والكتاب الذى يرتحل به سكاتولين فى قلب نصوص التراث الصوفى مازال من أكثر الكتب مبيعا بعد أن صدر بترجمة أحمد حسن أنور عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2008 وبسبب نفاد ما تم طبعه، تعيد الهيئة طبعه مرارا ضمن مكتبة الأسرة، فلقى قبولا هائلا فى ظل تعطش شديد لما يتصل بالروح والقلب فى صور التدين الحالية، ذلك بعد طغيان كتب تتناول أمورا فقهية أو عن الإسلام السياسى أو لمجرد إثارة الجدل فى الأمور العقائدية عموما والإسلامية خصوصا.
ومن الفصل الأول للكتاب يتضح بجلاء، أن العالم المسيحى جوزيبي، قد وقع فى غرام النصوص التى اختارها لعرضها فى كتابه المكون من 3 أجزاء صدرت جميعها فى مجلد واحد من 684 صفحة من القطع فوق المتوسط، تناول فيها سكاتولين 38 من أعلام التصوف الإسلامي، بدأ من الصحابى الجليل أبى الدرداء ونهاية بابن عطاء الله السكندري.
واختار أن يرتب النصوص حسب الترتيب التاريخى من القرن الأول إلى القرن السابع الهجريين، لإبراز التعاقب الواقعى للأشخاص وأفكارهم وتصوراتهم، ويذهب ليلج فى قلب النصوص مباشرة بعد أن قرر فى صدر الكتاب أنه يريد أن يجعل الصوفية يتكلمون بأنفسهم عن أنفسهم دون تدخل مطول منه قبل عرض نصوصهم التى اختارها ثم يبدو أنه ينأى بنفسه بعيدا ليترك النصوص تتفاعل مع وجدان القاريء وتتسلل إلى روحه لتصب فيوضها النورانية.
وقد يبدو المؤلف بعيدا ولكنه فى كل نص من النصوص يلوح مرتقبا لما تفعله النصوص بقارئه الذى يبدأ معه من بساطة عهد التصوف المبكر مع من جيل صحابة الرسول «صلى الله عليه وسلم» ثم تابعيهم من العباد الزاهدين.
ونصوصهم هنا لا تزيد على شذرات من سيرهم أو أقوالهم، تمهيدا للولوغ فى القول الثقيل فى العهود التاريخية التالية، حيث تتزايد نسبة الفكر الفلسفى فى الجرعات الروحية، لتنتهى إلى التجارب العظمى فى تاريخ التصوف مثل تجارب الحلاج وبن عربى وبن عطاء الله وغيرهم.
غير أن المميز لكتاب «التجليات الروحية فى الإسلام» هو أنه لا ينزلق بالقاريء إلى مزالق الشطحات الصوفية، فينفره من التجربة كما يحدث من كثير من الدارسين بحسن أو سوء نية، فعندما يصل القاريء مع الكتاب إلى آراء الحلاج المثيرة للجدل والتى دفع حياته ثمنا لها، نجد معانى أخرى غير التى قدم بها الحسين بن منصور الحلاج للكثير من الناس، وهنا ندرك أثر «التطعيم الروحي» الذى حرص سكاتولين أن يطعم به قاريء كتابه، فلا نجد القاريء يصاب بما قد يصاب به الكثيرون من الناس عندما تدهمهم مثل هذه الرؤى والأطروحات لاسيما فى كتب المشاهير مثل فصوص الحكم لمحيى الدين بن عربي.
ورغم صعوبة بعض النصوص خاصة ما اختاره من «فصوص الحكم» لابن عربى أو أشعار لكبار شعراء الصوفية مثل عمر بن الفارض و جلال الدين الرومى اللذين يبدوان وقد فتنا المؤلف نفسه كما فتنا الغرب.
والكتاب الذى نرشحه هنا ليكون كتاب الأسبوع للقاريء، مدخل ثرى إلى الحياة الروحية التى أهملت فى الثقافة الدينية الحالية سواء على مستوى الدارسين أو القراء والتى بدت وكأنهاتتجاهل الكثير من التراث الروحى ولا ترى فيه إلا شطحا لصالح ما هو فقهى وتشريعى ولو على حساب الروح.
الكتاب: التجليات الروحية فى الاسلام
المؤلف: جوزيبى سكاتولين
الناشر: الهئية المصرية العامة للكتاب الطبعة الأولى 2008