من هذه النقطة يبدأ الشريف فى صياغة الأبعاد النفسية ، الاجتماعية ، المادية ، ليدخل بعد ذلك فى المرحلة الثانية بمعايشة الشخصية داخليا ليتمكن من ظهورها بشكل مقنع خارجيا لتكون فى النهاية بصمته ، التى توحى أننا أمام فنان تشكيلى يرسم شخصيته وسط عالم جديد ، لتطبع تلك البصمة بقوة نظرا لتملكه أدواته ليس كممثل فقط ، بل وكمثقف . من هذا السياق تقفز إلى الأذهان شخصية كمال فى فيلم « العار» فرغم تمكنه من أداء شخصية تاجر المخدرات ببراعة ، وإقناع المشاهد بها وتصديقه لها نتيجة إبرازه المتميز للأبعاد الثلاثة السابقة، إلا أن نور الشريف إستطاع أن يدخل بعض التفاصيل كلازمات فى الأداء أشهرها حركة الرقبة بالجنب أثناء الاندماج بالحديث ، وتمكن من توصيل فلسفة الشخصية بسهولة ويسر للمتفرج لدرجة جعلت الأجيال الحديثة ترددها بجملة «حقها ولا مش حقها» فيرد محمود عبد العزيز «حقها يا أبو كمال يا أخويا « .. تحدث عن الحق رغم أنه من تجارة مخدرات ، لكن هذه الكلمة توضح أن فلسفة الشخصية هى الأمانة والوضوح وشهامة أولاد البلد فى تعامله مع الآخرين سواء أحياء أو أموات.
تبرز هذه الكلمة عبقرية الشريف فى إحداث كوميديا سوداء قوية رغم اتشاح وجهه بالحزن على فراق حبيبته غرقا أثناء جلب المخدرات ، ومزج هذه المسحة بالقوة والتماسك لضرورة إنجاز المهمة ، لتأتى الكوميديا من مفاجأة الجمهور بقوله للكلمة السابقة فيضحك لأنها تعبر عن الأمانة فى حين أن الفعل مناقض لها لنجد أنفسنا أمام كوميديا موقف شديدة الحرفية فى كتابة محمود أبوزيد للسيناريو وأبرزها مع نور ، ومحمود عبد العزيز.
إذا كان زكى رستم صاحب الألف وجه ، فإن نور الشريف تلون بوجوه كثيرة ولكنه ظل فى منطقة المتناقضات من تجسيد أدوار .. الجاسوس ، والضابط ، تاجر المخدرات ، الفتوة ، ابن الذوات ، الشهم، المدلل ، المناضل الثورى ، والثورى المتأمل.