رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

غرام قديم

أحمد إبراهيم الفقيه
عندما قرات النعي في صفحة وفيات الأهرام، وقفت لحظة أتأمل اسم السيدة المتوفاة التي يخصها النعي. واعيد قراءته: كريمة إسكندر الشيرازي، فقد شعرت باختلاجة لا يفسرها إلا ان منطقة ما في عقلي الباطن تعرف شيئا عن هذه السيدة المتوفاة حديثا، او رابطة تربطني بها، لم أستطع ادراكها للوهلة الاولى بعقلي الظاهر.

 


لم يكن الأمر يحتاج إلى غير دقيقة واحدة، لأتبين لماذا ابطأت في التقاط ما يعنيه لي الاسم، وهو لقب الشيرازي الذي يذيل اسمها، والذي لم ارها تستخدمه خلال السنوات الاربع التي قضيناها زملاء في قسم اللغة الانجليزية في كلية آداب القاهرة.


موجة من الاسى اجتاحت كياني إلى حد الارتجاف، فلم تكن كريمة إسكندر مجرد زميلة، او صديقة، وانما كانت الانسانة التي تمحورت حولها حياتي، وتركزت في الارتباط بها احلامي، ولم اكن اتصور في تلك المرحلة الخضراء من العمر، ان لحياتي معنى او قيمة، الا بها ومعها، رفيقة عمر وطريق، الى آخر مشوار الحياة، ولم تكن كريمة اسكندر نفسها، اقل منى حماسا واقبالا على الحب الذي يجمع بيننا، او رغبة في الارتباط الزوجي، الذي تصبو لان يكون تتويجا لهذه العلاقة، ولم يكن ثمة شيء يحول بيننا وبين هذا الارتباط إلا إكمال المرحلة الجامعية من دراستنا.


لم تكن تستخدم لقب عائلتها الذي قراته في هذا النعي«الشيرازي» ، ربما بسبب توجهات مصر العربية ، التي جعلت من القومية العربية عقيدة تتبناها الدولة الى حد انكار وجود اخلاط من الاعراق والإثنيات في مصر العربية ، بالاضافة الى عداء لا هدنة فيه في تلك المرحلة من منتصف الستينيات بين النظام المصري في عهد عبد الناصر، ونظام الشاه في ايران، ولكي تنآى عن اي مشاكل مع الدولة واجهزتها بسبب هذا الاصل الفارسي، قد تؤثر في مسيرتها الدراسية والعملية، اخفت هذا الاسم الذي يشير الى تلك الجذور.


هذا الاصل الفارسي ، الذي لم اكن اعرف عنه ادنى فكرة، كان يتجلى واضحا في جمالها الذي يحمل مسحة اجنبية، عينان لهما لون بديع نادر هو اللون البنفسجي، و شعر ناعم فاحم السواد، ويظهر التباين الفاتن بينه وبين لون بشرتها النقية البيضاء المشربة بحمرة تشبه ألسنة اللهب، ويضيء هذا اللهب وجهها فيجعله مشرقا مبهجا، حتى لحظة ان تغشاه سحائب غضب وضيق، مع بناء جسدي انثوي، يطابق اعلى مواصفات الجمال ومقاييسه، كما تعرضها الشاشة اثناء مسابقات الجمال ومهرجانات الموضة والازياء، نسب وتناسب في اعضائه واطرافه ، تكتمل فيها الرشاقة مع ازدهار الانوثة التي يتفجر بها جسمها، ويلتقي هذا التكوين الجمالي مع اطاره الذي يليق به متمثلا في رقي الذوق الذي يتبدى واضحا، في اسلوب تسريحة شعرها، واسلوب استخدامها للمكياج والاكسسوارات التي ترتديها، وفي اختيارها لالوان ملابسها وانسجام هذه الالوان وتوافقها، وعندما سمعت فى اكثر في من مناسبة اشارة الى جمالها الفارسي، لم انتبه ابدا الى انه ينطلق من معرفة بلقبها ونسبها البعيد، وكنت فقط اظنه وصفا جاء من انه جمال تمتزج فيه الروح المصرية بلمسة من حضارة مشرقية ، اذ كان واضحا انها تختلف عن نساء اخريات فيهن لمسة غربية، بينما هي نأت بحسنها واناقتها وروحها عن ان تكون تقليدا باهثا للموضات والاساليب الافرنجية، وجعلت جمالها يتفرد بنفسه ، ويتميز عن بقية الجميلات، وكان طبيعيا بعد ذلك، ان يستقطب هذا الجمال انظار الرجال، ويصبح حلم كل زميل لها ان يكون قريبا منها، الا ان كريمة اسكندر نأت بنفسها عن الجميع، وتجنبت الاختلاط بالزملاء خارج اطار الدرس، تحضر الى الجامعة بسيارة لها سائق، وتهبط منها لتتجه مباشرة الى قاعة المحاضرات، او الى المكتبة في حالة تأجيل المحاضرة، وعادة ما تكون السيارة في انتظارها عند انتهاء المحاضرات، دون ان تحيد عن هذا النظام، اوهذا الطريق ، او يغريها الذهاب الى كافيتريا كلية الآداب، التي اشتهرت في تلك المرحلة بانها المكان المفضل لنشوء قصص العشق بين الطلاب والطالبات، ولا شأن لها بالمتسكعين في حديقة الجامعة وباحاتها والواقفين على ارصفتها للدردشة وتزجية الفراغ، لكي لا تعطي لاحد المعجبين بجمالها فرصة ان يفرض عليها نفسه، لان عقلها وقلبها كانا قد اختارا منذ بداية العام الدراسي الشاب الذي يمكن ان تمنحه حق الاقتراب منها، وهو هذا الفتي الليبي الذي جاء من عاصمة بلاده موفدا للدراسة في القاهرة، ولم ينتبه الى نداء عينيها له الا بعد انتصاف العام الدراسي.


