رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حملات أردوغان ضد داعش.. هل تؤثر على نتائج الإنتخابات المبكرة؟

أنقرة ــ سيد عبد المجيد
جاءت قراءته للمارثون التشريعى الذى جرى فى السابع من يونيه الفائت سريعة وقاطعة فى آن ، بيد أنه توصل ــ وفق ما اعتقده ــ لسبب إخفاقه المدوي ، وهو أنه لم يغازل بالقدر الكافى القوميين المتشددين من أبناء وطنه ،

‎ متصورا ان مشروعه للسلام ومفاوضاته السرية مع منظمة حزب العمال الكردستانى وزعيمها عبد الله أوجلان المسجون مدى الحياة فى جزيرة إيمرالى ببحر مرمرة غرب إسطنبول ، سحب الكثير من مؤيديه الذين تحولوا واعطوا اصواتهم لحزب الحركة القومية اليمينى المتطرف بزعامة دولت بهتشلى ، وبالفعل عقد الرئيس التركى رجب طيب اردوغان العزم مدعوما ‎بجماعات ، منها ما هو دينى ، رهنت مستقبلها بوجودة فى سدة الحكم دون شريك ، على ضرورة إستمالتهم بأى ثمن  إستعدادا للانتخابات المبكرة التى اتخذ قرار بشانها بعد ساعات تعد على اصابع اليد الواحدة من إعلان النتائج المخيبة لآماله. 

‎ولم يطل به الانتظار كثيرا، فمع ظهيرة الاثنين الموافق العشرين من يوليو الماضى ، أهتزت بلدة سورتش الواقعة فى فضاء شانلى اورفا جنوب شرق الاناضول ، من جراء بتفجير انتحارى صناعة محلية ، أودى بحياة 34 شخصا إضافة إلى عشرات الجرحى ، ورغم أن الحادث تكفيرى بالاساس والدليل أنه استهدف نشطاء اكراد كانوا يتباحثون مع أقران لهم جاءوا من الشمال السورى المتاخم لهم لتعمير مدينة كوبانى أو عين العرب بعد إستعادتها من براثن الداعشيين ، إلا أن دولة اردوغان دقت  طبول الحرب ظاهرها داعشى وباطنها وئد السلام إلى الأبد مع الاثنية الكردية الأكبر فى عموم ‎البلاد ، أو على الاقل لحين استغلال مشاعر الناس وحتى يدلون باصواتهم من جديد فى إستحقاق برلمانى ينتظر له شهر نوفمبر القادم، وليظفر العدالة بالأغلبية الكاسحة  ليدشن  رئاسة بطعم  الامبراطورية يكون فيها الرئيس ، السيد الأمر الناهى بعدها يمكن النظر مجددا فى ذلك الاشكال الكردى المزمن. 

‎لكن يبدو أن أزير المقاتلات وقصفها لما يعتقد أنه معسكرات ومخابئ للمتمردين، لن يحقق السيناريو الذى اعده صاحب القصر الابيض فى العاصمة أنقرة ، وهذا ليس تخمينا ، بل ينطلق من وقائع معاشة ، يرددها القاصى والدانى وهذا تطور لافت يشير إلى تغير وحتى وان بدا ضئيلا فى صفوف جماهير كانت حتى وقت قريب عازفة عن الاهتمام بالشأن العام ، إضافة إلى قطاعات إعلامية نافذة ، فرغم ما يفرض حولها من قيود ، إلا أنها تدلى برأيها يوميا حول ما يحدث فى بلادها والذى لا ينبأ بأى خير  بل بتداعيات مخيفة ، المجتمع بكل أطيافه سيخسر فيها غير أن خسارة صانع القرار قد تكون ‎فادحة والأخطر أنه لن يعترف بذلك وتلك كارثة فى حد ذاتها بعد الأسلمة الممنهجة والتى تغلغلت فى معظم مفاصل الجمهورية ، ويكفى ما تشهده عاصمة الامبراطورية العثمانية بين الحين والآخر وعقب صلاة الجمعة ، من مظاهرات تكفر الديمقراطية وتدعو إلى عودة الخلافة دون ان يعترضها الأمن .

‎ومن ثم لن يكون مبالغا القول بأن المشهد الديمقراطى التركى بثوبه الاردوغانى يدعو للرثاء ، من فرط وقائع التضييق التى تمارس ضد مناوئى ليس للحزب الحاكم فحسب بل لزعيمه الذى لا يوجد فى قاموسه مصطلح " النقد "  والأمثلة لا حصر لها ، ولعل آخرها ما حدث لصحيفة جمهوريت المعروفة ، والتى لم تفعل شيئا سوى أنها قامت بعملها المهنى لا أكثر ولا أقل، وارسلت محرريها إلى قصر العدل الكبير فى إسطنبول لمتابعة  حادث إختطاف أحد القضاة وهو سليم كيراز والذى وقع فى مارس العام الحالى ، وفى صباح اليوم التالى نشرت على صفحاتها تغطية خبرية مدعومة بالصور كل هذا يبدو ‎طبيعيا فى بلد يبغى الانضمام إلى الاتحاد الاوروبى وتتشدق حكومته ليلا نهارا بحرية التعبير  إلا أن الواقع كان هو النقيض تماما فعلى عجل أعد الادعاء العام مذكرة قضائية ب الصحيفة لانها خالفت التعليمات ، أى تعليمات لا احد يدرى ، المهم ارسل باستدعاء المسئول عن الجريدة لإستجوابه فيما نسب إليه من تهم إثارة الفتنة والفرقة بين ابناء الوطن الواحد  ، والخميس المنصرم  خلصت النيابة من تحقيقاتها التى استمرت ما يزيد على الاربعة الاشهر مطالبة بسجن 18 صحفيا لمدة سبع سنوات ونصف السنة، لانهم قدموا دعاية مجانية للارهابيين لكن ما لم تقوله تلك التحقيقات أن ما اعتبروا مذنبين على قائمة المغضوب عليهم لانتقاداتهم المستمرة لاردوغان وسعيه المحموم للنظام الرئاسى السلطوي.

‎وهنا تبدو المفارقة المذهلة، ففى تسعينيات القرن المنصرم ، لم تكن هناك مقارنة بين  الديقراطية فى تركيا ، وكردستان العراق لسبب بسيط أنها لم تكن موجودة اصلا فى الأخيرة التى تدار من خلال ثيوقراطية أبوية عائلية ، وهكذا كان البون شاسعا بينهما ، الأن يبدو الأمر شديد التباين ، فالجدل يزداد حدة شيئا فشيئا فى اربيل عاصمة الاقليم الكردستانى الملاصق للانضول أثنيا وجغرافيا ، حول ماهية النظام السياسى المفترض أن يكون فى هذا الجزء العراقى الذى يتمتع بالحكم الذاتى الواسع ، رافضا تمركز السلطة فى يد مسعود البرازنى وسط مطالب باقرار النظام ‎البرلمانى بديلا عن الحالى ، وهو عكس ما يسعى إليه سلطويو الجارة الاناضولية العتيدة.

‎لكن هذا ليس سلاح المعارضة الوحيد ، لاطلاع الداخل قبل الخارج على ماوصلت اليه تركيا التى كان ينظر لها على أنها النموذج المضئ الذى يجب أن يحتذى فهناك الفساد الذى يبدو أن فصوله مستمرة وباصرار ، والصحف المناوئة مصرة هى الاخرى بكشف مظاهره وصوره منها وقبل ايام تندرت صحيفة  " سوزجو "  علي  وزير الاقتصاد نهاد زيبكتشى ، الذى كان يفتخر أنه ينحدر من عائلة فقيرة يلبس سروالًا ممزقا وبعد أن أصبح وزيرا  اشترى قصرًا بقيمة 11 مليون ليرة تركية (نحو 4 ملايين دولار) فى منطقة ساريير أرقى أحياء إسطنبول. وما يزيد من صعوبة تنفيذ المخطط الاردوغانى المخاوف المتنامية لدى عموم المواطنين من تزايد مخاطر العنف مادامت  العمليات العسكرية مستمرة خاصة مع هشاشة الوضع الامنى .

يبقى السؤال فى ضوء التعقيد الحاصل ، هل يتخيل اردوغان ودوقته أنه يمكن أن إستعادة الأغلبية المطلقة على اصوات طبول الحرب ؟ هذا ما سوف تجيب عنه الانتخابات المبكرة ، التى ستكون نتائجها بمثابة الفصل الثالث والاخير فى المسيرة التراجيدية للعدالة والتنمية بعد فصلى التقهقر بالسابع من يونيو والتفجير الانتحارى فى العشرين من يوليو.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق