هكذا يقول الناقد الكبير علي أبو شادي، ملخصا بكلماته تلك آلاف الصفحات التى يمكن أن تحكي في أثر ثورة يوليو على السينما في ظل جحود بعض أهلها.
والواقع أن تلك الثورة الطامحة نحو التحرر من أغلال الاستعمار والملك انحازت منذ انطلاق شرارتها الأولى لحرية الابداع بوجه عام، والسينما على وجه الخصوص، بعدما أصدرت قانونا جديدا أشرف على إعداده شيخ القانونيين المصريين «الدكتور عبدالرازق السنهورى» ليتواصل دعم رجال يوليو للسينما والفنون، كما أنه فى عام 1957 صدر قرار إنشاء أول مؤسسة عامة للسينما «مؤسسة دعم السينما» التى تحولت عام 1958 إلى «المؤسسة المصرية العامة للسينما»، وكان هذا القرار يعنى تدخل الدولة رسميا فى تلك الصناعة الحيوية، وإن ظل هذا التدخل محكوماً فى مراحله الأولى بالرعاية والدعم والإقراض والتمويل، إلا أنه تزامن ذلك مع تزايد الاشتراك فى المهرجانات الدولية وإقامة المسابقات المحلية، وإنشاء أربعة معاهد فنية للسينما والباليه والفنون المسرحية والموسيقى كنواة لأكاديمية للفنون - بمساندة ودعم من عبدالناصر شخصيا ـ استجابة لمقترحات د. ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك، ووفقاً لما ذكره عكاشة فى مذكراته ـ لأن الرئيس كان يدرك أن إنشاء المعاهد الفنية ليس ترفاً، وأنه بهذا القرار يضع اللبنة الأساسية لمستقبل الفن، وثقافة المستقبل.
صحيح أن قرارات التأميم التى صدرت فى بداية الستينيات، على بعض المنشآت السينمائية من استوديوهات أو دور عرض، أحدثت اضطرابات في أحوال السينما بسبب القرار غير المدروس بعناية، وأدّى ذلك بالمؤسسة فى ثوبها الجديد، وشركاتها المتعددة، إلى ممارسة الإنتاج والتوزيع وإدارة دور العرض بنفسها، لكن كان من نتاج هذه التجربة التي استمرت تسع سنوات (1963-1971) وعُرفت باسم «سينما القطاع العام» 159 فيلما. تضم أفضل مائة فيلم مصرى خلال مائة عام من السينما.
ونحن نحتفل بالذكرى الـ 63 لثورة يوليو المجيدة، يجدر بنا القول إن السينما لم تمنح بركتها بعد للثورة، أو تعلن اعترافها بها إلا من خلال عدد قليل جداً من الأفلام التى يطلق عليها «الأفلام الوطنية» وظل صناعها يعزفون النغمات الرخيصة التى برعوا فى عزفها سابقاً، ناهيك عن كون السينما ظلت لاهية تمارس دورها فى تغييب الواقع وتزييف الوعى، وإن نجح بعض المخرجين المبدعين فى اكتساب هامش صغير يتحركون من خلاله في محاولة التعبير عن الواقع المعاصر بصدق وموضوعية، ملاحقين إنجازات الثورة على الصعيد الاجتماعى، ومواكبين للأحداث والمتغيرات الاقتصادية والتطورات عميقة الأثر فى بنية المجتمع المصرى، وربما آمن بعضهم ببصيرة متقدة بالثورة، ليقدموا تحليلاً واعياً لظروف مصر فيما قبل 23 يوليو 1952، التى كانت الثورة نتاجا حتميا لها، ولنضال القوى الوطنية الأخرى، مثل أفلام «درب المهابيل - صراع الأبطال - الوحش - أنا حرة - الفتوة - باب الحديد- صراع فى الوادى» وغيرها من الأفلام الاجتماعية والغنائية التي رصدت أحوال الشعب المصري، لكنها تظل شحيحة مقارنة بعطاء ثورة يوليو الوافر للفن السابع في مصر.