رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

«بيبرس» ليس آخر الضحايا!

تحقيق: د.هالة أحمد زكى
ستر الله ما جعل هذا السقف لا يسقط أثناء اداء صلاة الجمعة»... هكذا بادرنى رجب محمد مسعود بائع يجلس فى جوار «بيبرس الخياط» هذا الأثر الاسلامى الجميل الذى تعرض سقفه للسقوط منذ أيام ،

 فمنذ عام 1992 وعقب الزلزال مباشرة ظهر ميل بالقبة، ولأنى أعيش فى هذا المكان منذ ستين عاما شعرت بضرورة إبلاغ الحى ، وهناك ابلغونى انه فى حالة وجود دعم مادى لن يتأخروا، والآن حدث ما حذرت منه، ولم يستمع لى أحد.

هذا هو حديث رجل بسيط يفترش المكان المجاور لبيبرس الخياط وهو ليس رأيه. فهو ما اتفق عليه أهل حارة الجويديرية بالأزهر حيث أن الشروخ فى قلب ووسط المسجد  من الداخل والخارج - كما يقول أحمد محمود من سكان المنطقة - كانت محل تعليقات السكان.

أحد أبناء المنطقة يقول : كلما سألنا أى مسئول فى الأوقاف، أجاب بأن الآثار هى المسئولة، والعكس صحيح. والمحصلة أننا رضينا بأن نصلى فى مسجد معلق على صلبات معدنية وخشبية منذ  زلزال عام 1992، وتعاملنا معه رغم مظهره المقلق، وفى النهاية  صدقت مخاوفنا، لنصلى الآن بالشارع. ويستكمل طارق سليم من تجار المنطقة: لا أعرف ما الذى كان بنبغى علينا أن نفعله، فقد استغثنا بوزراة الآثار ووزراة الاوقاف وابلغناهما اننا على استعداد للمشاركة المادية فى الترميم. ولو كانت هناك خطوات جدية لجمعنا ضعف المطلوب ماديا لاجراء الترميمات. والحمد لله أن سقوط السقف لم  يحدث أثناء صلاة الجمعة والا  لشهدت المنطقة كارثة كبرى.  

كلام ليس فى حاجة إلى تعليق،  فهؤلاء هم أهل حارة الجويديرية بالأزهر الذين شهدوا انهيار سقف مسجد  بيبرس الخياط أو قبة ومدرسة بيبرس الخياط حسب التوصيف المعمارى والتى   تعد من  أندر وأجمل الآثار الاسلامية، فهي  حسب وصف د. حسنى نويصر أستاذ الآثار الاسلامية  من أندر المنشآت  المسجلة والمعروفة  فى الآثار المصرية الإسلامية ،  و تضم دكة المبلغ التى تعتبر من أهم التفاصيل الأثرية بالمسجد ولها حجة شرعية بوزارة الاوقاف، حتى أن على باشا مبارك مهندس التحديث المصرى فى زمن الخديو إسماعيل قد كتب عنه. كما أن بيبرس الخياط - كما ذكر  د. عاصم محمد رزق فى موسوعته أطلس الآثار  الاسلامية والقبطية -  كان أميرا مملوكيا يعمل خياطا للسلطان الغورى الذى كلفه بالذهاب إلى حلب وحراسة أطراف البلاد وكشف الأخبار عقب هجوم الشاه إسماعيل شاه الصفوى على حدود الدولة بالشام ، وقام بإنشاء هذه المدرسة والقبة، التى اكتملت  عمارتها  عام 1515  أى منذ 500 عام بالتمام والكمال، وهو ما يعني  أن السقف قد سقط فى  وقت كان من المفترض أن نحتفل فيه بهذه القطعة الأثرية الجميلة.


حكايات حبس الرحبة

ولكن هل يمكن أن نعتبر ما حدث لبيبرس الخياط مجرد حادث فردي، مقيد ضد مجهول؟ وإن الاهمال وعدم الاكتراث سببان يمكن تجاوزهما. فعلى امتداد القاهرة التاريخية شواهد  تؤكد لنا أن  بيبرس الخياط  ليس وحيدا، فهناك فى مكان ليس بالبعيد فى الجمالية وتحديدا فى شارع حبس الرحبة يوجد مبنى يشوبه الغموض، حتى انه لا يوجد ما يدل عليه سوى لافتة اسم الشارع المثبتة على جدرانه.

أهل الشارع يطلقون عليه اسم وكالة أودة باشى القائد العسكري،  ومنهم من يطلق عليه اسم وكالة بازرعة، وهناك بالفعل وكالة لبازرعة قام المجلس الأعلى للآثار بترميمها. و لهذا فالناس فى الحى تعتبر هذه الوكالة مشابهة لبازرعة التى لا تبتعد كثيرا عنها . والوكالة بشكل عام تعانى من اهمال جسيم حتى أنها تبدو جزءا منفصلا عن حى الجمالية، وأهل الحى هنا يرون أن المكان هذه المرة لن يشهد حادث سقوط  سقف أو حائط  بل كارثة كبيرة فى شارع حبس الرحبة.

وهناك مفارقة غريبة، فالشارع يحمل اسم  حبس الرحبة، وأهل الوكالة يقولون أن وضعهم الآن هو حبس للرحمة وخاصة أنها تتوسط وتجاور مجموعة من الآثار المهمة التى  طالتها يد الترميم. وأما المفارقة الأغرب فهى ان المجلس الأعلى للآثار قام منذ 13عاما بالاعلان عن خطة خمسية طموح لصيانة القاهرة التاريخية، تتم على أربع مراحل ضمن مشروعات الحفاظ على التراث الحضارى وكان من المفترض ان تبدأ عام 2002 وتنتهى عام 2007، و تشمل تطوير وترميم 47 مبنى أثريا فى منطقة الأزهر و الحسين و الغورية والدرب الاحمر فى المرحلة الأولي، على أن تختص المرحلة الثانية بترميم 25 مبنى اثريا فى منطقة النحاسين وبيت القاضي، بينما تتابع  المرحلة الثالثة  ترميم 44 مبنى أثريا فى منطقة الجمالية والخرنفش، و تشمل المرحلة الرابعة 30 مبنى أثريا  بمنطقة باب الوزير وباب زويلة.

ولكن الآن وعلى أرض الواقع ، يبدو الوضع مختلفا عن خطة المجلس الأعلى للآثار الطموح أو حتى عن خطة الحى لتجميل المنطقة وتأمينها، فعند الوصول إلى  الوكالة تقابلك واجهتها المظلمة التى تحجب تماما تفاصيلها، حتى أن أى عابر للشارع  لا يستطيع  أن  يرى الداخل أو أن يعرف إذا كان هذا المبنى أثريا أم لا. فكل ما يتصدر المشهد عدة صلبات ودعامات  تعنى أن هذه الوكالة تعتبر اثرا اسلاميا . فهى تنتمى إلى العصر العثمانى ولكن لم يصبها الدور فى الترميمات، رغم أنها فى الأصل تضم ورشا للنحاس،  وأما آخر ما شهدته من تدهور فقد كان سقوطا للسقف على احدى مخارط المعادن.

مصير غامض

حتى لو اعتبرنا اننا اخطأنا فى وضع توصيف أثرى للمبني، وأنها ليست محسوبة ضمن الآثار الاسلامية فالسؤال هو كيف  يمكن لمبنى يمثل خطرا على الآثار الاسلامية أن يترك على هذا الحال وفى هذا المكان؟ ما يحدث فى الداخل ليس سرا،  فقد أبلغ أهل المكان المسئولين عن الآثار منذ أكثر من عام، وهناك العديد من الشكاوى بلا جدوي. وعندما عرفنا و سمعنا عن  زيارة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء لشارع المعز والجمالية، تفاءلنا خيرا كما يقول مجدى عبده أحمد مالك لورشة تلميع نحاس-لأن مشكلاتنا ستكون  فى طريقها إلى الحل. ولكن إلى الآن لم يحدث جديد، و بالفعل شب حريق بالوكالة  منذ أكثر من عشر سنوات، وتمت وقتها السيطرة عليه. وهناك من يأتى ليقول لنا أن هناك ورشا فى النهضة يمكن الانتقال إليها، ولكن إذا انتقلنا إلى هناك بهذه الخامات قد لا نجدها. كما أن المسافة بعيدة، والحديث عن النقل  إلى ورش أخرى لم يعد متداولا كما كان قبل الثورة،  والتعويض بمبلغ مادى زهيد ليس كافيا.

فوق السطوح

يبدو المشهد مخيفا إذا نظرنا إلى الاسقف، فأى سقوط للأمطار يعنى مشكلة للوكالة التى تسبح فوق مياه صرف صحى وهو ما  يزيد الأمر تعقيدا، ويحول أرضيات الوكالة إلى مأساة كبيرة. لا يمكن تغيير الأرضيات لأن هذا التغيير قد تعترض عليه الآثار. وقد قدمنا أكثر من شكوى فما حدث من سقوط للحائط على مخرطة عند الفجر ينذر بسقوط للأسقف علينا، ويستكمل نبيل صبحى عامل بالوكالة قائلا اننا  حتى لو احضرنا رملا فقط  لتدخلت الآثار فماذا نفعل؟

ويشير  صلاح أحمد عامل إلى  أنه من آن إلى آخر  يلاحظ العمال سقوطا للأتربة والرمل فى الورش بالاضافة إلى ما حدث من سقوط للحائط فوق المخرطة.

ويضيف مجدى عبده:  أن المشاركة  بآلاف الجنيهات للإصلاح ليس فى مقدرة كل الموجودين فى الوكالة، وهناك مشكلات حدثت لبعض الناس الذين جددوا ورشهم على حسابهم. والأزمة التى تفرض نفسها  اننا نشعر بأن المكان بغض النظر عن مشكلة الصرف الصحي، أصبح خطرا علينا وخاصة أن الوكالة كانت تعلوها مساكن تركها أهلها بعد حصولهم على شقق سكنية.

ويقول عفيفى صادق محمد صاحب محل بالمنطقة أن الشارع نفسه شهد حديثا تغيير الأرصفة، وأن هذه الدعامات  موجودة منذ فترة ولم يحدث جديد.

هل تعرفون القاهرة

لابد أن نتعرف على القاهرة التاريخية ـ والكلمة للدكتور حسنى نويصر أستاذ الآثار الإسلامية ـ فعندما دخلت الحملة الفرنسية مصر، كان عدد الآثار الاسلامية الموجودة وقتها يصل إلى مائة ضعف الموجود الآن.

كانت الآثار الاسلامية فى حالة جيدة، فكل مبنى كان يتم تخصيص وقف عليه ليساعد فى ترميمه وإصلاحه سواء كان مسجدا أو سبيلا أو وكالة أو مدرسة.

وظلت هذه هى حال هذه البنايات حتى قرر محمد على باشا والى مصر فك الوقف الأهلي، وضم الأوقاف للدولة. فتغير المشهد ولم يعد لأى مبنى وقف يرعاه. ولهذا ينبغى إعادة النظر فى مفهوم هذه المبانى من أجل  المحافظة على القاهرة التاريخية التى تعتمد على«التخطيط المتضام» بابعاد مصادر الخطر عنها والنظر إلى حركة الترميمات نظرة خاصة وشاملة لكل منطقة. والتخطيط «المتضام» فى القاهرة يعنى ضمها  بعضها بعضا من خلال حوارى ضيقة ومتعرجة ومنغلقة لا يزيد عرضها على 3 أمتار، وكأن القاهرة بهذا التكوين تتضامن وتتكامل فيما بينها.

كما أن فلسفة البناء  كانت تقوم على حرمة البيوت، فلا يوجد باب يواجه بابا آخر، وأن يتعاون الجميع فالشمس تشرق على بيت ويحتفظ بالظل البيت المقابل، والعكس صحيح فى ساعة الغروب وكأن المقصود هو عدالة التوزيع والتكامل مع الاحتفاظ  بالخصوصية. ويجب أيضا التوصل لحل مشكلات المياه الجوفية التى تهدد الكثير من الآثار مع الوضع فى الاعتبار أن كثيرا من الآثار قد تعرض للدمار نتيجة الظروف التى مرت بها القاهرة. فهناك ما يقارب 200 أثر هدموا على جانبى الخليج المصرى الذى ردم واستغلت مساحته فى تسيير خطوط الترام، ولكن لم يتم الردم بشكل كامل وصحيح، وهو مسئول عن ارتفاع مستوى المياه الجوفية فى القاهرة.

تجاوز عمرانى

وكثير من مشكلات القاهرة التاريخية كما يقول   د. محمد حسام الدين إسماعيل أستاذ الآثار الاسلامية بجامعة عين شمس- سببها  المسئولية عن الآثار الاسلامية نفسها. فمن هيئة لحفظ الآثار الاسلامية، إلى ما حدث من  اخراجات  لبعض المبانى  من الآثار فى الستينات دون سبب واضح، و ما حدث من استخدام  بعض الهيئات الحكومية للأسبلة والمدارس حتى حددت فى السبعينات  ميزانية للآثار الاسلامية، فكلها أشياء تؤثر على صيانة وترميم الآثار. كما أنه مع  مرور السنوات وتضارب الاختصاصات يمكنك أن تجد أثرا مجاورا لسبيل أم عباس فى حى الصليبة يستفاد به الآن كمحل كهربائي. وأسبلة وحمامات انقلب نشاطها إلى محلات للبقالة بعد أن طمست معالمها. ينتهى الحديث وإن كنا فى النهاية لابد وأن نشير إلى حالة الاهمال والتراجع التى تشهدها القاهرة.  فلغز غامض هو ما تعيشه القاهرة التاريخية هذه الأيام ...فمدينة المعز الجميلة  التى تحملت البشر والتعديات والاهمال هى نفسها من يعانى الأن من ازمة كبيرة تنتظر التدخل...فهل من خطة واقعية طموح؟!    

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق
  • 1
    مصطفى عوض
    2015/07/06 09:44
    0-
    0+

    تأجير المنطقة
    فى اعتقادى ونظرا للظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد فمن الصعب نتصور أن الدولة لديها ماتستطيع أن تنفقه لتجديد وصيانة مثل هذه المبانى ولكن اذا كانت الدولة لاتستطيع فهل نقف مكتوفى الايدى وننظر الى مثل هذه المبانى التى تمثل ثروات تاريخية وسياحية وماليه وهى تتساقط الواحد تلو الآخر؟. أعتقد أنه من الممكن تأجير هذه المبانى لشركات تقوم بالترميم والصيانه وتجعلها مزار سياحى وتحصل على ريع ايرادات الدخول (بالمعقول) وأرباح ماتستطيع تقديمه داخل هذه المبانى من أنشطة سياحية وبازارات . ومن الممكن أن يقوم متخصصون ماليون أو اقتصاديون بوضع تصورات لمثل هذا المشروع الذى يمكن أن يعود بالنفع على الدولة والافراد وتشغيل عدد لابأس به من الشباب العاطل
    البريد الالكترونى
     
    الاسم
     
    عنوان التعليق
     
    التعليق