يقول دبلوماسى غربى شارك فى المفاوضات النووية فى فيينا التى انتهت باتفاق تاريخى قد يفتح الباب لتطبيع العلاقات بين إيران وأوروبا وأمريكا بعد أكثر من 36 عاما على الثورة الإيرانية. ويتابع الدبلوماسى الغربى لـ"الأهرام":"طول فترة المفاوضات كان تحديا كبيرا. فلم يجلس كيرى مع وزير خارجية دولة أخرى فى العالم لمدة 17 يوما متواصلة. كان يلتقى ظريف فى ساعات الصباح الأولى وفى الظهر وفى المساء... ساعة وراء الأخرى من المفاوضات العصبية".
لم تكن العاصمة النمساوية فيينا هى المكان المثالى للامريكيين والإيرانيين. ويقول الدبلوماسيون وأعضاء فى وكالة الطاقة الذرية إن طهران وواشنطن سعيا لنقل الجولة الأخيرة من المفاوضات فى مكان آخر، غير أن وكالة الطاقة الذرية وبسبب وجود مقرها فى فيينا رفضت المقترح، فالوكالة ستكون "الحكم" و"المراقب" لتنفيذ إيران للاتفاق النووى ولديها فى النمسا أفضل المختبرات والمعدات لإجراء التحقيقات اللازمة للتأكد من تنفيذ طهران لبنود الأتفاق.
كان كيرى متحفظا على فيينا لان "فندق امبريال" الذى نزل فيه، سبقه إليه ادولف هتلر ونزل فيه هو الأخر، أما بالنسبة للإيرانيين فالمشكلة كانت أكبر لأن الساحة أمام قصر المفاوضات أسمها "ساحة ثيودور هيرتسل"، مؤسس إسرائيل. كانت هاتان المصادفتان لدى البعض بمثابة نذير شؤم مسبق، لكن أيضا كسر ساق جون كيرى فى فرنسا، ثم كسر أنف وأصبع ويندى شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكى خلال المفاوضات، والعملية الجراحية التى اجراها رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحي، كل هذا ترك شعورا ثقيلا خلال جولة المباحثات فى فيينا، خاصة كلما أقتربت المهلة الزمنية للإتفاق.
ويقول المشاركون فى المفاوضات إنه فى احدى الليالى خلال سهرة مفاوضات طويلة وشاقة حول رفع الحظر عن الأسلحة التلقليدية والصواريخ البالستية عن إيران، وضع جواد ظريف رأسه على الطاولة من التعب، وقال مخاطبا نظراءه: حكوماتكم يجب أن تحاكم أمام المحاكم الدولية بسبب تمويلها وتسليحها صدام حسين خلال حرب العراق والتى أدت إلى مقتل نحو مليون إيرانى وإصابة عشرات الالاف بإصابات دائمة ناتجة عن استخدام صدام الأسلحة الكيميائية خلال الحرب، مدافعا عن حق إيران فى رفع حظر السلاح عنها. ويقول المفاوضون إنه حتى قبل 48 ساعة من التوصل للاتفاق، كان يمكن أن يخفق تماما بسبب تباين وجهات النظر حول العديد من القضايا.
لكن لم تدخر النمسا وسعا لإبقاء الوفود فى فيينا لنحو ثلاثة أسابيع وقررت الحكومة النمساوية تحمل كل مصاريف الأقامة والطعام، قائلة للمفاوضين: "أبقوا كما يحلو لكم... الوقت والتكاليف ليست مشكلة".
فيينا إذن التى لم يتحمس لها الإيرانيون والامريكيون قد يضطرون للعودة إليها بشكل دورى من الأن فصاعدا. فالاتفاق النووى فى مرحلته الأولى، وهناك مراحل عديدة ستنفذ تدريجيا وببطء وعلى مدار ما بين 10 إلى 15 عاما.
ويقول المفتش النووى الدولى ديفيد اولبرايت لـ"الأهرام" إن وكالة الطاقة الذرية فى فيينا كونت خبرة واسعة وقاعدة بيانات كبيرة جدا حول البرنامج النووى الإيراني. لكن الوكالة وبرغم خبرتها حول إيران، سيظل أمامها تحد كبير لتطبيق وتنفيذ الإتفاق النووى الطويل والمعقد. وحاليا لدى وكالة الطاقة الذرية فريق متخصص فى البرنامج الإيرانى مكون من 50 شخصا، غير أن هذا الفريق سيزداد عدده بالتأكيد مع بدء التنفيذ. خاصة وأن إيران ستبدأ فى تطبيق البروتوكول الإضافى لمعاهدة منع الأنتشار النووي، وهذا سيرفع بشكل كبير عددا من المرافق والمنشآت التى يحق للوكالة وخبرائها تفتيشها من 18 منشآة إلى أكثر من الضعف. كما ستراقب الوكالة ومفتشيها التزام إيران يتقليل محطات تخصيب اليورانيوم، والمفاعلات البحثية، وجميع مراحل دورة الوقود النووي. وسيكون من شبه المؤكد إنشاء مكتب ميدانى فى إيران كى يتم من خلاله تنسيق عمليات التفتيش.
ويقول اولبرايت إن الإتفاق النووى الإيرانى "الأكثر تعقيدا وتفصيلا"، فمراحل تنفيذه التى ستبدأ من خفض عدد أجهزة الطرد المركزى بمقدار الثلثين إلى 5060 جهاز طرد مركزي، واحتفاظ إيران بـ300 كيلوجرام فقط من اليورانيوم المخصب، وبيع نحو 96% من مخزونها من اليورانيوم المخصب فى الأسواق العالمية أو تخفيف تركيزه، وعدم بناء مفاعلات تعمل بالمياه الثقيل، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما، والسماح بدخول مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، كل ذلك سيتطلب "تمويل إضافى وخبراء وتعاون وتفاهم وصبر. المسألة ستكون صعبة جدا ومعقدة".
وبسبب "بارانويا" إيران من احتمالات استخدام التفتيش الدولى كوسيلة لجمع معلومات حول برنامجها النووي، نص الاتفاق على أن "فرق المفتشين الدولية ستكون من دول لديها علاقات دبلوماسية مع إيران"، وبالتالى لن يكون هناك أى امريكيين.
لكن الاتفاق النووى الذى يتكون من 156 صفحة وضع حلولا للمشكلات المرتقبة. فمثلا إذا نشبت خلافات بين إيران ووكالة الطاقة الذرية حول تفتيش موقع معين، ورفضت طهران دخول مفتشين دوليين، تقوم "لجنة فنية مشتركة متعددة الجنسيات متخصصة" ببحث الامر ثم تتخذ قرارها بالاغلبية، وعلى إيران ساعتها أن تلتزم بالقرار الجماعى خلال 3 أيام.
وخلال سنوات تنفيذ الأتفاق والتى ستستغرق ما بين 10 إلى 15 عاما، إذا نشبت خلافات بين إيران ودول 5+1 أو الوكالة حول التطبيق، يتم اللجوء للجنة مشتركة تنظر فى الأمر بهدف حله خلال 30 يوما. وإذا فشلت رفع الامر إلى مجلس الامن الذى يمكن أن يقرر إعادة فرض العقوبات على إيران. ووفقا للإتفاق فإن هذه العملية تأخذ 65 يوما.
التفاصيل الفنية الدقيقة، والجوانب التقنية الذى ذكرت خطوة خطوة تشير كما قال مسؤول إيرانى مطلع إلى إتفاق أراده كل المشاركون فيه "مضاد للرصاص وقادر على مواجهة كل المتشككين فيه" لكن يظل التنفيذ هو الإختبار الحقيقي.