رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

محاكمة حبرى..اختبار للعدالة فى إفريقيا

إيمـــان عــارف
فى حدث نادر ومهم خطت القارة الافريقية خطوة جديدة للأمام فى مسيرتها الطويلة نحو العدالة والسيادة القضائية، وذلك مع بدء محاكمة الرئيس التشادى السابق حسين حبرى

 على الاتهامات الموجهه اليه بارتكابه جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وجرائم تعذيب خلال الفترة التى حكم فيها بلاده من عام 1982 حتى عام 1990، فى خطوة انتظرها الجميع 25 عاما لتتحقق ويتمكن المواطنون فى تشاد وليس ضحايا حبرى فقط من طى صفحة رهيبة من تاريخ بلادهم.


وهنا يشير المراقبون والمتابعون لهذه القضية التى استغرقت ربع قرن حتى تكتمل أركانها وأوراقها، أن الطريق اليها لم يكن سهلا بل كان مليئا بالعقبات الاجرائية والقضائية بدءا من جمع الأدلة التى قيل أنه جرى التخلص من معظمها قبل هروب حبرى من العاصمة التشادية نجامينا وتوجهه الى السنغال التى أقام فيها منذ ذلك الوقت وحتى الأن، وحتى جمع الشهادات من الضحايا الأحياء الذين نجوا من عمليات التعذيب الوحشية ويقدر عددهم بالالاف، مرورا بخطوات رفع الدعوى التى تعثرت كثيرا ولم تدخل نطاق الجدية الا عام 2005، عندما اضطر الضحايا لرفع دعوى قضائية فى بلجيكا التى تطبق مبدأ الولاية القضائية الدولية، وبعد مشاورات ومناقشات مع الاتحاد الافريقى، طلب الاخير من السنغال محاكمة حبرى بالنيابة عن القارة، حيث استجابت الحكومة السنغالية واوقفته منذ عامين ثم أدخلت لاحقا تعديلات على قوانينها تسمح بمقتضاها بمحاكمة الأجانب على جرائم أرتكبت خارج أراضيها فى الوقت الذى سمحت فيه تشاد لقضاة المحكمة التحقيق داخل أراضيها، ليرسى الاتحاد الافريقى بذلك مبدأ قانونيا جديدا ويتخذ خطوة تاريخية غير مسبوقة على مستوى القارة بل والعالم حيث تحاكم دولة رئيس سابق لدولة أخرى بسبب اتهامات بانتهاك حقوق الانسان. وتتشكل فى سبيل ذلك محكمة خاصة تضم قضاة سنغاليين وافارقة ويرأسها قاض من بوركينا فاسو. حيث يتوقع أن تستمر المحاكمة لثلاثة أشهر نظرا لأن أوراقها تضم شهادات أكثر من أربعة ألاف ضحية يحملون صفة المدعين كما سيتم الاستماع لأكثر من مائة شاهد، وفى حالة ادانة حبرى ستبدأ مرحلة جديدة ينظر فيها الى مطالب المدعين الخاصة بالتعويضات. وبهذا تكون هذه المحاكمة خاتمة مؤسفة لمسيرة حبرى -72 عاما- التى بدت واعدة، حيث تولى فى شبابه بعض المناصب العليا فى الادارة المحلية قبل أن ينتقل لفرنسا عام 1963 ليتابع تعليمه فيدرس الحقوق فى باريس ثم يلتحق بمعهد العلوم السياسية، ويعود بعد ذلك لبلاده عام 1971 وينضم لجبهة التحرير الوطنى التى تولى قيادتها، ليصبح بعد ذلك بثلاثة أعوام اسما معروفا فى الخارج بعد قيامه باحتجاز رهائن مما أجبر فرنسا لاحقا على التفاوض مع الجبهة الوطنية. وقد أصبح حبرى فيما بعد رئيسا للحكومة ثم وزيرا للدفاع ثم ترأس حكومة الوحدة الوطنية التى تشكلت عام 1979. وخلال تلك الفترة عرف بمعارضته الشديدة لنظام القذافى واختلف مع الرئيس التشادى آنذاك “جوكونى عويدى” الموالى للقذافى، لتبدأ منذ ذلك الحين حربا أهلية حسمت بدخوله العاصمة نجامينا منتصرا عام 1982 ليحكم البلاد لمدة ثمان سنوات بقبضة من حديد، وتبدأ مرحلة من مطاردة وتعذيب المعارضين الفعليين أو المحتملين، حتى أن البعض أطلق عليه لقب “بينوشيه” افريقيا بسبب الفظائع التى ارتكبت خلال فترة حكمه التى تلقى خلالها دعما كبيرا من الولايات المتحدة وفرنسا بسبب عدائه للقذافى، وهى الفترة التى انتهت بفراره من تشاد عام 1990، بعد سيطرة قوات الرئيس الحالى ادريس ديبى، واستقراره فى السنغال منذ ذلك الحين ليعيش حياة هادئة فى أحد أحياء العاصمة دكار.


ومع أن حبرى وفريق الدفاع الخاص به أعلن مرارا أنه لا يعترف بهذه المحاكمة ولن يتعاون معها بعد وصفه لها بأنها محاكمة سياسية منكرا معرفته بأى جرائم أو انتهاكات وقعت، الا ان ذلك لا ينفى حقيقة أن المحاكمة تشكل حدثا فى حد ذاتها وبغض النظر عن المتوقع منها لعدة أسباب، أولها أنها تعد نقطة تحول تظهر للجميع قدرة القارة على محاكمة رؤسائهم بدلا من الاعتماد على المحكمة الجناية الدولية التى تزايدت انتقادات الاتحاد الافريقى لها بأنها لا تستهدف سوى القادة الافارقة، كما انها تعد تأكيدا على بداية صفحة جديدة من تاريخ القارة تتيح لها ادارة مثل هذه القضايا بنفسها وعلى أرضيها، فضلا عن أنها انذار لأى حاكم بان حصانة المنصب لن تدوم للأبد، وأخيرا وهذا هو الأهم أنها ستتيح للأجيال الجديدة الشابة فى تشاد التى لم تعش هذه المرحلة من تاريخ بلادها أن تعرف الحقيقة وتستخلص الدروس حتى لا يتكرر ما حدث مرة أخرى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق