وفى إحدى الليالى المظلمة دقت طرقات سريعة على باب منزل أحد العلماء الألمان. وسرعان ما أبلغ الطارق الغامض العالم الألمانى رسالة شديدة الأهمية. كانت الرسالة تأمر العالم الألمانى بمغادرة منزله فورا ومعه خلاصة أبحاثه العلمية والتكنولوجية السرية والهروب من ألمانيا بعيدا عن القوات الروسية المتقدمة ومن قبلهما جهات الأمن الألمانية.
وسرعان ما ظهر العالم الألمانى من جديد فى قلب بريطانيا محاطا بالأمن ومجموعة من الخبراء البريطانيين والأمريكيين الذين عكفوا على نقل وتطوير كل ما توصل إليه!
"القوة ـ تى"
تكررت تلك العملية كثيرا خلال الأعوام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية فى إطار حرب سرية بين الحلفاء والنازيين من جانب وبين الحلفاء بعضهم بعضا من جانب آخر. كان الهدف الأساسى هو الإستيلاء على كافة الأسرار العلمية والتكنولوجية الموجودة لدى ألمانيا النازية ونقل أكبر عدد من العلماء والخبراء الألمان إلى بريطانيا للإستفادة بما حققوه من تقدم علمى بالإضافة إلى تأمين بعض الأهداف الحيوية مثل خطوط الإتصال لأهميتها للقوات المتحالفة الغازية، أما الهدف الأكثر أهمية فكان منع وصول كل ما سبق إلى "الحلفاء" السوفيت!
وك=انت الصحف البريطانية قد أشارت إلى خبيئة الوثائق والصور التاريخية التى إكتشفها بير جريلز حفيد البريجادير تيد جريلز قائد القوة السرية البريطانية المعروفة بـ "القوة ـ تى" (تارجت فورس) التى خاضت الحرب السرية للإستيلاء على الأسرار العلمية والتكنولوجية الخاصة بألمانيا النازية والتأكد من عدم وقوعها فى يد السوفيت.
وقد تأسست "القوة ـ تى" أثناء الإعداد لغزو نورماندى فى يونيو 1944 الذى يمثل بداية إنهيار الجبهة الغربية لألمانيا وبداية النهاية لهتلر وألماينا النازية بوجه عام. وكان الهدف الأولى هو التوصل إلى أسرار الأسلحة الألمانية المتطورة و المراكز البحثية ذات الصلة وتحديد هوية العلماء المسئولين عن المشروعات النازية التكنولوجية المتطورة مثل برامج إنتاج الأسلحة الذرية والكيميائية والمحركات النفاثة والصواريخ بعيدة المدى طراز "فى ـ 2" والغواصات فائقة السرعة.
الحرب السرية
وإذا كان التاريخ المعلن المعروف يقول بأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تحالفوا مع روسيا السوفيتية من أجل القضاء على النازية فى ألمانيا ونجحوا فى ذلك وإقتسموا أراضى ألمانيا فيما بينهم بعد إستسلام الأخيرة رسميا فى مايو 1945 إيذانا بنهاية الحرب العالمية الثانية فى أوروبا فإن الواقع والوثائق الجديدة تقول بغير ذلك!
فقد عملت الولايات المتحدة وبريطانيا على منع السوفيت من الحصول على أو الإستفادة من أى أسرار علمية وتكنولوجية خاصة بألمانيا النازية. وقد إستمرت تلك المواجهة السرية أثناء الحرب وعلى مدى عدة سنوات تالية على نهايتها!
ولم يقف السوفيت مكتوفى الأيدى أمام تلك الحرب العلمية التكنولوجية السافرة وقاموا بعمليات مشابهة مضادة للإستفادة من العلماء الألمان وأبحاثهم السرية.
وقد تولى البريجادير تيد جريلز قيادة القوة السرية البريطانية المعروفة بـ "القوة ـ تى" خلال الفترة من عام 1946 وحتى عام 1948 حيث قاد العديد من العلميات الخاصة بالبحث عن العلماء الألمان الذين شيدوا الآلة العسكرية الألمانية الجبارة.
وكانت المرة الأولى التى تم الكشف فيها عن "القوة ـ تى" فى عام 2006 حينما أشارت الوثائق الحكومية البريطانية المفرج عنها أن تلك القوة قامت بتأمين ونقل أكثر من 1500عالم ألمانى إلى بريطانيا والولايات المتحدة منذ عام 1945 والأعوام التى تلتها.
وأشارت الوثائق إلى الكيفية التى تسللت بها تلك القوة السرية البريطانية وراء خطوط العدو للإستيلاء على ميناء كييل الألمانى الإستراتيجى وإحدى القطع البحرية المتطورة. وكيف إكتشفوا موقعا سريا للأبحاث الذرية تحت الأرض وعثروا على العلماء بداخله. وقد خدع أفراد القوة نظرائهم من "الحلفاء" السوفيت للحصول على أسرار تكنولوجية ألمانية متقدمة وتخريب معمل ألمانى سرى للأبحاث النووية بعد إستدراجهم لشرب الخمر حتى الثمالة.
وتمكنت القوة بفضل الخديعة والخمر من الإستيلاء على أسرار الغواصة الألمانية فائقة السرعة ونظام إطلاق الصواريخ بعيدة المدى طراز "فى ـ 1" ومحركات الصواريخ "فى ـ2"، كما أقنعوا عالم المحركات النفاثة والصاروخية الدكتور هيلموت فالتر بالهروب من ألمانيا إلى بريطانيا مصطحبا معه 12 فردا من فريق العمل الخاص به حيث إستكمل أبحاثه المتعلقة بالغواصة فائقة السرعة.
وخلال السنوات التالية على نهاية الحرب العالمية الثانية عملت "القوة ـ تى" على إقناع مئات من العلماء الألمان بالفرار من الشطر الألمانى الخاضع للسوفيت إلى بريطانيا والولايات المتحدة وشنت القوة غارات لتهريب هؤلاء العلماء والإستفادة من خبراتهم فى تطوير التكنولوجيا العسكرية والمدنية.
وقد حافظت بريطانيا على سرية عمل وإنجازات "القوة ـ تى" على مدى عقود حتى أن القائمين بتنفيذ المهام لم يكن يسمح لهم بمعرفة ما الذى ينقلونه أو الشخصية التى يقومون بتهريبها.
وفى البداية كانت القوة مكونة من عناصر عسكرية بريطانية فقط ثم إنضم عدد من الأمريكيين ومجموعة من العلماء والخبراء والفنيين لتقييم ما يتم العثور عليه من معلومات أو أجهزة تكنولوجية فى ألمانيا.
وخلال السنوات القليلة التى تلت نهاية الحرب العالمية الثانية ظهرت بوادر إستفادة الدول الغربية والإتحاد السوفيتى من الأسرار العلمية والتكنولوجية الألمانية فى المجالات العسكرية والمدنية. وتم تطوير الطيران العسكرى ثم المدنى بواسطة المحركات النفاثة كما ظهرت الصواريخ بعيدة المدى والفضائية.
ومن المعروف أن النظام العالمى الحالى تم تشييده إستنادا إلى نتائج الحرب العالمية الثانية وتداعياتها بداية من تأسيس منظمة الأمم المتحدة وتوزيع المقاعد الدائمة بمجلس الأمن مرورا بنادى الدول الحائزة على السلاح النووى وصولا إلى الهيمنة الإقتصادية والمالية عبر المؤسسات الدولية التى ظهرت جميعها عقب نهاية تلك الحرب.