رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

انتخابات الدنمارك..سقوط جديد للديمقراطية الاجتماعية فى أوروبا

رحاب جودة خليفة
لم تكن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى الدنمارك انتصارا جديدا فقط لليمين المتطرف وصعودا لأحزاب الأقليات، وهو الاتجاه شبه السائد حاليا فى أوروبا الغربية، بل هو أيضا إنذار باقتراب زوال الديمقراطية الاجتماعية فى الدول الاسكندنافية. فالدول الاسكندنافية هى آخر معقل للديمقراطية الاجتماعية،

 والتى كانت مصدر إعجاب وإلهام للسياسيين التقدميين والذين يمثلون يسار الوسط فى جميع أنحاء العالم. والآن وبعد هزيمة رئيسة الوزراء هيل ثورنينج شميدت فى الانتخابات فإنه ولأول مرة ومنذ الحرب العالمية الثانية فلم يعد يتبقى سوى السويد وهى الدولة الوحيدة من دول شمال أوروبا التى مازال يتولى بها الحزب الديمقراطى الاجتماعى السلطة رغم أنه يصنف بأنه واحد من أضعف الحكومات على الإطلاق. والمشكلة هنا أنه مع تراجع الديمقراطيين الاجتماعيين تزايد الدعم لمكافحة الهجرة، والأحزاب المتشككة تجاه الوحدة الأوروبية.


والدنمارك ليست سوى أحدث دولة رفض فيها الناخبون وجود التيار الليبرالي. فقد عانى الحزب الليبرالى الديمقراطى بشدة فى بريطانيا الشهر الماضي، وعانى الحزب الديمقراطى الحر الألماني، إضافة إلى فرنسا وإيطاليا واليونان وفنلندا. وبالتالى فليس من الواضح فى الوقت الراهن ما إذا كانت الليبرالية لها مستقبل فى الأوروبى مثلما أصبح لليمين المتطرف واليسار فى جميع أنحاء القارة.


فكيف تحقق لحزب الشعب الدنماركى واتجاهه اليمينى هذا الفوز الكبير؟ ويرجع الحزب جزءا كبيرا من شعبيته إلى البقاء على مقربة من هموم الناس الحقيقية، بدلا من الانجرار إلى الانعزال فى "بورجن"، أو مجمع كوبنهاجن الذى يضم البرلمان الدنماركي. وكما يقول بيا كيارسجارد، الذى أسس الحزب قبل 20 عاما "من المهم جدا أن نكون جزءا من الشعب، لا أن نكون هؤلاء السياسيين رفيعى المستوى الذين لا يعرفون ما يجرى بين الناس".


قد يكون هذا صحيحا، ففى النهاية استطاع تيار اليمين "سرقة" أصوات الناخبين من تيار يسار الوسط من بينهم الطبقة العاملة وكبار السن ونجح فى التقدم بشعبيته بنسب كانت تتراوح بين 12%-14% فى الفترة من أعوام 2001-2011 إلى ما يزيد عن 21% خلال الانتخابات الأخيرة.


وانقلبت النتائج رأسا على عقب هذه المرة وكان على الحزب الذى فاز بأكبر عدد من المقاعد التنازل لهذا الحزب الذى جاء فى المركز الثالث. ويرجع الكثيرون ذلك إلى زعيم الحزب الحالى كريستسان ثولسن دال الذى نجح فى إبعاد نظر الشعب عن توجهات الحزب لدى الشعب خاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة وسعى إلى جعل رسالته الأهم حول قضايا حماية الإنفاق العام والاتحاد الأوروبى ورعاية كبار السن والأطفال والمرضى.


فرغم أن حزب الشعب لم يكن من الأحزاب الرئيسية فى البلاد منذ عام 2001 لكنه تمكن من بسط نفوذه على الحزب الليبرالى الحاكم بزعامة رئيس الوزراء لارس لوك راسموسين لإعادة تشكيل سياسات الدنمارك فيما يتعلق بالأجانب والمهاجرين بشكل أكثر تشددا من ذى قبل. ويبدو أن حزب الشعب سوف يتخذ موقفا مماثلا فى حكومة الأقلية الجديدة بعد أن أصبح وضعه أقوى فى الحكومة. وسيكون بالتالى تحديا رئيسيا لراسموسين المؤيد لسياسات الاتحاد الأوروبى لتحقيق التوازن بين نفوذ حزب الشعب المتماشى مع التيار السائد فى القارة وبين سياسات حزبه الليبرالي.


وبينما مازالت الأمور الاقتصادية موضوعا رئيسيا بالنسبة لمعظم الدنماركيين، فإن الهجرة أطلت برأسها لتحتل صدارة اهتمام أبناء البلد. وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، شهدت الدنمارك ارتفاعا كبيرا فى أعداد الهجرة، وتشير التقديرات إلى أن المهاجرين يشكلون الآن من 7 إلى 8% من السكان. ويأتى كثيرون من أولئك الذين يندرجون تحت قائمة اللاجئين من الدول غير الغربية من البوسنة والعراق وإيران وباكستان وفلسطين والصومال.


وبالتالي، ليس حزب الشعب هو الرابح الأوحد داخل الدنمارك بل هناك رابح أكبر خارج البلاد وهو ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى الذى قد يعول على دعم الحكومة الدنماركية الجديدة لفرض شروطه لإعادة التفاوض على بقاء بلاده مع الاتحاد الأوروبي. فقبل أيام، أعلنت أحزاب المعارضة الأربعة أنهم إذا كانوا قادرين على تشكيل حكومة بعد الانتخابات انهم سيدعمون كاميرون للتوصل الى اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي.


وفى الحقيقة فقد أظهرت الأيام الأخيرة أيضا أنه إذا كان اليمينيون ودعاة الانفصال عن الاتحاد الأوروبى يعلنون موقفهم المعادى لتزايد الهجرة لكن لا يعنى ذلك أن تيار يسار الوسط لا يشاركهم الرأي. فكما قالت شميدت رئيسة الوزراء السابقة "إذا أتيت إلى الدنمارك فبطبيعة الحال، يجب عليك قبل العمل، أن تتعلم اللغة الدنماركية، ويجب أن تجيد الاختلاط مع الدنماركيين"، بل قالت فى إحدى مناظراتها الانتخابية إنه من الواضح أن الدنمارك ليس "مجتمع متعدد الأعراق".


وبالرغم من كل تلك الأدلة السابق ذكرها، لكن على الجانب الآخر فإن بعض المحللين يرون أن عمر هذه الحكومة سوف يكون قصيرا، بل سيتم إعادة انتخابها فى أقل من أربع سنوات هى العمر الرسمى لكل حكومة فى البلاد قبل أن تجرى انتخابات جديدة. ويرون أن عمر الحكومة الحقيقى يعتمد فى الغالب على قدرة راسموسن الشخصية للمناورة فى المشهد السياسى فى الدنمارك. وعلى أى حال، فإن انتخابات الدنمارك تدل على التحديات العديدة التى سوف يواجهها الاتحاد الأوروبى فى السنوات المقبلة. ومما لاشك فيه فإن نتائج انتخابات هذا البلد صغير المساحة سببت ضجة كبيرة فى عدة دول أوروبية بحيث لم تعد مجرد نتيجة رمزية بل مؤشر على التغيرات الكبرى التى ستشهدها القارة الأوروبية والتى ستشارك الدنمارك فيها حتما.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق