اكتب إليك بتجربتى مع الوسواس القهرى (وهو مدمر بدون علاج) ابتغاء مرضاة الله لإنقاذ هذه الأسرة المنكوبة فأنا متعاطفة جدا مع كاتب الرسالة لتحمله زوجته خمسة وعشرين عاما، وعاتبة عليه فى الوقت نفسه أنه لم يعالجها طوال هذه المدة، وهو يعلم أنها مصابة بالوسواس القهرى ولو فعل ذلك لكانت حال الأسرة الآن طبيعية جدا ومتعاطفة أيضا مع زوجته التى أدرك أنها مدمرة داخليا بسبب المرض.
وأحب أن أحكى لك قصتى مع هذا المرض وهو وراثى فلقد تزوجت منذ ثلاثة وأربعين سنة من رجل فاضل وبعد خمس سنوات من الحياة الطبيعية بدأت أنكد عليه وأبحث عن أى حاجة تنكد عليه دون أن أدري.. طبعا كان ينفعل ويتعصب عليّ جدا «مع إنه حلو المعشر» بصوت عال فكنت أتوتر جدا وأتعب داخليا وصدرى يقفش واتهمه بينى وبين نفسى بأنه المذنب وأنه عصبى المزاج ولا أدرى أنى السبب إذ كنت دائما انتقد أهله مع أن معاملتهم لى كانت أكثر من رائعة وكنت أظن بهم السوء وكانت تتهيأ لى «حاجات غلط» وكان يثور علىّ ثورات عارمة دون أن يتفوه بأى كلمة نابية وكنت أصمت ثم أعيد الكرة بعد فترة، وكان يقول لى «أنتى بتدورى على النكد بمنكاش» وهلم جرا.
وبعد أحد عشر عاما من الزواج أحسست أنى غير سعيدة مع أن زوجى رجل فاضل وله مكانة اجتماعية مرموقة ومتيسر ماديا، ولم ننجب أطفالا وقد رضيت بقدرى لأن هذا أمر الله.
ولكنى طلبت الطلاق لأنى غير سعيدة وحصلت عليه بعد أن ظل متمسكا بى لآخر لحظة، (الله يرحمه ويغفر له ويجعل مثواه الجنة)، جزاء له على تحمله لى فى أدب جم، مع عصبية شديدة كنت أنا السبب فيها، وكانت تسبب لى توترا فظيعا وحزنت لطلاقى مع أنى التى أصررت عليه، واتجهت إلى الله سبحانه وتعالى وواظبت على صلاتى وطلبت من ربى أن يعوضنى برجل صالح يعرف ربه ويعيننى على ديني، وبدأت لأول مرة اقرأ القرآن، وفعلا عوضنى الله برجل صالح، وتزوجنا بعد سنتين قضيتهما مع والدي. وبعد فترة قصيرة بدأت أنكد عليه هو الآخر واكتأبت لأن شدة الوسواس تسبب اكتئابا شديدا.. المهم أنه عالجنى من الاكتئاب ولم يدرك أنى مصابة بالوسواس القهرى إلا بعد خمسة عشر عاما من الزواج، وتحولت لإنسانة أخرى هى أنا. وحمدت ربى لأنى لم أنجب وإلا كنت سأدمر أولادي، ويصدق قول ربنا «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» سورة البقرة 216، وأنا دائما أحمد الله على شفائى وعلى نعمه الكثيرة وعلى هذه الابتلاءات فهى من الله ويجب الصبر عليها، فالصبر نصف الإيمان.
ونصيحتى لصاحب الرسالة أن يعالج زوجته وأتمنى لها الشفاء العاجل وأقول لها «لا تترددى فى الذهاب إلى طبيب نفسي، وسوف تصبحين امرأة أخرى وتعاملين أولادك ضمانا لصحتهم النفسية وأدعو الله لك بالشفاء».
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ما أجمل أن يعرف الإنسان ما ينقصه، ويسعى إلى الحصول عليه ملتمسا أسباب الراحة والطمأنينة، وأنت فعلت ذلك بإخلاصك لزوجك وإدراكك أنك تعانين مرضا ما، وتوصلت بالصبر والمثابرة إلى أن داء «الوسواس القهري» يمكن علاجه، بحيث تستقر حالتك، حتى وإن طال العلاج مدى الحياة، فعلا روح رائعة تكشف عن رجاحة عقلك وقوة إيمانك فلولا هذان العاملان ما توصلت إلى النتيجة الممتازة التى أنت عليها الآن، وأرجو أن تأخذ زوجة كاتب رسالة «الانتقام المدمر» بنصيحتك وشكرا لك على رسالتك المفيدة.