إذا علمنا أن أعمارهم بالكاد تتعدى العشرين، آلاف فى عمر الزهور، تجدهم فى الشوارع يفترشون أرصفتها ينحشرون فى أركانها وأزقتها هائمين على وجوههم فريسة لكل الموبقات والأمراض الجسدية والنفسية والاجتماعية.
وطبيعى ان تستنفر تلك الظواهر المرعبة شخصيات ومنظمات مدنية آلت على نفسها أن تحاول التصدى كل على حسب قدراته وامكاناته المادية، وهكذا أنشئت دور رعاية خيرية وبالطبع لا يجب أن يأخذنا التفاؤل فى القضاء على هذه الظواهر الشاذة، بل تسعى قدر إمكانها لاحتواء ما تستطيع إحتواءه لحماية هؤلاء المشردين ووقاية المجتمع من شرور قد يقومون بها لحساب مافيا وتجار وأدعياء دين وما أكثرهم.
وكان المفترض أن تنال الاحترام والتقدير والمساندة مشكورة لمساهماتها فى رفع العبء عن كاهل الدولة، لكن يبدو أن الأمور لا تسير فى هذا الاتجاه، وأحيانا يكون العكس هو الحاصل، فإحدى الجمعيات باتت ــ ولاتزال ــ تجد صعوبات شديدة تعرقل أداءها وتهدد وجودها، إنها «جمعية مصر لحماية المرأة والطفل» وهى إحدى المؤسسات الاجتماعية التى ترعى بنات الشوارع والفتيات المعرضات للانحراف، وليس لهن عائل يؤتمن عليهن، ولها ثلاث دور ترعى ما يقرب من مائة وخمسين فتاة.
صحيح تتلقى تبرعات من أهل الخير إلا أن الإعانات السنوية التى تحصل عليها من وزارة التضامن الاجتماعى تشكل موردا رئيسيا للإنفاق على هؤلاء الفتيات، من إعاشة وصحة وتعليم إلى آخره، ولكن للأسف توقفت هذه الإعانة منذ عامين، رغم أنه تم توقيع الشيكات الخاصة لها، وعندما هم المسئولون بالجمعية بالاستفسار عن سبب تأخير الدعم وعدم صرفه، كان رد الوزارة أن صناديق الإعانات أحيلت إلى وزارة المالية، وكان هناك حجة بأن كل الإعانات أصبحت تابعة للبنك المركزي، وحتى الآن لم يتم صرف الشيكات للجمعية، وهو ما يعنى فى النهاية حكما بإعدام الجمعية أو على الأقل إصابتها بالشلل ومن ثم لن يكون هناك طريق أمام الفتيات سوى الهلاك المحقق.
وهكذا تغيب الحقيقة فى دهاليز وزارة التضامن، حتى أن الإدارة العامة للدفاع الاجتماعى المشرفة على جميع المؤسسات التى ترعى أطفال الشوارع لا تعرف عن المشكلة أى شيء وكأنها تعمل فى وزارة أخري، وطبيعى كان على شادية الشيشينى وكيلة الجمعية أن تتساءل عما هو خفى ويقف وراء توقف الدعم عن الجمعية؟
وتوضح الأعباء التى تتحملها الجمعية منذ أن توقف الدعم عنها، حيث إنها تسلمت من النيابة مؤخراً إحدى عشرة فتاة من «بنات الشوارع» من سن ثلاث إلى عشر سنوات بدون شهادات ميلاد، ليصبح العدد الذى تستوعبه الدار 81 فتاة، مع أن العدد الرسمى لها هو 70 فتاة فقط، مما يزيد من حجم الملقى على كاهلها فكيف يتسنى لها توفير أماكن وأسرة للنوم وإلا سيفترشن الأرض.
وتضيف، ان هؤلاء الفتيات اللاتى ترعاهن دون شهادات ميلاد والأب مجهول ومن بينهن فتاة لأم متسولة، ومقيمة فى الشارع، وحضرت خالتها إلى الدار لتسلمها، ولكن لا يجوز تسليمها إلا بقرار من النيابة بعد تسنينها.
وهناك حالة أخرى وهى الطفلة ندي، وعمرها خمس سنوات، وكانت تعانى التصاقا بالفخذين، وأجريت لها مؤخراً جراحة بالمجان، وسوف تظل ساقاها فى الجبس لمدة ثلاثة أشهر، وتحتاج الى أدوية متعددة من مسكنات ومضادات حيوية، وكلها على نفقة الجمعية.
وقالت أيضا انها تهتم بتعليم الفتيات وتلحقهن بالمدارس حتى يحصلن على شهادة، كما توفر لهن الملبس والمأكل، وكسوة العيد، وتصرف لهن بين وجبتى الإفطار والغداء علبة لبن وباكو بسكويت.وإذا مرضت إحداهن فيتم عرضها على الطبيب بالمجان، والجمعية ملزمة بإحضار الأدوية لهن.
وهنا تستغيث الشيشينى بالدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى داعية إياها لتوفير الدعم المخصص للجمعية والذى كان يتم صرفه كل عام، وإلا ما ذنب هؤلاء الفتيات أن نحرمهن من أبسط الحقوق فى بلدهن، وكفاهن ما يعانينه من حرمان الدفء الأسري.
من جانبنا نؤكد أن أطفال الشوارع ظاهرة موجودة فى أرجاء المعمورة نتيجة ممارسات لا علاقة لها بالدين أو الشرائع أو القيم، وهى بلا شك قنابل موقوتة حتما ستنفجر فى وجه الجميع فى أى لحظة، ومن هنا فإنه ينبغى للدولة أن تعى وتتفهم مدى الخطورة التى تحيط بها إن لم يتم مساندة منظمات المجتمع المدنى وأخذ كل الاحتياطات اللازمة لاستيعاب هذه الفئات التى تتزايد بصورة مخيفة فى المجتمع، ويمكن ذلك بمد يد العون المادى والمعنوى لتلك المؤسسات التى تتسلم هؤلاء الأطفال بقرار من النيابة، وبالتالى يمكن متابعة نشاطها، وإحاطتها بالرعاية بدلا من إهمالها، وهكذا تتكاتف كل الجهات المسئولة لبتر هذه الظاهرة التى تنذر بالخطر، وإلا فإن كل الجهود المبذولة تضيع هباء وكأننا نحرث فى البحر.