وبسبب حصار الاعين الذي يصنعه جمالها النادر، فقد وصلت معي الى صيغة لادارة وترتيب اللقاءات بيننا، والتي رات ان تكون خارج مبنى الجامعة، واستمرت على عادتها ، الهبوط من السيارة الى قاعة المحاضرات، او المكتبة، والمغادرة لحظة انتهاء آخر محاضرة. واكتشفت ان السيارة لا تأتي بها الى البيت ، او تعيدها اليه، فهي سيارة الشغل لمكتب الترجمة القانونية الذي يملكه ويديره والدها، تأخذها فقط من محطة الترام في باب اللوق، وتعيدها اليها، لتباشر السيارة عمل المكتب، بينما ترحل هي بالترام الى البيت في ميدان روكسي، بمثل ما جاءت به، وكان الاتفاق ان نلتقي خلال كل يوم من ايام الدراسة في الترام، المسافر من باب اللوق في وسط البلد الى ميدان روكسي في مصر الجديدة، نجلس جنبا الى جنب في احدى المقصورات التي غالبا ما تكون خالية في منتصف النهار من ركاب اخرين، فناخذ راحتنا في الدردشة، وقد تتكرم بان تتركني اضع يدي في يدها، دون ان اتجرأ على طلب اكثر من ذلك، وتهبط في محطتها لتذهب الى البيت، بينما اهبط انا لانتقل الى الجانب الاخر من الرصيف، لاعود الى باب اللوق مع الترام العائد الى وسط المدينة، وهو يعطينا وقتا يزيد قليلا على نصف ساعة نقضيه معا، وهناك وقت اخر ، قد يصل فيه اللقاء الى ساعتين او ثلاث ساعات ، يحدث مرة في الاسبوع، كل يوم جمعة، بركن منزو من اركان مقهى الامريكين في شارع عماد الدين، في الطابق الثاني الذي صار مكانا مفضلا للقاء العشاق لان اصحابه عمدوا الى تقسيمه بحواجز خشبية، مطلية بدهان ابيض، كانها جدران حقيقية، واركان بمساحة طاولة واحدة، لضمان الخصوصية، للزبائن، واغلبهم من ذكر وانثى، للقاء يتم هنا بعيدا عن اعين المتطفلين، ولا يحدث بيني وبينها، في هذاالمكان المنزي، ورغم بسطة الوقت، اكثر مما يحدث بيني وبينها في مقصورة القطار، من تشابك الايدي وتبادل النجوى، او سماع غنائها الهامس التي تريقه في مهجتي مثل رحيق سحري، يجعلني اشعر ببهجة ونعمة الوجود، وخلال اربع سنوات ، لم يكن يعيق هذه اللقاءات سوى قدوم العطلة الصيفة التي اقضيها مع اهلي في طرابلس، وتذهب هي مع اسرتها الى شاليه تملكه الاسرة في شاطئ راس البر، واصبحت هذه العطلة ايضا جزءا من البرنامج الذي لا يحدث خلاله سوى بطاقات بريدية قد نتبادلها لا تتضمن غير العبارات التقليدية التي لا تحمل اية اشارة لطبيعة العلاقة التي تجمع بيننا، باعتبارها بطاقات مفتوحة، يمكن لاي احد ان يطالع كلماتها، واعود لاستئناف لقاءاتي بها مع بدء العام الدراسي، اكثر شوقا وحرقة للاغتراف من بهجة ولذة هذه العلاقة، وحدث ذات صيف ان هزني الشوق الى رؤية عينيها، بلونهما البنفسجي النادر، فاختصرت زمن العطلة الذي اقضيه في طرابلس الى بضعة اسابيع، وعدت لاغامر بالالتحاق بها في راس البر، ولكنها أبدت غضبا ورفضا لهذا الكسر لقواعد التعامل، وتبدت شخصيتها قوية حاسمة جازمة وهي تعيدني يائسا الى القاهرة لانتظر بداية العام الدراسي، لكي نستأنف لقاءاتنا.


وكانت هذه المراة هبة إلهية ارسلتها لي السماء في وقت كنت اعاني فيه من ازمة هي الاكبر والاسوأ خلال هذه المرحلة الدراسية ، التي يتوقف عليها مستقبل حياتي، فقد اشتدت الخصومة بين عدد من طلاب البعثة الليبية في مصر، وبين سفارة بلادهم، وكنت واحدا من هؤلاء المبعوثين، الذين تهددهم السفارة بالغاء البعثة، لان اتحادا للطلاب نشأ في الجامعة الليبية، على انقاض اتحاد آخر انشأته السلطات الامنية وهيمنت عليه، فرفضه الطلاب وانشأوا هذا الاتحاد الذي يمثلهم وينبع منهم ، واتصل الاتحاد الجديد ، بالمبعوثين في الخارج، يطالبهم بانشاء فروع تعلن ولاءها له ، يتعزز بها وجوده، وكنت واحدا ممن لبوا النداء، وساهموا في الدعوة لفرع الاتحاد في القاهرة، وكنت عضو لجنته الادارية، وهو الفرع الذي اعتبرته السفارة مناوئا للحكومة ، وجمدت المنح التي تقدم لنا، حتى نعلن حل الفرع، لكي لا يبقى اتحاد غير اتحاد طلاب الحكومة، واصر اعضاء الفرع على موقفهم، وباشروا السعي لتدبير موارد بديلة للمنحة تعينهم على استمرار دراستهم، واغلبهم ينتمون الى عائلات موسرة تستطيع تغطية المصاريف الدراسية لابنائها، ووجدت نفسي في موقف شديد الحرج والصعوبة ، لانني انتمي لاسرة قروية بالكاد يستطيع عائلها تدبير الوجبة القادمة لاسرته، منتظرا رزق الغد لكي ياتي به الغيب، فلا امل في وجود مورد خاص انفق به على دراستي، وفي نفس الوقت سيكون موقفا مخزيا ان اعلن انسحابي واستجيب لنداء السفارة دونا عن بقية الطلاب، وكان خيار العودة الى ليبيا وهجرة الدراسة، اعين ابي على التقاط رزق العائلة، خيارا وحيدا متاحا، رغم انه صعب ومؤلم ولا يعني غير ضياع المستقبل الذي حلمت بتحقيقه ذات يوم، وشملتني حالة من اليأس، وشعور بالاختناق، وانا اجد نفسي اتخبط في طريق مظلم لا ارى في نهايته نورا، ولا املا في الانقاذ، وجاءت في هذه اللحظة بالضبط ، وبمحض الصدفة، كريمة اسكندر، شمسا تضيء عتمة الطريق ، وتشحن حياتي بطاقة امل وعزم ، فارى نفسي اهزأ بالمشكلة التي تواجهني، واكتشف في نفسي القوة التي تؤهلني للبقاء والصمود والتصدي، وخطرت على بالي افكار، غير الهروب والانهزام، لم تكن لتخطر على بالي لولا الرغبة التي تولدت في نفسي بان ابقى بجوارها، فاستطعت تجميع حشد من الطلاب للاحتجاج ضد قرار السفارة في محاربة الطلاب في دراستهم، لمجرد ان لهم آراء تختلف عن رأيها، وظهرت اصداء للمظاهرة تندد بموقف السفارة في احدى الصحف ، وبدأت الازمة تشهد انفراجات، لم تكن لتحصل لولا التقائي بهذه المرأة واكتشافي لنبع الحب الذي كان ينتظرني اثناء هذا اللقاء، وقد لعبت المصادفة دورا في حصول هذا التواصل الاول معها، عندما دخلت قاعة المحاضرات التي جاءت لحضور محاضرة فيها كان مخططا ان تكون على وشك البدء، فلم تجد احدا غيري لان المحاضرة الغيت بسبب سفر المحاضر، وكنت جالسا انقل من كراس احد الزملاء درسا فاتني حضوره، فاخبرتها بما حصل، وجلست ليمتد الحديث بيننا ويتواصل، وكاننا فعلا أصدقاء قدامي، لاننا وصلنا الى مناطق حيميمة في الحوار لا يصلها الناس الا بعد دهور من التعارف، عن طرف من حياتنا العائلية وطرف آخر يخص الهوايات ، وثالث عن اماكن السكن، ولم اعرف الا بعد ان تكررت اللقاءات انها فعلا كانت ترتقب اتصالا مني، وان تقاليد التعامل بين النساء والرجال في شرقنا العربي يمنع ان تأتي المبادرة منها، ولهذا فهي كانت، كما قالت، على وشك ان تشطب اسمي كمرشح للاقتراب منها، وقد جاء هذا اللقاء مباشرة بعد عطلة نصف العام ،ومعنى ذلك انها امهلتني كثيرا، فرأيته واجبا ان اعوض الوقت الضائع بان اغدق عليها حبا،وعطفا وحنانا يزيد عن حبها لي.


