فى العديد من المواقف التى واجهتها فى حياتى، لكننى الآن وبرغم ذلك أجدنى عاجزة عن الوصول إلى حل لمشكلة تقض مضجعى، وربما تكون سببا فى انهيار بيتى، فأنا سيدة فى مقتبل العمر، نشأت فى أسرة ميسورة الحال، وأمضيت سنوات تعليمى كلها دون أن يدق قلبى لأحد، وادخرت عواطفى لمن سأرتبط به، وبعد تخرجى سرعان ما تقدم لى مهندس شاب من أسرة ثرية، وكنت قد تعرفت عليه بمحض الصدفة فى إطار عائلى، واعتبرتها صدفة جميلة أن يكون هو نصيبى، إذ أحسست وقتها أنه تعويض لى من الله، بل واعتبرته «كتير علىّ» ولا أستطيع أن أصف سعادتى به، ويكفى أن أقول إنه أنسانى خطبتى الفاشلة لمن تقدم لى قبله، والذى لم أشعر معه لحظة واحدة بالراحة والأمان، واستمرت خطبتى لحبيبى سنة وثلاثة أشهر، وشعرت خلال تلك الفترة أنه نعمة من ربنا... صحيح أنه كانت تحدث مشكلات وخلافات بيننا، لكنها انحصرت فى بعض الأمور البسيطة، ولم تدفع أى منا لترك الآخر، وزاد ارتباطنا... فأخذت دروسا فى قيادة السيارات، وشجعنى وقتها على مواصلة الدورة التدريبية فى مدرسة لتعليم القيادة وعلمنى على سيارته الخاصة، وعلم أننى أرغب فى شراء سيارة صغيرة، فاستحسن الفكرة، وابدى لى رغبته هو الآخر فى شراء «فيللا» فى «كينج مريوط» لأنها قريبة من المنطقة الصناعية التى يوجد بها مصنع والده الذى يعمل به، وقال: لو اشتريت سيارة، سوف اشترى الفيلا، وفكرت كثيرا فيما قاله، إذ خشيت من القيادة لمسافة طويلة، فكينج مريوط تبعد عن منزل والدى فى الإسكندرية ساعة بالسيارة فى حالة عدم وجود زحام، فما بالنا لو كان المرور فى وقت الذروة، كما هو الوضع فى معظم الاوقات، وأخيرا حسمت أمرى واشترى والدى لى السيارة ، واختارها خطيبى وأنا معه واشترينا «بيتا جميلا» فى كينج مريوط... واستقرت بنا الحال هناك، ثم تزوجنا، وامضينا شهر العسل على ما يرام، ولأننى لا أعمل، فإن تحركاتى قليلة، ولا أخرج بالسيارة غير يوم واحد فقط فى الأسبوع لشراء الطعام، ومتطلبات البيت، وسرنا على هذا النهج شهرين فقط، ثم فوجئت بزوجى بعد عودته من صلاة الجمعة فى أثناء الإجازة الاسبوعية، يطلب منى إعادة السيارة إلى والدى، فلم أجد سببا لطلبه المفاجئ، ولا تفسيرا لموقفه، فاندهشت لما قاله، وذكرته باتفاقه القديم أن نشترى السيارة، وعلى اساسها نشترى بيت «الكينج» فالمسافة بين الإسكندرية والكينج طويلة، ولا سبيل فى الذهاب إليها سوى السيارة، فأصر على رأيه، فتمسكت بأن أعرف سبب موقفه المعاند، فإذا به يقول «أنا عايز أمسك زمام الأمور فى إيدى»... ولا أدرى عن أى أمور يتحدث، ولم أر سببا مقنعا لتعنته معى، فوالدى رجل مسن فى السابعة والسبعين من عمره، ولا يطلب منى أن أقضى له أى مصلحة، كما هى عادة البنات مع آبائهن وأمهاتهن، بل إن الواجب يقتضى ذلك، وكل ما يريده هو أن أذهب معه إلى الطبيب مرة كل شهر، فهل هذا هو السبب فى رفض زوجى وجود السيارة معى؟... لقد طرحت عليه هذا السؤال: فنفى بشدة، فطلبت منه أن نزور والدى ونعرض عليه الأمر، فوافق، وذهبنا معا إليه، فحاول أبى إقناعه بشتى الطرق حتى إنه «اتحايل عليه أنه يخلى العربية معايا» فرد زوجى بأن السيارة.. مركونة على الفاضى، وأن أبى يدفع لها أقساطا شهرية، كما أن سعرها يقل مع الأيام ولا يزيد... فقال له والدى، إنه اشترى السيارة من أجلى، ويعلم كل ما يقوله، وأن الرجل يلتزم بكلمته، فلم يقتنع زوجى بذلك بعد أن أجهد أبى فى جدل عقيم، وإذا بأبى ينفعل عليه، و «يكرشه» من البيت.. عند هذا الحد غادر زوجى بيت أبى، بينما أنا مازلت مقيمة فيه، ولم يحدثنى زوجى، ولا مرة منذ هذه الجلسة، و«أغلق خط تليفونه» وتواصل أهله معى، وما زالوا يحاولون الضغط علىّ لارجاع السيارة إلى أبى.
وإذا حدثتك عن حماى والد زوجى، أقول لك: إنه إنسان صعب المراس، ولا يستطيع زوجى أن يتحدث فى «الموبايل» أمامه، ولا أحد من أبنائه يقبله فى خده إذا دخل عليه، بل ينحنى لتقبيل يده... فى البداية كنت اعتبر ذلك نوعا من الأدب، ثم اكتشفت أنه يتعامل معهم بمبدأ «أنا ربكم الأعلى» فلا أحد يستطيع مناقشته فى أى شىء، فكلامه بالنسبة للجميع أوامر يتم تنفيذها بلا نقاش، فهو ولى نعمتهم، ولا يمكن أن يرد أحد له كلمة أو يكسر له أمرا.. لقد قال لى حماى ذات مرة إنه باع سيارة ابنته قبل زواجها، لأنه يريد أن تظل السيطرة لزوجها، وأنه تعمد ان يكسرها له، ولذلك المحت والدتى له بانه صاحب فكرة إرجاع السيارة لأبي، لكنه ربما للحرج نفى أن تكون له أى صلة بالموضوع.
وهناك جانب آخر يكشف بعدا كان خفيا علىّ فى نمط حياة أسرة زوجى فلقد ذهب بي. وأنا لم يمر على زواجى منه سوى شهر ونصف الشهر إلى بيتهم، لكى «أتطبع» بطباع والدته، فاندهشت لطلبه. إذ إن والده يهينها امام الجميع، ولا تجد سبيلا للتغطية على إهاناته المتكررة لها، سوى أن تضحك وتمثل أنها سعيدة، ولقد مكثت لديهم اسبوعا، ولم أشعر بأى رغبة فى ان أكون مثلها، فقناعتى أن الحياة الزوجية السليمة لا تقوم إلا على الاحترام والمودة والرحمة، وللأسف لم أشعر بأى من هذه المشاهر لديهم كأسرة..
والآن مر أسبوعان، وأنا جالسة فى بيت أبى منذ مشادته مع زوجي، ومازال أهله يطلبون منى إعادة السيارة إلى أهلي، مرة بمحاولة إقناعى بعدم جدواها، ومرات بترهيبى من زوجى الذى يصفونه بأنه عنيد، بل ويقولون ان عناده تسبب فى خسارة مصنع والده عدة ملايين من الجنيهات، وإننى من الممكن ان أخسره إلى الأبد، إذا أصررت على موقفي، خاصة بعد إهانة والدى له.. والحقيقة أننى سعيت إلى حلول وسطية تكفل حفظ ماء وجوه الجميع، ومنها أن نأخذ السيارة، ونركنها ولا أستخدمها على الاطلاق، كل ما فى الأمر أننى لا أريد أن اكسر خاطر أبى وبذلك أكون قد أرضيت الطرفين، لكنه اصم أذنيه عن سماع أى حلول من هذا النوع، وبعث الىّ بثلاث رسائل على الموبايل. بأنه سيأتى لكى يأخذنى من بيت أبى دون أن يسلم عليه، وأن أعود معه إلى بيته بلا شروط. وبدون السيارة، فرفضت بالطبع إملاءاته، فقد أخذنى من بيت أهلي، وليس بطولي، وكرر رسائله، وكررت ردى عليه وتدخل شقيقاى لكى يعدل عن رأيه، قلم يقتنع بما عرضاه عليه.. إنه يريد التحكم والسيطرة التى تصل إلى حد المرض، ولا يريد ان «تتساوى الرؤوس» ويهدف إلى أن يكسرني، كما كسر أبوه ابنته، أما أنا فأرفض أن يكسر خاطر أبي، وينفذ كلمته عليه.. إن ربنا وحده يعلم أننى أحبه. وارغب فى أن أسعده، كما أننى احترمه وأقدره، وأتمنى له الرضا، لكن صبرى نفد معه، ولم اعد أثق فيه، إذ أنه من الممكن أن يلغى أى اتفاق بيننا فى المستقبل، وبرغم أنه لم يمر على زواجنا سوى ثلاثة أشهر فقط فإن حياتنا معا على وشك النهاية، حيث أرغب جديا فى الطلاق. خاصة أننى لم أحمل بعد، ولا أتصور أن حياتى معه سوف تستقيم بهذا الأسلوب.
.. ولقد استشرت من حولى فأشاروا علىّ جميعا بالتفكير الجدى فى الطلاق لأنه جبار وعنيد، وسوف أتعب إذا استمررت معه، بعد أن ظهرت طباعه على حقيقتها، واختفت صفاته التى عرفته عليها طوال فترة الخطبة، حيث كان طيبا ورقيقا وحنونا، ولا أدرى ما الذى غيره إلى النقيض؟ إنهم يشيرون علىّ بالطلاق انتظارا لحياة أكثر استقرارا. لكنى عاجزة عن اتخاذ القرار السليم، ولذلك لجأت إليك. حيث أثق كل الثقة فى رأيك وأسلوبك فى معالجة القضايا الشائكة، فبماذا تشير علىّ؟!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
يبدو لمن يقرأ رسالتك للوهلة الأولى أن السيارة هى السبب فيما آلت إليه حياتك الزوجية بعد فترة لم تتعد ثلاثة أشهر، فى حين أن الحقيقة هى إدراك زوجك ووالده وأسرته كلها ان تركيبتك الشخصية مختلفة تماما عن تركيبة نساء الأسرة بمن فيهن والدته التى لمست بنفسك خضوعها لزوجها وسيطرته البالغة عليها، إلى حد مقابلتها الإهانات بصمت وابتسامة، وشدته على أولاده إلى حد أن الرعب ينتابهم، وهم واقفون أمامه، ونتيجة تركيبتك هذه هى أنك عاملته ندا بند، وكما اشترى هو الفيلا، اشتريت أنت بأموال أبيك سيارة، لقضاء المشاوير، وزيارة أهلك، والذهاب مع والدك الى الطبيب مرة كل شهر أو حينما تقتضى الظروف ذلك، وقد أدرك أنك تنتهجين نهجا خاصا بك، فأراد أن تكونى على غرار أمه واخته، لكنك لم تجدى فيهما النموذج الذى يناسب شخصيتك وافكارك، ولذلك قررت أن تكون لك حياتك الخاصة، وأسلوبك فى التعامل مع أهله، فلم يعجبه هذا، ولم يجد أمامه وسيلة لإجبارك على الامتثال له سوى إعادة السيارة إلى ابيك.. ولقد طلب منك ذلك دون أن يوفر لك السيارة البديلة التى تعينك على قضاء المشاوير وشراء متطلبات البيت.. ثم كيف ستذهبين بأبيك الى الطبيب، أو حتى تزورينه وهو فى سن متقدمة تتطلب السؤال الدائم عنه ومتابعة أحواله.
لقد أراد زوجك بطلبه غير المبرر وتعنته فى مسألة صغيرة بهذا الشكل أن يجعلك نسخة من أمه، فلا يكون أمامك مجال للجدال معه، فإذا أراد شيئا، فلا راد له، وساهم فى تعميق الخلاف بينكما إهانة ابيك له، وطرده من البيت، إذ لم يتمالك الرجل نفسه بعد أن وصل العناد بزوجك؛ إلى اقصى مدى، ورأى أبوك فيما فعله تعنتا وإصرارا على أمر غريب، قد لا يصدقه من يسمعه، والأمور برمتها على النحو الدائر حاليا، تؤكد أن الرواسب النفسية وتبعات ما جرى سوف تظل عالقة بالعقول والقلوب فترة طويلة.
