عندما أقترب موعد افتتاح قناة السويس الأولي في عام 1869 قرر الخديو اسماعيل أن يقيم دار أوبرا عالمية في مصر تقدم عليها أرقي فنون التمثيل والغناء حتي تكتمل عناصر التمدن والحضارة ويرتقي الذوق العام ومنذ هذا التاريخ ومصر قبلة لحركة التجارة العالمية المارة من قناة السويس وأيضا قبلة لعشاق الفنون والآداب بأنواعها فهي هوليوود الشرق وبيت العرب ومنها جاء أمير الشعراء وعميد الأدب العربي وسيدة الغناء العربي واليها انتقل مشعل المسرح من سوريا ولبنان ليصنع في مصر تاريخا عظيما من الفكر والثقافة والمتعة والتنوير بل والثورة علي كل الأوضاع السياسية والاجتماعية الخاطئة .
المسرح المصري الذي تعود اليه لافتة كامل العدد في عروض القطاعين العام والخاص بعد سنوات عجاف طويلة هو أكبر دليل علي عودة الروح للانسان المصري الذي يستعد لنقله تاريخية جديدة مع إفتتاح قناة السويس الثانية ولعله من المدهش أن عرض أوبرا عايدة الذي كان من المفترض أن تفتتح به قناة السويس الأولي هو عرض يتحدث عن شهامة وتضحية قائد الجيش المصري راداميس من أجل محبوبته عايدة ورفضه البطش بالضعفاء تنفيذا لأوامر الفرعون الطاغية ملك مصر وقتها وهو العرض الذي ألفه الأديب والعالم الفرنسي ميريت المولع بالتاريخ والحضارة المصرية ولحنه الموسيقار الايطالي فيردي ويتناول ميريت في عمله الأوبرالي عقيدة المقاتل والقائد العسكري المصري الذي يرفض الامتثال للأوامر الظالمة ويأبي أن يقهر الضعفاء ويحمل في داخله مشاعر انسانية نبيلة تجعله يضحي بحياته من أجل حبه ومبادئه - وللأسف عرض اوبرا عايدة لم يكن قد اكتمل عند افتتاح قناة السويس الأولي فقرر فيردي صاحب الأوبرات العديدة أن يختار اوبرا بديلة هي ريجوليتو من ألحانه أيضا لتعرض في الافتتاح وهي مأخوذة عن قصة للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو بعنوان «الملك لمبو» الأكثر اثارة للدهشة أن مقطوعة مارش انتصار الجيش المصري في اوبرا عايدة قد تحولت إلي السلام الوطني المصري وظلت علي ذلك الحال فترة طويلة قبل تغييرها بمقطوعة مصرية في عام 1960 ثم اخيرا الاستعانة بنشيد بلادي بلادي لفنان الشعب سيد درويش.. ان ميريت مؤلف اوبرا عايدة الذي لم يكن مصريا اختار أن يضع صفات الشهامة والتضحية ونكران الذات مع رقة المشاعر في شخصية القائد العسكري المصري راداميس وكأنه كان يتنبأ بما يجري الآن علي أرض الواقع حيث يقوم المقاتل المصري الشجاع بدور فريد في بناء وحماية وتأمين قناة السويس الجديدة ويكتب بعرقة ودمه ملحمة تحتاج ربما الي عشرات الأعمال الفنية لتسجيل تلك اللحظات الخالدة ..
رابط دائم: