هذا التيار أصبح ظاهرا من خلال مناقشات حامية وخطب حماسية وهتافات فى الجامعات الأمريكية، تتهم إسرائيل بالعنصرية والإستعمار، وتصدر عن هذه التجمعات قرارات تطالب الحكومة الأمريكية بإتخاذ موقف ضد الشركات التى تمكن إسرائيل من إساءة معاملتها للفلسطينيين. وهذه الشركات تدعم بشكل كامل السياسة الإسرئيلية العنصرية ضد الفلسطينيين وتمول المشروعات الإقتصادية وتقوى الإقتصاد الإسرائيلى وتدعم الإستيطان وتشجع طرد الفلسطينيين، ومن ضمنها شركات هواتف محمولة ومستحضرات تجميل وعطور وأغذية ومياه غازية وشركات إتصالات وكمبيوتر وغيرها.
أحد مظاهر هذا الإتجاه كان فى جامعة نورث ويسترن فى ولاية إلينوى الأمريكية، والذى ناقش فيها الطلبة لأكثر من خمس ساعات قرارا بمعاقبة هذه الشركات، وبعضهم تحدث بعدائية شديدة ضد دولة إسرائيل، التى إتهموها بالعنصرية وبأنها دولة إحتلال، معلنين تأييدهم للفلسطينيين.
وفى أكثر من عشر جامعات فى أنحاء الولايات المتحدة ظهر أن هدف هذه الحملة فرض العزلة على إسرائيل ومعاقبتها بسبب سياستها ضد الفلسطينيين وإحتلالها للضفة الغربية. وهذه الجامعات تضم مئات الكليات الرئيسية، منها جامعة ميتشيجن وبرينستون وكورنيل، ومعظم جامعات ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
كانت هذه الحملة قد بدأت بشكل مبدئى فى السنوات الأخيرة، ثم أخذت تنتشر على نطاق واسع فى الجامعات.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن تحركات الطلاب فى الجامعات تؤيد الموقف من مقاطعة أسرئيل، إستنادا إلى ما تراه من أن إستمرار النزاع الفلسطينى الإسرائيلى يساعد إسرائيل على قمع الفلسطينيين، وأن هذه التحركات الجامعية إستطاعت أن تقيم تحالفات مع السود واللاتينين والآسيوين وجماعات الأقليات الأخرى، وتم ربط القضية الفلسطينية بقضايا متنوعة، مثل عنف الشرطة والهجرة وغيرها، وهو ما فاجأ قيادات من اليهود الذين كانوا مشاركين فى إئتلافات مع هذه الأقليات لعشرات السنين الماضية.
وقد جرى تصويت سرى فى جامعة نورث ويسترن، بين الحاضرين، كانت نتيجته أن 24 صوتا طالبوا بمقاطعة إسرائيل مقابل 22 صوتا كانوا ضد المقاطعة. كما جرى تصويت أخر فى جامعة توليدو بولاية أوهايو وأسفر عن 21 صوتا مؤيدين للمقاطعة ضد أربعة أصوات فقط ضد المقاطعة.
وحتى لو كانت النسبة متقاربة فى جامعة نورث ويسترن، إلا أن الغالبية، بالمعايير الديمقراطية، كانت مع مقاطعة ومعاقبة إسرائيل، وهذا توجه له مغزاه فى دولة كان الرأى العام فيها مشحون ضد الفلسطينيين، ومتعاطف مع إسرائيل بتأثير وسائل الدعاية اليهودية، التى تعمل ليل نهار فى الولايات المتحدة.
ولوحظ أن المناقشات إستغرقت وقتا طويلا وإتسمت بالتوتر، وإن كان المسئولون فى الجامعات قد أوضحوا أن المناقشات كانت تفرق بين معارضة سياسات إسرائيل فى الضفة الغربية وغزه، وهو ما إتفق معهم فيه طلاب يهود، وبين العداء تجاه اليهودية كديانة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الحاخام حاييم سدلر، المسئول بجامعة كاليفورنيا فى ولاية لوس أنجلوس، والذى عمل لمدة 40 عاما بالجامعات الأمريكية، قوله أن هناك طلاب كثيرين ينظرون الأن إلى إسرائيل بإعتبارها جزء من مؤسسة يتخذون مواقف ضدها، وأن ما يثير الإنزعاج أن هذا الشعور يتعمق.
الاحتجاج على ممارسات اسرائيل الوحشية أمتد أيضا إلى قطاع من الطلاب اليهود، ففى كلية برنارد فى نيويورك، والتى يمثل اليهود ثلث عدد طلابها، شكل عدد من الطلاب جماعة أطلقوا عليها إسم " طلاب من أجل العدل للفلسطينيين"يسعون من خلالها إلى تحقيق العدالة للفلسطنيين.
إن هذه التطورات تحدث وفى خلفيتها تحول ملحوظ بين الشباب خاصة فى الجامعات، يفصل لأول مرة بين الصهيونية كحركة سياسية وبين اليهودية كديانة، بعكس ما كانت دولة إسرائيل والقوى اليهودية الأمريكية تركز دائما على أنهما شيئا واحدا، وتتعمد إتهام من يعارضون سياسات إسرائيل بمعاداة السامية.
أيا كانت النتيجة التى ستسفر عنها المناقشات وعمليات التصويت فى الجامعات، فإن هذه البداية قد أوجدت على الأقل صوتا جديدا فى صفوف الرأى العام يحاول أن يكشف حقيقة إسرائيل، ويعرى الإنحياز الرسمى الأمريكى لسياسات الدولة العبرية.