رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الثورة ومستقبلها.. من منظور فلسفى

كتب:د. مصطفى النشار
تتعدد المداخل الفلسفية التى يمكن أن نحلل بها الثورة المصرية بتعدد الفلاسفة الذين تناولوا ظاهرة الثورة على مدى تاريخ الفلسفة منذ أرسطو صاحب أول نظرية فى فلسفة الثورة وحتى الآن . وربما يكون المدخل الآرسطى هو الأكثر صدقا فى تفسير وتحليل ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، حيث كانت كل أسباب الثورات التى أشار إليها فى كتابه الشهير "كتاب السياسة " متوافرة آنذاك بداية من مخالفة الحكومة المبدأ السياسى الذى قامت عليه وتسلطها على البلاد والعباد مستبدة بكل شئ ومانعة لأى حراك اجتماعى يسهل المشاركة السياسية عموما وفى المناصب القيادية على وجه الخصوص.

وحتى الأسباب الاجتماعية والنفسية للثورة فى ظل أى نظام سياسى مثل الاحتكار الذى كان سمة الاقتصاد المصرى عبر تحكم أسرة الرئيس وعدة أسر فى عجلة نموه وعوائده، والاحتقار الذى سرى بين الحكام تجاه المحكومين لدرجة أن صرح بعضهم بأن الشعب الذى يحكمونه ليس أهلا للمشاركة ولا يستأهل الديمقراطية والحريات، فضلا عن ذلك النمو غير المتناسب لطبقة سمت نفسها طبقة رجال أعمال وبعضهم ليسوا سوى لصوص استولوا على أموال البنوك ونهبوا موارد وأراضى الدولة. كل تلك وغيرها كانت أسبابا يمكن أن يكون أحدها حسب النظرية الآرسطية كفيلا بتفجير الثورة .

السؤال الجوهرى فى قراءة مستقبل الثورة المصرية بعد موجتيها فى 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، هو هل يمكن أن ينتهى مسار التحول الثورى فى مصر إلى هذه النبوءة التى يراهن عليها حكماء الفلول من الجانبين "أن هذه الأوضاع الثورية ستصفى وتنطفئ تلقائيا " كل ماهنالك أنه ينبغى " أن نتركها للزمن " حتى تعود الأمور إلى نفس المسار التى كانت عليه ؟

الحقيقة أنه على الرغم من مأزق اللحظة الراهنة ، وعلى الرغم من كل التحديات التى يواجهها المصريون من مؤامرات داخلية وخارجية، فإننى أعتقد أن مايحدث على أرض مصر الآن يجعل احتمال العودة إلى نقطة الصفر احتمالا مستحيلا ؛ فالثورة الأصيلة الثانية ، ثورة الثلاثين من يونيه نجت من الارتجالية التى اتسمت بها الثورة الأولى فى 25 يناير، وهذا سيجنبها الانحراف عن تحقيق الأهداف ؛فلقد قامت الثورة الثانية مصحوبة بخارطة طريق واضحة وبتخطيط دقيق استشرف الأهداف ورسم الخطط الاستراتيجية لتنفيذها . والحقيقة أن الكثير من هذه الخطط بدأ تنفيذه بالدقة والحسم المطلوبين ، ومن ثم يمكن القول أن مصر بدأت طريق الخروج من النفق المظلم إلى نهار جديد يبشر بالأمل ويسكنه التفاؤل بالمستقبل .

الحقيقة أنه لكى يتم ذلك ينبغى أن ندرك بداية أن روشتة التقدم الحضارى تقوم فى معظم دول العالم على دعامتين هما : العلم النافع والعمل المتقن. أما فى حالتنا واتساقا مع قيمنا الحضارية وارثنا الفكري، فالأمر يتطلب إضافة دعامة ثالثة يتكئ عليها ويتقوم بها ويحفزها لدى الأفراد والمجتمع، وهذه الدعامة تتمثل فى العودة إلى روح الاسلام الأصيلة والحقيقية ، تلك الروح البانية للحضارة وليست المعوقة للبناء الحضارى .وتلك الروح يلخصها ثلاث أسس هي:

• الايمان بضرورة التغيير الايجابى الذى عبرت عنه الآية الكريمة " ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم " .

• العودة إلى اتقان العمل ، وهذا ماعبرت عنه الآية الكريمة " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ؛ فالعمل الجاد هو الأساس المادى للحضارة ، والاجادة هنا ليست لمجرد الكسب المادى الدنيوى بل أيضا لكسب رضا الله ورسوله .

• تغليب فاعلية الأعمال على مظاهرها الايمانية ؛ وذلك ما نلاحظه فى هذه الحادثة البسيطة التى بدت فى كلمات رسول الله محمد التى قالها بعد العودة من غزوة تبوك وكانت فى شهر رمضان وعانى فيها المسلمون من مشقة الصوم، حيث قال " لقد ذهب المفطرون بالأجر"؛ ومغزى هذه الحادثة وهذا القول تبدو فى أن الرسول الكريم فضل الفعالية على التمسك بظاهر العبادة ، لقد أعطى الأولوية لفضيلة الفاعلية على فضيلة الأصالة . ولعل ذلك يتسق أيضا مع قوله عليه الصلاة والسلام " إن المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " .

إن المعادلة الحضارية اللازمة لنا إذن هى : علم نافع + عمل جاد + روح الاسلام الدافعة إلى التقدم = حضارة متقدمة. أما الباعث للنهضة الحضارية بالنسبة لنافيمكن أن يقوم على مبدأين اثنين فقط هما: جميع الأيادى يجب أن تعمل، وكل الناس لابد أن تجد قوتها .

ويمكن بلورة هذين المبدأين فى شعار واحد ، يمكن أن يكون له تأثير ثورى إذا عمم ونشر فى كل مكان بالشوارع والهيئات والوزارات، نصه "بالعمل الجاد تنهض الأمم ويتحقق الرخاء". وفى اعتقادى أنه إذا كان هذا هو شعارنا واستهدفنا فى كل خططنا تحقيق هذين المبدأين ، ستتحد الخطط مع الأهداف ويندفع الجميع إلى العمل شاعرين بأن عدالة التوزيع ستشملهم وأن الكل سيجد ما يقيم أوده بكرامة فى مجتمع عادل ومنصف. أما الركائز اللازمة للنهوض وصنع التقدم فهى تتلخص فى رأيى فيما يلي:

• بناء نظام تربوى وتعليمى جديد يقوم على تحفيز الابداع واكتشاف المواهب وصقلها، وينزاح عنه مشكلة الازدواجية اللغوية وتعدد الصور والمناهج التعليمية .

• الاهتمام اللامحدود بالنهوض بالبحث العلمى من كل النواحى المادية والمعنوية والعمل على ربطه بحاجات البلاد الفعلية .

• التحول من خلال التركيز على الركيزتين السابقتين إلى عصر مجتمع واقتصاد ومدن المعرفة .

• اصلاح وتحديث الخطاب الدينى حتى يكون للدين الفعالية المطلوبة للتحفيز على العمل والتقريب بين المذاهب والشيع المختلفة وتوجيه كل الجهود ناحية البناء ومواجهة التحديات الخارجية ، وليس موجها نحو تأجيج الصراعات الداخلية وصنع الفتن وتكريس الانقسامات .

• تحقيق طفرة نهضوية وحدوية على الصعيدين السياسى والاقتصادى عن طريق انشاء "اتحاد الدول العربية " بحيث يكون له سلطة تنفيذية مركزية تعمل على تنمية وتعظيم القدرات العربية المشتركة مستفيدة من كل الموارد الطبيعية والبشرية العربية فى كل المجالات .

إن هذه هى خارطة الطريق العربية للمستقبل بآليات تنفيذها، التى تمكننا من مواجهة ما يحيط بنا من تحديات أصبحت تهدد صميم الوجود العربي.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق