المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة ، ورئيس نادى قضاة أسيوط الأسبق، يوضح أن القضاء فى مصر ينتمى إلى مدرسة منذ أكثر من مائة عام، وكل من التحق بها، تم تمكينه وتهيئته وتنشئته على عدة مباديء وقيم ومُثُل، أصبحت عقيدة يسير على نهجها من مبتداه إلى منتهاه، أهمها أن القاضى لا يخشى فى الحق لومة لائم، ولا يخشى إلا الله تعالي، وأن القاضى ليس خصما لأى مواطن يلجأ إليه، فى تحقيق العدالة وإحقاق الحق، هذه المثل والمباديء صار عليها القضاة على مر الزمان، كما وُلد فى نفوس كل القضاة أيضا مبدأ اساسى أن القاضى لابد وأن يلتزم بالحيدة والنقاء والنزاهة والشفافية، ومن أجل ذلك حظر على قضاة مصر الاشتغال بالسياسة أو التعاطف مع أى تيار سياسي،
فى الوقت نفسه كانت الشواهد تؤكد انه عندما قامت ثورة 25 يناير انضم إليهم أساسا من كانوا متعاطفين مع التيارات السياسية إلى الميدان، واحتلوا موقعا مرموقا فيه، وتم استخدامهم استخداما أمثل لتحقيق أهداف الجماعات الإسلامية آنذاك، وما كان يجب على قضاة مصر وهم يتصفون بالحيدة والنزاهة والشفافية أن يكونوا جنودا من جنود الثورة بالميدان، لأن مكانهم فى المحكمة، ودورهم فى إقرار الحق والعدل، يفوق بكثير دورهم فى ميدان التحرير بُغية إسقاط النظام أو تبديله.
ولذا ينبغى أن يكون القضاء مبرأ من كل عيب وخطأ، هذه هى الأسسس التى يقوم عليها القضاء، فما حدث بعد 25 يناير أننا شهدنا قضاة يرشحون من قبل أحزاب يسارية رؤساء للجمهورية، والمؤكد أنهم لا هم ولا الأحزاب التى رشحتهم كان يمكن أن يصلوا إلى هذا المقام الرفيع، ولكنه نوع من أنواع الطموح استغل استغلالا سيئا، حتى أن أحد القضاة فى محكمة النقض يتم اختياره نائبا لرئيس الجمهورية، وهو أمر لم نكن نعرفه من قبل، كما وجدنا رئيس محكمة النقض رئيسا للجنة الدستور، وبعد خروجه للمعاش عين رئيسا للمجلس القومى لحقوق الإنسان، وهذه أمور أساءت بطبيعة الحال إلى الثوب الأبيض للقضاء، لأنهم وجدوا قيادات من القضاء المصرى تتعاطف سياسيا مع هذه التيارات.
فى السياق ذاته أكد مصدر قضائى أن القضاء على مدى تاريخه الطويل، واجه تحديات عديدة وخطيرة، ولكن كل هذه الصعوبات والتحديات منذ ثلاثينيات القرن الماضى لا تقارن بما واجهه القضاء خلال حكم الإخوان، سواء فى مجلس الشعب أو الرئاسة.
كما إن ثقة الشعب المصرى لم تهتز يوما فى القضاء، بل كان يطالب القضاء بالإشراف على الانتخابات لتأكده من نزاهتهم، فكيف تخرج تلك الأصوات من بينه، للإساءة فى حق القضاء، ولكن سرعان ما تبين أن من وراء تلك الأصوات الباطلة هم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية التى ما إن وصلت إلى سدة الحكم حتى مارست أبشع أنواع الهجوم على القضاء بدءا بعودة مجلس الشعب المنحل، وإقالة النائب العام فى المرة الأولى ثم الإعلان الدستورى فى نوفمبر وإقالة النائب العام فى المرة الثانية، ثم مشروعات القوانين والتى كان الهدف منها تصفية القضاء وإخراج أكثر من 3500 من شيوخ القضاة ومن أفضل خبرات القضاء إلى المعاش، حتى تتمكن من السيطرة على القضاء عبر إدخال عناصر موالية لها، والعام الذى حكمه مرسى شهد أسوأ وأكبر أنواع الهجمات على القضاء كما وكيفا، فهل يُعقل أن يصدر الرئيس إعلانا غير دستورى يُغل فيه رقابة القضاء عما صدر ويصدر من أعمال وقوانين وقرارات، فكان قرارا بالغ اللا منطقية وبالغ اللامعقولية.