غرامها ولكنه يهجرها بعد اكتشافه أنها على علاقه بأحد زملائها، ويقرر العودة إلى مصر والتخلى عن تجسيد شخصية توفيق الحكيم فى رواية «عصفور من الشرق».

وعندما يعود الى مصر يجد نفسه يمر بنفس التجربة التى مر بها صاحب الشخصية الرئيسية فى رواية «يوميات نائب فى الأرياف»، وتتطور الأحداث حيث يتم نقله للعمل فى النيابة بعيدا عن القاهرة فى قرية من أرياف مصر ويكلف بالتحقيق فى جريمة قتل شخص يدعى «علوان» فيقابل فتاة تدعى «ريم» وهى فتاة خرساء يكتشف فى نهاية الفيلم أنها هى من قامت بقتل «علوان» عندما حاول أن يعتدى عليها، ينتهى فيلم عصفور الشرق بحفظ ملف القضية وعودة نور الشريف الى القاهرة. وعن هذا الفيلم الذى يعتبر تجربة رائدة فى السينما الروائية المصرية حيث مزج فيها المخرج بين الروائى والتسجيلى يقول الفنان الراحل: كان من المفروض أن أؤدى العديد من شخصيات أعمال توفيق الحكيم، وأن يمتزج التسجيلى مع الروائى، تنفيذا لسيناريو محدد، لكن الظروف دفعتنا إلى التخلى عن تصوراتنا، وأن نكتفى بأدائى لشخصيته، فى «عصفور الشرق»، وشخصية الشيخ عصفور»فى يوميات نائب فى الأرياف».
قبل أن أقابل توفيق الحكيم مع يوسف فرنسيس، كنت درست مسرحياته فى المعهد، وعندما أصبحت معيدا، دربت الطلبة على مسرحيتين له أحبهما كثيرا هما «بيجماليون» و»السلطان الحائر»، وذهبنا إليه فى مكتبه «بجريدة الأهرام»، وكان حديثى معه عن مسرحياته مدخلى لاكتساب صداقته، وبعد عدة زيارات له فى مكتبه دعانى لزيارته فى البيت، وهناك أهدانى « بيريه» مما أثار دهشة فرنسيس، وهذا «البيريه» هو الذى ظهرت به فى الفيلم، وأنا أضعه على رأسى، وبعد أن شرحنا له دوره وافق على الظهور فى الفيلم، وسافرنا معا إلى باريس وأمضينا وقتا سعيدا فى الطائرة ونحن فى طريقنا لباريس، واقتربت منه روحيا فى مدينة النور، وفى أول يوم تصوير، وعندما بدأت وضع اللمسات الأخيرة لمكياجى اتصل بى يوسف فرنسيس منزعجا وأخبرنى أن الحكيم يرفض التصوير، فذهبت إليه، وفيما يشبه العتاب قال لي: على آخر الزمن تريد أن تسخرا مني؟
أجبته: مستحيل يا أستاذنا ومفكرنا
قال: هل سأمثل فى نهاية حياتي؟!
أجبته: التمثيل يا أستاذنا كما علمتنا هو أن تؤدى شخصية غير شخصيتك، وأن تؤدى حوارا كتبه غيرك، بطريقة يحددها المخرج، أما فى حالتنا فأنت تؤدى شخصيتك بحوارك، وبالطريقة التى تريدها، نحن نكرمك يا أستاذى فى هذا الفيلم الذى يجمع بين التسجيلى والروائى، استمر الحوار بيننا على هذا النحو، وكان يجيب بذكاء على أسئلتى بأسئلة وضاءة، إلى أن أقتنع أخيرا.
وفى المساء وعلى مائدة العشاء، سألناه عن سر رفضه الاشتراك معنا فى الفيلم، فقال إنه استيقظ فى الصباح على تليفون من الموسيقار محمد عبدالوهاب وسأله: هل ستمثل يا أستاذ توفيق صحيح مع نور الشريف، فأجابه بأنه ليس تمثيلا ولكنها تجربة فنية مختلفة عن السينما السائدة، فقال له: يا توفيق بك سيادتك رمز من رموز الثقافة العربية ويجب أن تحترس فالنتيجة لن تكون فى مصلحتك!، وأضاف « الخوف يكونوا بيضحكوا عليك، ويطلعوك بمظهر غير لائق !»
ويواصل الشريف كلامه قائلا: بعد هذه المكالمة أنزعج الحكيم وثار، لكننى نجحت فى تهدئته وجعلته يبدأ التصوير، حتى نهايته.
4- سر المشهد الذى أعاده 11 مرة
رواية «السراب» لنجيب محفوظ من الأعمال الأدبية التى تحولت إلى فيلم سينمائى عام 1970، سيناريو وحوار على الزرقانى، وبطولة نور الشريف، ماجدة،عقيلة راتب، تحية كاريوكا، ورشدى أباظة.
وهذه الرواية قال عنها نجيب محفوظ: إنها رواية نفسية تربوية، وهى نوع نادر فى كتاباتى يعانى فيها البطل من مشاكل نفسية نتيجة تعلق الأم به بشكل مبالغ فيه نتيجة فقدها لابنين استردهما طليقها، هذه الاضطرابات النفسية تضع البطل فى مشاكل لا حصر لها، وفى هذا الفيلم قدم نور الشريف واحدا من أهم أفلام البدايات، حيث قام بشخصية الإبن الخجول « كامل» الذى يتزوج من رباب (ماجدة) التى تكتشف بعد الزواج أنه عاجز جنسيًا، فيلجأ للدكتور أمين من أجل علاجه، ويتضح للطبيب أن كامل شاب خجول ومنطو يعيش مع أمه بعد أن انفصلت عن والده، لهذا يلتصق بها التصاقًا كاملًا ويرتبط الجنس بنمط معين لا يستطيع الخروج عنه رغم محاولاته الدائمة، ويتعرف الدكتور أمين على رباب ويطلب منها أن تساعده فى علاج زوجها، وتدور باقى الأحداث.