والحقيقة أننى أؤيد دائما التريث فى اتخاذ القرارات المصيرية، وإذا استمرت الأمور على ما هى عليه من شد وجذب، فإن النهاية معروفة، ولذلك أرى أولا أن تستنفدى سبل المصالحة بالوصول الى «حلول وسطية» تكفل لكما الإلتقاء فى نقطة متوسطة لا يميل عنها، ولا يبخسك حقك، وليكن هناك لقاء عائلى يجمع الأسرتين فى مكان عام، وتتصافى فيه النفوس، ويعفو كل صاحب حق عن حقه لدى الطرف الآخر سواء فيما يتعلق بالمواقف المشددة، أو بتصرفات أتى بها رغما منه، فى ظل حالة العصبية التى يرتكب خلالها المرء أفعالا ثم يندم عليها، ويكون فى قرارة نفسه على استعداد للاعتذار، وينتظر الوسيلة المناسبة لذلك.. فالأمل قائم فى إصلاح الأحوال بوضع النقاط على الحروف، وتحديد أسس جديدة يتم التعامل على أساسها فى المستقبل، وتكفل التواد والتراحم بين الجميع.
لقد اظهر وصفك شخصيتى زوجك وأبيه، ان زوجك عنيد، لا يغير رأيه بسهولة، ويظل متمسكا به مهما ترتب عليه من نتائج سلبية، وأن اياه قاس يعامل الناس على أنهم أشياء لا اشخاص، ويعطى الأوامر والتعليمات للآخرين، ولا يتشاور معهم، أو يستمع اليهم، ومن لا ينفذ أوامره كما هى يلقى معاملة قاسية منه، ولعل هذا يفسر سر تحول زوجك من الصفات الطيبة التى ذكرتها عنه إلى الصفات السيئة التى ظهرت منه، والتى كانت بوادرها حديث أبيه عن بيع سيارة ابنته لكى تكون تحت أمر زوجها!.. أى منطق فى الحياة هذا؟.. ومتى كان استخدام السيارة أو زيارة مريض، أو أى أمر من هذا القبيل، فيه تقليل من شأن الزوج؟.. إن هؤلاء يتصورون أن الحياة الزوجية سلسلة أوامر متصلة للزوجة عليها أن تنفذها دون أن تنطق ببنت شفة. وهو منطق مقلوب يجر المتاعب على صاحبه، وينذر بهدم بيته، ولن يستطيع ان يبنى اسرة ناجحة اذا استمر فى غيه، وقسوته على زوجته، وهنا يقول سليمان الحكيم «الرجل الرحيم يحسن الى نفسه، والقاسى يكدر لحمه».. وهذه هى حال حماك، وأحسب أن زوجك فى طريقه للوصول الى هذه الحالة بعناده لك.
والسبيل الوحيد امامك قبل اتخاذ القرار النهائى بشأن حياتك الزوجية، هو أن تكونى هادئة فى معاملتك زوجك، وأن تضبطى أعصابك، ولا تغضبى، واتركيه يتحدث الى أن ينتهى من كلامه، وكونى موضوعية فى نقاشك معه، ولا تأخذى الكلمات القاسية على أنها إهانة شخصية، ولا تبدى الرفض التام لجميع قراراته، بل اجعليه يشعر بأنك قريبة منه.. فمثل هذه المشاعر توجد جسرا من التواصل بين الزورجين، وأرجو أن ينتبه إلى حقيقة مهمة غائبة عنه، وهى أنه إذا فقدك فلن يجد من تسعده، وستظلين انت فى حالة مقارنة دائمة بمن سوف يرتبط بها بعدك ، لأنك لم تسيئ إليه، فالدنيا أخذ وعطاء. ولا يمكن أن تستمر الحياة بين طرف واحد يعطى الأوامر، وطرف آخر عليه أن يمتثل لها بلا نقاش.. فالحياة الزوجية اذا كان هذا هو منهجها فان مصيرها الفشل، وأحسب انكما قادران على تجاوز الزوابع التى ألمت ببيتكما بقليل من الحكمة وحسن التصرف، أما اذا تمسك بموقفه ورأيت منه عنادا يؤكد أنه لن يتخلى عن هذه الصفة الذميمة، فلا مفر من الطلاق، فهو حينئذ سيكون أخف الأضرار بعد استنفاد كل سبل المصالحة.. أسأل الله أن يهديه وأن يكتب لك الثبات والتوفيق، وهو وحده المستعان.