التعليم المفتوح .. الباب الخلفي للوجاهة
نحو أربع وعشرين سنة مرت على التعليم المفتوح فى مصر، ولا يزال يثير الجدل والنقاش بشأنه، مرة بعدم أهميته وجدواه، وأخرى بأن خريجيه هدفهم الوجاهة الاجتماعية ليس إلا، وثالثة بأن الهدف هو الترقى فى العمل وتسويته بمن يحمل مؤهلا عاليا قبله.
وعلى الرغم من أن هدف التعليم المفتوح، هو التعليم من أجل التعليم، فإن مشكلات عدة واجهت هذا التعليم وخريجيه، آخرها امتناع نقابة المحامين عن قيد هؤلاء الخريجين، وكانت حجة سامح عاشور فى ذلك أنه يضر بمهنة المحاماة، وإذا كانت الجامعة تعترف فعلا بالتعليم المفتوح، فلماذا لا تقبلهم فى هيئاتها التدريسية، لماذا لا يقبلهم القضاء كأعضاء نيابة، فحين تقبلهم الجامعة بهيئة التدريس والقضاء بالنيابة هنا سنقبلهم على الفور.
وهنا نتعرض لوجهات النظر فى هذا التعليم، هل إنشاؤه كان على أسس علمية ومبادىء، وما السبيل لنجاحه كما دول العالم، وهل من يدرس هذه البرامج عليه معرفة ما له وما عليه من خلال وضوح وشفافية.
فالدكتور معتز خورشيد وزير التعليم العالى الأسبق رأى أنه من حيث المبدأ أن هناك تطورا غير مسبوق فى التعليم والتعلم والتكنولوجيا، سواء كان تعليما عبر الحدود، أو تعليما عن بعد، أو تعليما تكنولوجيا، ومن ثمّ تسعى كل دولة إلى تطوير نفسها فى مجال التعليم والبحث العلمى، وذلك من خلال وضع استراتيجية للتعلم مدى الحياة، مثل دولة فنلندا، وكذلك استراتيجية الاتحاد الأوروبى فى التعليم مدى الحياة، " من المهد إلى اللحد.
ويشير د. معتز أن التعليم والتعلم مدى الحياة نشأ أساسا لسببين رئيسيين، الأول: أن التخصصات والعلوم تتطور بشكل سريع، وبالتالى الشهادات تفقد صلاحيتها بعد فترة معينة، ومن ثمّ يتعين وجود دورات معينة للتطوير والتقدم، والسبب الثانى، هو أسواق العمل فى الألفية الثالثة فهى تطلب مهارات متعددة ينبغى اكتسابها على الدوام وليس فقط قبل التخرج، بل بعد التخرج، وذلك من خلال هيئات تهتم بتنمية ذلك.
وجوده ضرورة
ويضيف: ان كل ما سبق يؤدى إلى تعليم مدى الحياة، وهذا يتطلب منا أن يكون لدينا مراكز ملحقة بالجامعات، وكان من المفترض أن يلعب التعليم المفتوح دور التعليم مدى الحياة كما فى كل دول العالم، فالتعليم حق للجميع، ولا ينبغى أن نغلقه على فئة بعينها دون غيرها، فكل شخص لم يستطع إكمال تعليمه ثم تهيأت له الظروف بعد فترة فلا مانع إطلاقا من السعى للحصول على درجة معينة من التعليم، وأن يلعب التعليم المفتوح دورا لمكافأته، ولكن ينبغى أن يكون فى الدرجات المهنية، ولا يقبل عليه إلا من له خلفية مهنية تسمح له أن ينجح فى عمله، ومن ثمّ يكون للتعليم الفتوح الدور فى تنمية واستكمال دراسته بعد مضى فترة له فى العمل، فالتعليم المفتوح وجوده ضرورة.
ويتساءل د. معتز، هل التعليم المفتوح سار على الأهداف التى وُضع من أجلها أم لا؟ ويجيب أننا لا نستطيع الجزم بذلك، وعلينا أن نسعى إلى تطويره وليس إلغاءه، وإعادة تطوير مساره، وضمان جودة خريجيه ودرجاته العلمية، ونقصد به هنا ضمان الجودة والاعتماد، ومن الممكن الارتقاء به من خلال تحسين جودة العملية التعليمية، حتى ولو كانت على طلاب التعليم الالكترونى أو التعليم عن بعد أو التعليم عبر الحدود، إذ الأزمة ليست فى الحضور من عدمه بل الأزمة فى الجودة ومتابعة برامجها، فلا أحد ينكر أن التعليم المفتوح كان له دور فى توفير 70 % من استثمارات جامعة القاهرة فى وقت ما، ولذا علينا النظر إليه نظرة مختلفة وإعادته إلى مساره الصحيح، والاستفادة من تجربة الدول فى هذا المضمار.
له أهداف تحققت
بينما د. رشاد عبداللطيف نائب رئيس جامعة حلوان الأسبق لشئون التعليم والطلاب رأى أن أهداف التعليم المفتوح تحققت جزئيا، أهمها: ارتفاع الطموح لدى الشباب لاستكمال التعليم العالى، ثانيا: هناك تخصصات لم يستطع الطالب الالتحاق بها بسبب مجموعه، حققه له التعليم المفتوح، والثالث هو تغيير المسار، لمن لم تسعفه ظروفه من استكمال التعليم العالى.
ويشير د. رشاد إلى أنه يجب التفريق بين التعليم من أجل العمل والتعليم من أجل التعليم، فالتعليم المفتوح هو من أجل التعليم، فحين صدر تطبيقه كان من أجل تعليم من فاتهم قطار الالتحاق بالتعليم العالى، وليس لأى هدف آخر.
ويضيف أن التعليم المفتوح يواجه عقبات وتحديات، أهمها، عدم استكمال الدراسات العليا، وهو صعب فى كل الأحوال، لكثرة العدد، وكذلك الالتحاق بالنقابات المهنية، ووجدنا كيف أن نقابة المحامين ترفض قيد خريجى التعليم المفتوح غير المسبوقة بثانوية عامة، ونفس الأمر فعلته نقابة الصحفيين.
ويفرق د. رشاد بين التعليم النظامى والمفتوح، فيقول، لا يصح بأى حال من الأحوال أن نضع التعليمين فى كفة واحدة، فالفرق بينهم كبير، فالنظام خمسة أيام فى الاسبوع، بينما المفتوح ساعتان فقط أسبوعيا، والنظامى تكون الدراسة فيه متأنية ومتشعبة وتعليما مركزا، وهو عكس المفتوح.
ويضيف أن طالب التعليم المفتوح هو بالأساس يعمل فى وظيفة، فهو دائما فى حيرة في التوفيق بين عمله ودراسته، فالأساس التعليم المفتوح أن يكون وسيلة للارتقاء بالمجتمع، وليس هدم قوى المجتمع، وينبغى أن نعطى أملا للشباب، ولا ننظر إليه نظرة تشاؤمية، والتعليم المفتوح موجود فى كل دول العالم تحت اسم التعليم المستمر.
الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية قال إن التعليم العالى له شروطه ومعاييره وضوابطه، وحين تم ذلك كان على أساس أن يكون هناك أساتذة وطلاب على درجة كبيرة من الثقافة والعلم، وأن تكون أنشطة جامعية معينة يتم من خلالها إعداد الطلاب من خلال استخدام المنهج العلمى.
وخلال النصف الثانى من القرن العشرين، حدث أن الطلب الاجتماعى على التعليم العالى كبير، وأن الجامعات لدينا عددها محدود، والخريج كان على درجة عالية من المهارة والقدرة، والأهم كانت هناك علاقة بين الخريج وسوق العمل، وكان هناك شكل من أشكال التخطيط السليم، ولم يكن هناك عبء على الدولة، وفى عهد السادات زاد الطلب على التعليم العالى، وقلت فرص العمل، ولم يكن هناك تخطيط مركزى، وبدأ طابور البطالة فى ازدياد، ومن هنا فإن الدولة وجدت نفسها أمام معادلة صعبة، بعد ازدياد الطلب على التعليم العالى، وأن الناجحين فى الثانوية العامة لديهم رغبة فى دخول الجامعات، ومن ثمّ لجأت الدولة لبعض الحلول، يمكن تسميتها بأنها مسكنات، أو هروب من مواجهة مشكلة، أو الحفاظ على الشكل دون المضمون، مثل التوسع فى الانتساب لأنه أقل تكلفة من المنتظم، كما أن التوقيت يكون مختلفا، وكذلك كان السماح بإنشاء العديد من الجامعات الخاصة، والتوسع فى المعاهد المتوسطة والعليا مع عدم التأكد من جديتها وأماكنها، ومن ثمّ رسخنا لتفشى آلة الفساد، وتتكفل فكرة الضغط الجماهيرى فى استمرار هذه الأماكن.
ثم كانت الوسيلة الرابعة للتعامل مع هذا الوضع، التعليم المفتوح، وكان لسان حال الدولة أنه ليس لديها إمكانات، فأعطت الشهادات لهؤلاء الملتحقين أيا كان مستوى ما حصلوه، إضافة إلى وجود عدد من المدرسين بالتعليم المفتوح كان اهتمامهم به كمورد إضافى ليس إلا، وفرصة لتخليص الجامعة من بعض مشكلاتها المادية.
والنتيجة هى الحصول على شهادات لا تعنى أى شىء، فلا يمكن تصور أن تكون هناك شهادة فى ليسانس الحقوق، أو بكالوريوس تجارة نتيجة ساعتين فقط كل يوم جمعة، فلا توجد أبحاث أو سيمنارات، أو نقاشات بين الطلبة ومدرسيهم، ولا احتكاك مستمرا بينهم، إذن الواضح هو الحصول على شهادة فقط للتباهى.