ورغم أنه أثناء تصويرهذا الفيلم كان فى بداية المشوار إلا أنه اختلف مع مخرجه أنور الشناوى، حول مشهد مواجهة «كامل» لأمه التى تجسد شخصيتها عقيلة راتب، حيث كان يريد أن تكون العاصفة مكتومة بداخله، تتبدى بنظراته ولا تنطلق بارتفاع الصوت، فالأم فى الرواية مهيمنة تماما على إبنها، وبالتالى من الصعب أن يواجهها بصوته المرتفع، لكن أنور الشناوى أصر على الصوت الهادر، ورغم عدم اقتناعى بالأسلوب المفروض علىّ - يقول نور الشريف - لكنى التزمت بتوجيهات المخرج بحكم أنه المسؤول عن العمل بعناصره المتعددة، لكننا اضطررنا إلى إعادة المشهد 11 مرة لأن صوتى كان أحيانا يحتبس بداخلى، ومرة لأننى أتلعثم فى الحوار، وثالثة لأننى لا أستطيع أن أرفع صوتى، وهكذا حتى استطعت فى المرة الـثانية عشرة تقديمه بشكل يرضى الشناوي!
5- شقيق مسئول كبير يلهمه تفاصيل شخصيته فى « العار»
كان الفنان الراحل – رحمه الله - يملك أجندة خاصة أو كراسة يسجل فيها النماذج التى يلتقيها فى الواقع، وكراسة أخرى حول شخصيات أدبية معجب بها أو يتمنى تجسيدها أو تحليلها أو معحب على الأقل ببنائها وحوارها، فضلا على الحركة الداخلية النفسانية والانفعالية لأبطال هذه الأعمال، خاصة شخصيات الكاتبين العظيمين «ديستوفيسكى - وليم شكسبير» على المستوى العالمى، ويوسف إدريس، ونجيب محفوظ على المستوى المحلى، وكان فى تقديره أن شكسبير، وديستو فيسكى من أكبر خبراء علم النفس.

وكانت كراسات الشخصيات التى يلتقيها فى الواقع الأكثر فائدة له، فيذكر فى حوار قديم له مع الناقد السينمائى الكبير «كمال رمزي» فى إحدى المجلات اللبنانية: أحيانا تكون ملاحظاتى فى هذه الكراسة مدخلى لإحدى الشخصيات التى أمثلها، معتمدا على ما رصدته من تصرفات شخصية قابلتها فى الواقع، ففى فيلم « العار» شعرت بعد ثلاثة أيام من التصوير بأننى لم أستوعب شخصية «كمال» التى أؤديها، ولم أقبض على زمامها، وبالتالى لم أترجمها إلى تفصيلات مقنعة تجعلها من دم ولحم، فعدت إلى كراساتى، ووجدت ضالتى فى ذلك الرجل الذى راقبته، فى ملهى ليلى بالإسكندرية، ولفت نظرى بحركتين لم يتوقف عن الاتيان بهما، الأولى كان يمد رقبته للأمام كما لو أنه يريد أن يتخلص من طوق حول رقبته، الثانية يرفع رسغيه لأعلى قليلا كما لو أنه يخشى اقتراب يديه من أطباق الطعام الفاخر فوق المنضدة.

وسألت عنه صاحب الملهى الذى أجابني: « إنه شقيق مسؤول كبير، يحب راقصة الملهى، ومنحها مصنعا للمكرونة، لعلها ترضى عنه، إلا أنها أصرت على أن يستبدل «جلبابه البلدي» ببدلة عصرية، فرضخ لطلبها وارتدى البدلة، ولأنه لم يتعود على القميص المقفل الأزرار وربطة العنق، فإنه يحس بالاختناق، وبالتالى يمد رقبته للأمام بين لحظة وأخرى، ولأن الجلباب عادة ما يكون متسع الأكمام، فمن الطبيعى أن يرفع الرجل يديه لأعلى كى لا ينغمس طرف الكم فى طبق الأكل، وظلت هاتان الحركتان ملازمتين للرجل حتى بعد أن ارتدى البدلة.

ولأن وضعى فى فيلم « العار» يتشابه من بعض الوجوه مع وضع هذا الرجل، فقررت أن تكون هاتان الحركتان ملازمتين لى، وكان حسن الحظ حليفى، فعندما ذهبت إلى الاستديو فى اليوم الرابع، وجدت المخرج على عبدالخالق، والمصور سعيد شيمى، وكاتب السيناريو محمود أبوزيد فى حالة حزن ممتزج بالأسى، ذلك لأن ما انجزناه من مشاهد الأيام الثلاثة الأولى احترق فى المعمل، عندئذ أحسست بسعادة غامرة، وبدأنا من جديد، وتعمدت منذ البداية أن تكون هاتان الحركتان ملازمتين لى، وقد حققت شخصية «كمال» نجاحا مبهرا لأن التفاصيل الصغيرة لها فعل السحر على المشاهدين.