فى هذا الاطار يؤكد العميد متقاعد مهندس نجيب محمود نصر أن الألغام من الأسلحة الفتاكة التى لها تأثير طويل الأمد على الشعوب حتى بعد انتهاء الحرب بعقود طويلة، تهدد وتشوه وتقتل بطريقة عشوائية حتى بعد انتهاء الأعمال العدائية بمدة طويلة، وتعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية فى المرحلة اللاحقة للنـزاعات، وإنها لحقيقة مُفجعة أن يجدَ العسكريون والمدنيون أنفسهم فى كثير من الأحيان فى خضم فظائع النزاعات، إلا أنه من غير المقبول بكل بساطة إزهاق أرواح مدنيين أبرياء بعد توقف القتال وبعد انتهاء الحروب بفترة طويلة بسبب أسلحة غادرة فتّاكة، لم تعد تخدم أى غرض عسكرى.
وأخطر ما فى أزمة الألغام أن زرعها سهل وسريع ورخيص (زرع اللغم يتكلف 3 ـــــ 30 دولارا)؛ أما تطهيرها على النقيض من ذلك صعب وخطر ومكلف جداً ( 300 ــــ 1000 دولار) أى إجمالاً( ملايين ــــــ بل مليارات الدولارات).
فى هذا الشأن يشير العميد نجيب إلى أن الإحصائيات المتوافرة من هيئة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وبعض المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية تؤكد أن: هناك حوالى 110 ملايين لغم أكثرها مدفون فى الأرض فى دول العالم المختلفة ( أكثر من 70 دولة)، وهناك لغم ينفجر كل عشرين دقيقة على سطح الأرض، وأكثر من 20 ألف نسمة ثلثهم من الأطفال تُجرح أو تُشوه أو تُقتل بسبب هذه الألغام سنوياً، والأمر الخطير فى ذلك أن الكثير من حقول الألغام لا يوجد له خرائط توضح أماكنها، وتساعد الباحثين والقائمين فى عمليات التطهير فى الوصول إليها، وتحديد أماكنها للتخلص منها.
ولعل أعقد جانب فى مشكلة الألغام الأرضية هو أنه لا توجد أساليب مُحددة للكشف عنها وتطهير الأراضى منها، بل إن لكل منطقة ونوع من الألغام أسلوبا أمثل للتعامل معها، لذلك يأتى اختيار التقنية المناسبة لمستشعرات البحث بناء على نوع اللغم ونوعية الأرض والمدة التى انقضت على دفن الألغام وكثافة البث ومساحة الحقل المراد تطهيره، لذا يُفضل الخبراء العسكريون دائماً المزج بين أكثر من وسيلة وتقنية عند البدء فى مهام التخلص من الألغام.
وتتطور الألغام وفى المقابل يتم تطوير معدات وأجهزة اكتشافها وأساليب التخلص منها، ولكن لا تزال لعبة القط والفأر مستمرة بين اللغم وأسلوب التغلب عليه، وحتى فى مرحلة التوازن فإنها تكون فى صالح اللغم .
إن عملية إزالة الألغام تتطلب استثمارات مالية أعلى بكثير من موازنات نثرها أو زرعها، كما تتطلب تطوير تقنيات اكتشاف وكنس وكسح وتطهير جديدة للألغام على الدوام، وابتكار طرق ووسائل جديدة للتخلص منها.
وما زالت الألغام الأرضية تحصد العديد من الضحايا الجدد كل يوم، ومع الاعتراف بأنه ليس من الممكن أن نعرف بيقين قاطع، إلا أنه من المحتمل الآن أن عدد الضحايا الجدد للألغام الأرضية والقذائف غير المنفجرة يتراوح ما بين 15000 – 20000 شخص سنوياً، ويشكل المدنيون أكثر من 80 فى المائة من هؤلاء وأكثر من الخمس أطفال.
وأصبح العالم يعانى من استمرار المآسى المختلفة عن مشكلة الألغام الأرضية، والتى استخدمت بكثافة إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما بعدهما من حروب حتى الآن، فمازال إنتاج الألغام يمثل تحدياً للإنسانية بوصفها أداة عمياء ، وعدوا خفيا ينشر الرعب فى زمن الحرب والسلم على السواء.
ويمثل الخطر الناتج عن وجود 110 ملايين لغم تقريباً منتشرة فى أكثر من 70 دولة من العالم تحديا إنسانيا يهدر الأرواح ويخلف وراءه المعاقين الذين يدفعون ثمناً غالياً نتيجة فقدهم لأعضائهم أو حواسهم من جراء الألغام وهؤلاء يمثلون حوالى 125 مليون معاق من اجمالى المعاقين فى العالم.
وقد حرمت الألغام الأرضية مساحات واسعة من الأراضى والموارد من أن تكون مناطق للإنتاج فى الدول التى تعانى من وجودها على أراضيها .
وقد طفت على السطح فى السنوات الأخيرة مشكلة مكافحة الألغام الأرضية المضادة للأفراد المنتشرة فى كثير من دول العالم ، وخاصة العالم الثالث.
ويعود هذا الاهتمام المتزايد بهذه المشكلة إلى أن الألغام تُعتبر عائقاً خطيراً ضد برامج التطوير والتنمية فى الدول الفقيرة التى تنتشر بها، كما أنها تمثل سلاح رعب ضد السكان المدنيين.
واستناداً إلى المعلومات التى تم تجميعها من تقارير مرصد الألغام الأرضية فمن الواضح أنه:
ما زالت الألغام الأرضية تشكل تهديداً مهماً، ودائماً وبدون أى تمييز.
يشكل المدنيون الغالبية العظمى من الضحايا الجدد للألغام الأرضية ( ربعهم على الأقل من الأطفال).
إن الألغام تترك آثاراً فادحة وطويلة المدى على السكان والبيئة وذلك بسبب طبيعتها غير التمييزية.