انتهت الازمة التي كادت تعصف بدراستي الجامعية، اذ تبخرت الازمة وكانها لم تكن موجودة، وعادت السفارة لصرف منحتي بعد ان توصلت الى مصالحة مع فرع اتحاد الطلاب، وكنت فعلا قد حزمت حقائبي، ورتبت الامر مع رفاقي في السكن لاخلاء غرفتي، ولم اعدل عن ذلك الا لحظة لقائي بها، لان قوة جاذبة جعلتني لا اريد ان ابرح المكان الذي هي فيه، ولم اتحرج، وانا ابحث عن وسيلة للمعيشة والبقاء، بعد ان نفدت مواردي، من اخذ حزمة كتب، بعضها استعرته من زملائي في الشقة، واخذتها الى تاجر كتب قديمة، في سور الازبكية، اتدبرما احل به ازمتي المالية مؤقتا، ولم اكن لافعل هذا كله ، ولاقدم على مثل هذه التدابير، وأنتظر المدة التي تفصل بين تجميد المنحة وإعادتها فيما بعد، الا بسبب مبعوثة العناية الالهية لإنقاذي، وادخال السعادة على قلبي، واعطائي اربعة اعوام من رحيق المتعة الصافية.


وأريد الآن، وانا أقرأ نعيها ، واحس بدمعتين ساخنتين تحرقان وجهي، ان أذكر وبعد مرورتسعة واربعين عاما على انتهاء علاقتنا، السبب الذي انهى هذه العلاقة الجميلة التي احطناها بدفء عواطفنا، وسقينا شجرتها من ذوب قلوبنا، فلا اجد، واحاول ان اجهد عقلي وذاكرتي لأعرف كيف ولماذا لم تكتمل ، فلا اجد حافزا ولا دافعا ولا اتذكر عائقا ولا حاجزا كان يمنعنا من تحقيق حلمنا المشترك بالارتباط وبناء عش الزوجية القائم على انبل وارقى عاطفة. لم اجد شيئا خارقا صنع هذا الفراق، مجرد تداعيات روتينة تحركت مثل انسكاب الرمال بفعل ريح الصباح، لتخفي جوهرة نسيها اصحابها مرمية فوق الارض.


كان قد انتهى العام الدراسي الاخير، الذي حصلنا فيه على ليسانس الآداب قسم اللغة الانجليزية، وذهب كل منا في اجازة الصيف ، بأمل ان نلتقي بعد الاجازة لقاء الشروع في الارتباط الزوجي ، والترتيب لحياتنا المشتركة، بل اتفقنا ان نسعى لاختصار العطلة لكي تكون شهرا بدل ثلاثة اشهر، وعند العودة الى بلادي، وجدت ان كلية التربية التي انشئت حديثا في طرابلس، تخطط لانشاء قسم للغة الانجليزية، تعتمد فيه على بعض خريجي مثل هذا القسم من الليبيين، وتنتظر استلام الموافقات والتعهدات التي يلتزمون فيها بالتدريس في هذا القسم، لاستصدار قرار باتمام دراسة الماجستير التي يبدأون بها التدريس، وستكون في جامعة لندن،وكنت ضمن المرشحين الذين طلبوا منهم توقيع التعهد، ولم تكن هناك امكانية لاعطائي وقتا لترتيب اموري، فهي فرصة اما اهتبالها الآن، او احلال زميل آخر مكاني ، وهكذا وجدت نفسي في دوامة الاعداد لسفر اخر ، هذه المرة الى مكان ابعد من مصر، ليس فقط بالمعنى الجغرافي، وانما بالمعني النفسي، والاجتماعي ، والثقافي ، لغة ودينا ، وعادات وتقاليد، وعندما وصلت الى لندن، كانت هناك اجراءات تتصل بالتسجيل والسكن واختبارات لتحديد المستوى، شفهية وكتابية ، وتحتاج الى تمارين وتحضير، كله ألهاني على الاتصال بحبيبة القلب التي تنتظر موعد وصولي اليها في مصر، واعتذرت ، عندما كاتبتها عن الابطاء، واخطرتها بما حدث من تطورات، وهو ما كان ممكنا استيعابه على مضض من قبلها، لكن ما كان صعبا استيعابه، هو انني لم احدد موقفا واحدا من هذا الارتباط ، ولم اعطها موعدا ، سأحضر فيه الى مصر، ليس لانني لا اريد ولكن لانه صعب وانا مشدود الى شبكة من العلاقات المعقدة، والظروف المستجدة، في بيئة ما زلت اتلمس فيها طريقى بشق الانفس ، ان ارتبط بموعد او بالتزام ، ربما لن استطيع الوفاء به، واعتقد ان هذه كانت بداية انسكاب الرمال على جوهرة الحب التي لم اعطها من جانبي ما تستحق من انتباه واعتناء، ماذا حدث بعد ذلك، لا شيء، اعتقد ان كريمة ، ولعمق حبها لي صبرت على موقفي المتذبدب المتخاذل الذي لا يقوى على حسم، ولا يتخذ موقفا واضحا ومحددا، وصبرت على رسائلي التي تتأخر لا شهرا واحدا وانما شهرين وثلاثة اشهر، وعندما وصل التسويف والمماطلة عاما كاملا، توقفت المراسلات من جانبها وتوقف الاتصال، وبدا واضحا انها حسمت امرها بوضع حد لمماطلاتي وتسويفي، بإنهاء العلاقة، ولم يكن ثمة رد على هذا الموقف الغاضب المؤلم الا ان أسرع ، ولو في رحلة يومي نهاية الاسبوع ، لاعيد من انقطع واعمل على ارضائها ، لكنني لم افعل، ولكي لا اضع اللوم عليها واتحمل نصيبي من الاثم ، هو انني لم استطع ان اقاوم حرية العلاقات الموجودة في أجواء جامعة اوروبية ، كانت في ذلك الوقت تمر بحالة تفجر وفوران، لهدم الجدران بين الجنسين الى حد الثورة ضد الفصل بين سكن الطالبات والطلاب فقام الطلاب اناثا وذكورا في خطوة جرئية بتوحيد السكنين في سكن واحد، وغرفة واحدة يسكن فيها الزميل وزميلته، ولكنني وانا في اوج هذا النوع من المساكنة، كنت اعرف ان لا بديل لحبيبة القلب الموجودة في القاهرة، ولا مكان لامراة اخرى تحل مكانها، ولكنه ظل كلاما لا يرقى الى مستوى الموقف الجريء الذي يتطلبه هذا الحب ، فتركت رمال العادة والروتين والزمن البطيء، تواصل انسكابها فوق الجوهرة حتى اختفت ولم يعد ممكنا الاهتداء اليها.


طويت الصحيفة، وجففت العبرات التي انسكبت فوق الخدين، وبدلا من العودة الى البيت والغوص في اجوائه العامرة بضجيج الاولاد والاحفاد، احسست بضرورة الاختلاء الى نفسي بعض الوقت، فذهبت الى صاحبي الذي لا اجد صاحبا مثله يواسيني في هذه المرحلة من العمر التي كثر فيها غياب الاحباب، وهو البحر اجلس على مقعد خشبي من المقاعد العامة قريبا منه، وارقب امواجه وهي تتدافع بقوة حتى تصطدم بالشاطئ في ايقاع متواتر عنيف، احس دائما بانسجام بينه وبين ايقاع المشاعر داخل صدري في تواترها وعنفها وصخبها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق