رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فى إنتخابات تركيا .. الإستبداد أو العودة للديمقراطية

أنقرة ــ سيد عبد المجيد
لمن تدق له الأجراس غدا ؟ فبدءا من الثامنة صباحا وحتى السادسة مساء سيتوجه 47 مليون تركى لاختيار 550 نائبا بالبرلمان الجديد، ويعتبر كثيرون فى الخارج قبل الداخل

هذا اليوم تاريخا فارقا وموعدا مفصليا، فمعه إما أن تكون تركيا دولة تعيد نفسها بنفسها إلى جادة الديمقراطية التى افتقدتها، أو أن تندلف فى طيات حكم شمولى متكامل الأركان، فى القلب منه يقف القائد المهاب وحوله دوقة من التكنوقراط المنفذين، ومعارضة لا حول لها ولا قوة، ولكن لا بأس من وجودها استكمالا لديكور الجمهورية الجديدة ، التى دشن لها قصرا أسطوريا، كى تتباهى به الأمة الأناضولية التى انتهى عهدها بالقصور عقب ثورة مصطفى كمال أتاتورك على رجل أوروبا المريض غير مأسوف عليه فى عشرينيات القرن المنصرم.

المقربون من أهل الحكم ، الذين لا تنفصل عن أيديهم السبح، وصار البعض منهم يطلقون العنان للحاهم تبركا بالعهد الأردوغانى، يجزمون بأن النتائج التى ستتزين بها فضائياتهم حكومية وخاصة على السوwاء بعد أربع ساعات من غلق باب الاقتراع ، محسومة بـعون الله لفارس العدالة والتنمية الحاكم ، وهو هنا ليس السيد أحمد داود أوغلو ، وإنما رئيسه رجب طيب أردوغان الذى سيجلس على عرش البلاد معززا سلطاته التى لن يكون لها حد ومستلهما الماضى الغابر .

ولأنه على ثقة فى شعبه فقد مهد للأمر فى كلمة له ببنى كابيه باسطنبول ، لإحياء الذكرى السنوية الـ 562 لفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح قائلا "إنه وحزبه ، لن يتراجعا أمام أولئك الذين يريدون إخماد شعلة الفتح المشتعلة بعاصمة الخلافة منذ عام 1453 عندما فتحها العثمانيون، وجعل وريثة الأمبراطوية تقف على قدميها من جديد هو فتح بحد ذاته"، فى إشارة إلى أن الإنجازات التى حققها على مدى الـ 12 عاما التى قضاها فى الحكم لا تقل عن إنجاز السلطان محمد الفاتح.

هذا النهج الثيوقراطى ، وجد من عززه طوال الحملة الانتخابية التى يقودها هو بشخصه ومقامه الرئاسى، ضاربا حياده المفترض وفقا للدستور بعرض الحائط، فى سابقة لم تحدث بالبلاد منذ انتهاجها التعددية السياسية عام 1950 ، وها هو ياسين أقطاى القيادى البارز بالحزب يقتبس أنشودة دينية تتضمن معانى الصلاة على الرسول، ويحولها إلى أغنية بعنوان " رجب طيب أردوغان القائد… صل على محمد"، وآخر وضعه فى مصاف الأولياء الصالحين ، وشبه داود أوغلو حزب العدالة والتنمية مثل سفينة نوح عليه السلام ، ولأن من يقود الحزب فعليا هو أردوغان، فالمعنى إذن لا يحتاج إلى توضيح .

ولم يكن غريبا فى هذا الفضاء المفعم بنغمات التأليه، أن يتم طرح فى الأسواق ـــ والعهدة على الموقع الإلكترونى لصحيفة زمان ــ موديلين لهاتفين نقالين بـاسم "إصدار أردوغان " مرصعين بأفضل أنواع الألماس فى العالم ، والتصميم الفائق الفخامة تم إعداده فى هونج كونج. وتمّ تصنيعه بصورة خاصة وبأعداد محدودة ؛ حيث إن الأطراف الجانبية والوجه الخلفى للموديل الموجود عليه صورة الرئيس أردوغان مطلية بالذهب عيار 24 أما النجوم الموجودة حول الصورة، فهى من الألماس ذات الجودة العالية أما عن سعر البيع فهو 19 ألف دولار، ومن لا يرغب فى الألماس سيدفع 9 آلاف دولار فقط .

تلك هى المشاهد التى يسوقها ليل نهار إعلام الرئيس ، لكن ماذا عن الجانب الآخر ؟

بالورقة والقلم وبكل الحسابات الموضوعية وبرصد المعاش اليومى، وبالاختلاط بين هموم العامة بالمدن الكبرى أو البلدات والقوى البعيدة والقريبة ، وبعيدا عن الزيف الذى يتم ترويجه بكل الوسائل ومنها غير المشروع ، لا يمكن للعدالة والتنمية أن يتبوأ فى نهاية المارثون التشريعى ذات المركز الذى حصل عليه فى الاستحقاقات السابقة ، بما فيها المحليات التى جرت فى 30 مارس عام 2014 والتى شهدت تلاعبا وتزويرا أقرت بعضا منه اللجنة العليا المشرفة على عليها.

والاستطلاعات المحايدة أكدت أن النجاح المحتمل سيكون بطعم الخسارة خاصة مع الوعود الواقعية التى قدمها المنافسون لشرائح عريضة من المجتمع وتستهدف رفع مستوى حياتهم المعيشية ، وبالتالى لن يستطيع العدالة تشكيل حكومة بمفرده ، وهو ما قاله مراد كازيجى مدير عام مؤسسة الأبحاث التركية ، التى أعدت آخر استطلاع ، يسمح به القانون قبل عشرة أيام من موعد الانتخابات وأظهرت نتائجه أن الحزب سيحصل على 39.3 % مقابل 28.5 % للشعب الجمهورى ، يليه الحركة القومية ، ومتوقعا أيضا أن يفوز حزب الشعوب الديمقراطية الكردى بنسبة 12.4 % ، أى أنه سيقتنص 65 مقعدا، وإذا ما تحقق ذلك ستنسف كل أحلام أردوغان بما جعل الأخير يجنح به الشطط ويصف أعضاءه بالملاحدة أتباع زرادشت.

وبما أن عقيدته هى الاكتساح حتى يتسنى له الانقلاب على النظام السياسى إذن فسيفعل أردوغان المستحيل ، ولهذا سادت الشارع حالة من القلق الشديد إزاء احتمالات حدوث انتهاكات وتزوير، وللحيلولة دون ذلك اتخذت المعارضة الرئيسية ، احتياطات تمثلت فى تدريب مندوبيها لمراقبة الصناديق تحسبا لاحتمالات وقوع أى اختلالات خلال التصويت أو الفرز، لتجنب ما حدث من تزوير بالانتخابات المحلية، خصوصا فى العاصمة أنقرة، وأسفر عن سقوط منصور ياواش رغم إعلان فوزه ، وكان أردوغان قد سبق له وأدلى بتصريحات مثيرة وغريبة فى 18 أبريل العام الماضى، عقب ما أثير من تزوير، حيث وصف ما حدث بأنه "مواجهة الأعداء" .

عضد هذا أيضا ، خبراء سياسيون ، عندما أشاروا إلى الادعاءات التى تم الكشف عنها أثناء التصويت فى خارج البلاد ، بعدد من المراكز الانتخابية ببعض بلدان أوروبية، وهو ما ضاعف مخاوف الأحزاب ، فقد حدث فى ألمانيا أن صوت مسئول مرتين، بالإضافة إلى تصويت إمام جامع بدلا عن مواطن آخر، و العثور على مفاتيح غرفة تحتفظ فيها صناديق الاقتراع لدى أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم.

لكن ما لو فشلت تلك ألاعيب الأردوغانية فماذا سيكون عليه المشهد ؟ هنا ذهبت صحيفة يورت قائلة إن أردوغان سيلجأ إلى ما وصفته بالسيناريو المجنون أى سيدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة فى حال لم يحصل حزب العدالة والتنمية الحاكم على الأغلبية، والمادة 116 من الدستور تتيح له ذلك، وقالت إنه ومثل أى ديكتاتور فى العالم يعد خطة لمواجهة جميع السيناريوهات السيئة لتجنب الملاحقات القانونية ، بعد رفع الحماية والحصانه عن أفراد أسرته بسبب فضيحة الفساد والرشوة ، إضافة إلى أن هناك احتمالات بمطالب لمحاكمة أردوغان نفسه أمام محكمة الديوان العليا جراء انتهاكه الدستور والقانون وتدخله فى السلطة القضائية ولتجنب كل هذا يعمل بكل الوسائل كى يفوز العدالة والتنمية بما لا يقل عن 330 مقعدا.

أيا كان ما سيأتى، فالثابت أن هضبة الأناضول مقبلة على مرحلة صعبة ، فصناع القرار ليسوا فقط هم الذين يواجهون لحظات الاختيار الحرجة، فحولهم المنتفعون الذين نسجوا شبكات من المصالح وهم بدورهم لن يستسلموا لما ستفسر عنه الصناديق بما هو غير متوقع ، وسيدافعون من أجل أن يحدث ما يتوقعونه هم فقط وليس غيرهم ، أى أن الاستقطاب الموجود بالفعل سيتسع ويتعمق ، وتلك كارثة ما بعدها ، ويبقى الأمل فى أن تهل نسمات الإثنين المقبل مبشرة بتركيا غير تلك التى يريدها أردوغان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق