لقد كان زوجى يعمل فى القطاع الخاص, وكما تعلم ياسيدي, فإن الالتزام بالمواعيد هو شرط الاستمرار فى هذا المجال, ولذلك لم يكن يستمر فى أى عمل يلتحق به أكثر من شهر واحد ثم يجلس ستة أشهر على الأقل بلا عمل، فأصابنى الإحباط, لكنى تماسكت وانهمكت فى عملى وبيتى على أمل أن تنصلح حاله, وان يوقن أن استقرار بيته هو الهدف الأسمى الذى يجب أن يصل اليه, ولكن الحال استمرت كذلك 11 سنة كاملة.
ورزقنا الله بأطفال كبروا ودخلوا المدارس, فلم يشعر بمسئوليتهم, وصرت أنا الأب والأم لهم، وصار يومى مشحونا منذ الصباح الباكر وحتى موعد خلودنا الى النوم، فأعد طعام الإفطار واصطحب الأولاد الى المدارس ثم أذهب الى عملي, وأعود فى مواعيد خروج التلاميذ من المدارس لكى أخذهم معي, وأسابق الزمن لإعداد طعام الغداء ثم ارتب لهم المذاكرة, وأقوم بشئون المنزل كاملة, وكل الطقوس اليومية أتحملها وحدي, وزوجى نائم أو جالس على المقهى مع شلته.. وتحملت كل العذاب عسى أن يتغير مع الأيام أو يلين له جانب من كثرة كلامى معه، ولكن هيهات.
ولجأت الى أهلى وأهله, وطالت جلسات الحوار والمناقشة فلم يفكر حتى فى دفع فاتورة التليفون أو الكهرباء, أو حتى الاهتمام بالوقوف مع النجار أو السباك لإصلاح عطل فى المنزل.. منتهى السلبية, وانتهوا جميعا إلى ان هذا نصيبى وعلىّ أن أتأقلم مع زوجى بكل سلبياته من أجل الأولاد.
لكننى أصررت على طلب الطلاق فأنا فى كل الأحوال مسئولة عن أولادي، ولكن عندما أقوم بهذه المسئولية بمفردى ودون وجود شريك ولو بالاسم فهذا افضل لى على الأقل من الناحية النفسية، وانفصلنا منذ أكثر من عشرين عاما، وسارت الأمور كما هي, وكبر أولادى وتخرج بعضهم فى الجامعة, والباقون فى الطريق، ومازال أبوهم عاشق المقهي, جالسا عليه, وقد تعدى سن الستين, وهنيئا له روقان البال!، وإنى أسألك : كيف ترى الرجل الكسول من خلال طوفان الرسائل التى تنهال عليك يوميا.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
البيت الناجح يقوم على قاعدة اساسية بأن الزوج هو المسئول عن الأسرة وهو الذى يعمل ويتولى تلبية متطلبات المنزل والحفاظ على كيان الأسرة، وأن الزوجة هى التى ترعى شئون البيت وتهتم بالأولاد، فإذا اختلت هذه القاعدة وحدث خلل فيها هنا تكون المشكلة وتثور الأزمات بين الزوجين ويهتز ميزان الاسرة.
ولو فتشنا فى أسباب الطلاق وارتفاع نسبته لوجدنا ان عدم قيام الزوج بمهامه الاسرية هو السبب الأول والرئيسى فى انفصاله عن زوجته، فانصرافه إلى نفسه وعدم اكتراثه بمهمته كأب يلقى بأعباء مضاعفة على الزوجة التى تجد نفسها، رجلا وامرأة فى آن واحد، كما هو الوضع فى حالتك ياسيدتي.
واذا كنت قد نجحت بعزيمتك وقدرتك على مواجهة شدائد الحياة فى العبور بأولادك إلى شاطئ الامان, فإن كثيرات قد لا يستطعن ذلك فتنهار الأسرة ويتشرد الاولاد، ومن هنا فإن نصيحتى للزوج الكسول ان يفيق من غفلته، وليعلم أن أولاده لن تقوم لهم قائمة مادام أنه غير مدرك أبعاد ما يفعل.
فعشق الجلوس على المقهى والاسترخاء أمام التليفزيون قد يكون امرا لا غبار عليه اذا كان ذلك فى وقت الراحة والفراغ ـ اما ان تكون الحياة كلها على نفس المنوال، فهذا مرض لا يرجى الشفاء منه الا بمراجعة النفس ووضع حد لهذا السلوك غير المسئول.
أرجو ان تكون رسالتك تحذيرا للآباء الذين ينتهجون نفس منهج مطلقك فى الحياة فتربية الاولاد أسمى هدف للانسان ويجب ان يعى الجميع خطورة الكسل وعواقبه قبل ان يأتى يوم يضيع فيه الأولاد، ولا ينفع الندم.