ومن الله سبحانه في هذا الشهر المبارك علي الأمة فجعل فيه ليلة مباركة إلا وهي ليلة النصف من شهر شعبان. وكرم نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة بأن طيب خاطره بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.
ويقول الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، إن تحويل القبلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى جاء تطييبا لخاطر النبي وتأكيدا على مكانته ومنزلته عند ربه، قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، [البقرة: 144]. فقد كان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء، ولتقر عين الرسول صلى الله عليه وسلم فقلبه معلق بمكة، فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام، فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة، ليرتبط عميق الإيمان بحب الوطن.
وأشار إلي أن تحويل القبلة له عدة أبعاد منها السياسي، ومنها العسكري، ومنها الديني، ومنها التاريخي.فبُعْدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث، وبعدها التاريخي أنها ربطت هذا العالم بالإرث العربي لإبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وبعدها العسكري أنها مهدت لفتح مكة، وبعدها الديني أنّها ربطت القلوب بالحنفية، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها..
تحول ظاهري مادي
من جانبه يرى الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن التحول بالقبلة عن بيت المقدس هو تحول جذري ليختبر به المعتقد, ليعلم الله من يتبعه ورسوله بالغيب ممن ينقلب على عقبيه, وقد جاءت الحكمة من هذا التحول في نفس سياق الآيات, يقول الله تعالى: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه), ليظهر من يسلم لأمر الله عز وجل ونهيه، ومن يظهر شكه واضطرابه, ولذا ارتد عن الإسلام بعض الناس بسبب تحول القبلة ممن كان قد أسلم، وأظهر كثير من المنافقين نفاقهم، وقالوا ما بال محمد يحولنا مرة إلى ههنا ومرة إلى ههنا, ثم قال تعالى: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم).
وقال إن اختيار بيت المقدس ليكون المسرى, مع أنه تحولت عنه قبلة المسلمين, لم يكن لأفضليته عن غيره من المسجدين الآخرين, ولكن أراد الله بتحول القبلة عنه هذا الاختبار العقدي, فيظهر في المسلمين الموقن, ومنهم المشكك, وهو في الجملة في صالح المؤمنين المتقين, الذين آمنوا بأن التحول إلى جهة أو أخرى, إنما هو طاعة لله تعالى, بحسبان أن المشرق والمغرب له وحده, فالمرجو من التحول هو الإيمان بوحدانية الخالق, والإذعان لأوامره, واليقين في ربوبيته للخلائق, ومن شأن ذلك كله أن يوحد النفوس, ويحدوها إلى التوجه إلى خالقها في العبادة, سواء شرقوا بوجهتهم أو غربوا.
تأكيد الصلة بين المسجدين
ويقول الدكتور احمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلي المسجد الحرام حدث مهم لتأكيد الصلة الوثيقة بين المسجدين الشريفين، حيث ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في الآية الأولى التي افتتحت بها سورة الإسراء(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يفرط في واحد منهما، وحتى لا تهون عندنا حرمة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإذا كان قد بارك حوله، فما بالكم بالمباركة فيه ؟!!، وفي ذلك تذكير للأمة الإسلامية بوجوب العمل على تحرير المسجد الأقصى.
وفي السياق ذاته أكد الدكتور محمد إسماعيل البحيرى أمام وخطيب مسجد الزهراء بمدينة نصر، أن تحويل القبلة درس يستفاد به في وحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد ضرورة في كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية المسلمون في الشرق والغرب يتجهون في الصلوات الخمس اليومية، وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، رغم اختلاف الألسنة والجنسيات والألوان، يجمعهم الدين الإسلامي الحنيف، وهذا ليعلم المسلم أنه لبنة في بناء كبير واحد مرصوص، وفي الحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» متفق عليه بالإضافة إلي حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له.