رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مسلمو ميانمار.. والفرار من جحيم الوطن لعذاب الهجرة

هدير الزهار
سليم، طفل صغير لم يتجاوز عمره الـ٧ أعوام يجلس بجوار والدته التى تنام أمامه أرضا، ويحمل فى يده عدة قطع من البسكويت وباليد الأخرى يحاول إيقاظها وإغرائها بأن معه طعاما وسينقذها من الموت،

ولكن بعدما أستشعر أن محاولاته لن تجدى، بدأ فى البكاء بحرارة، وذلك لأنه أدرك أن معدومى الإنسانية لم يرحموه هو وأمه، ولم يقبلوا بأن يتركوهما سويا ليواجها قسوة الحياة بل أصبح وحيدا شريدا، بين حاضر مؤلم ومستقبل مظلم..

إنها واحدة من القصص المأساوية التى شهدتها أندونيسيا مؤخرا بعدما سمحت باستقبال ٧ آلاف لاجىء من الروهينجا، أى الأقلية المسلمة فى بورما، الذين تصفهم الأمم المتحدة بأكثر الأقليات اضطهادا فى العالم، بل أن ذلك أقل ما يمكن وصفهم به لما يتعرضوا له من شتى أنواع التعذيب والاضطهاد والإذلال، والتى تصل إلى هدم منازلهم ومساجدهم وتشريدهم وقتلهم وتقطيع أوصالهم وحرقهم أحياء دون مراعاة أنه من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وهو ما يدفع الآلاف منهم للفرار من ذلك الجحيم إلى جحيم آخر حيث يستقلون مراكب وسفنا متهالكة غير أدمية، ويواجهون أعالى البحار ليتوسلوا للدول المجاورة أن تستضيفهم على أراضيها، فيصطدموا بواقع عدم شعور تلك الدول بمآسيهم وإغلاقها باب الأمل والحياة فى وجوههم، فيموت بعضهم غرقا أو جوعا أو عطشا أو مرضا، وآخرون يقعون فى براثن القراصنة الذين يستوطنون بعض الجزر، ومن بينهم تجار عبيد وتجار أعضاء بشرية، فتكون النتيجة فرارا من جحيم قاس إلى جحيم أشد قسوة، وكل ذلك فى ظل صمت عالمى وخرص دولى.

مأساة متكررة

وقد أصبحت أقلية الروهينجا حديث وسائل الإعلام فى الفترة الماضية، لإضطرار ما يقرب من ٢٥ ألف مسلم إلى الفرار من بلادهم بحثا عن وطن جديد يضمد جراحهم ويداوى الأمهم، ولكن جاءت الفاجعة بعدم موافقة الدول المجاورة التى كانوا يقصدونها، وهى تايلاند وأندونيسيا وماليزيا، الذين أعلنوا رفضهم استقبال أى مهاجرغير شرعى جديد بل منعت دخول مراكبهم لمياهها الإقليمية ليظلوا لأكثر من ٣ أشهر فى عرض بحر أندمان تتقاذفهم الأمواج فى حال يرثى لها يعانون الجوع حتى أضطروا إلى أكل حبال المراكب ويشربون الماء المالح، ومن بينهم أطفال وشيوخ لم يحتملوا الجوع والعطش وآخرون أصابهم المرض فلقوا مصرعهم، ولم تكن نهايتهم فى القبور بل فى بطون الأسماك.

ولكن بعد الضغط الدولى الذى تعرضت له حكومة تايلاند وأندونيسيا وماليزيا ومطالبتهم بالرفق بمعاناة هؤلاء المهاجرين، فقد وافقت السلطات فى ماليزيا وأندونيسيا على استقبالهم بشكل مؤقت بشرط إعادتهم إلى بلدهم بعد فترة، كما اعلنا أستعدادهما لتوفير المساعدات الإنسانية لنحو ٧ آلاف مهاجر، ومقابل ذلك أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئيين استعدادها لتقديم الدعم والمساعدة اللازمة للحكومة الماليزية لاستقبال المزيد من اللاجئين، حيث إنه حسب إحصاءات الأمم المتحدة فإن ماليزيا تستضيف حاليا أكثر من ٤٥ ألف لاجئ من مسلمى الروهينجا. بينما ركزت تايلاند على التحرك ضد شبكات تهريب المهاجرين، بعدما تم اكتشاف عدة مقابر جماعية فى مخيمات عبور المهاجرين وهو ما أرغم المهربين على البحث عن طرق جديدة يسلكونها. ومن ناحية أخرى، فقد استقبلت العاصمة التايلاندية بانكوك الجمعة الماضية مؤتمرا إقليميا لحل أزمة المهاجرين فى دول جنوب شرق آسيا حضر خلاله دبلوماسيون ومسئولون من ١٧ دولة، وقد أشارت أصابع الإتهام إلى حكومة ميانمار لتسببها فى حدوث تلك الأزمة وتفاقمها، وبدلا من عرض موفد الدولة لحلول أو حتى الإقرار بخطأ الدولة، فقد انتقد الأمم المتحدة وموفدى الدول الأخرى لتحويله المسئولية الكاملة لحكومة ميانمار فقط !!

تاريخ من العذاب .. على يد الحكومة والمعارضة

والحقيقة هى أن الحكومة بالفعل تتحمل المسئولية كاملة بل أنها تسعى للتطهير العرقى، حيث يعود الصراع بين الروهينجا والبوذيين لعقود طويلة ولكنه اتخذ منعطفا خطيرا منذ أن فتح الجنرالات الذين يحكمون البلاد الباب أمام مزيد من الحرية فى عام ٢٠١٠، حيث تزايدت المشاعر المعادية للمسلمين منذ ذلك الحين، والتى أتضحت جليا من خلال خطب الكراهية تجاة المسلمين، بإشراف الكهنة البوذيين، وهو ما أدى إلى تفاقم الصراع بصورة كبيرة، بمساعدة الحكومة التى قامت بسحب بطاقات الهوية من الروهينجا بهدف منعهم من التصويت. ويعد ذلك القرار بمثابة تقييد لحركتهم، وجعلهم أكثر عرضة للاعتقال، بالإضافة لحرمانهم من حقوقهم الأساسية، والاعتراف بهم كمواطنين، وتجاهلها لما يتعرضون له من قمع، إلى جانب معاناتهم من الفقر المدقع، وعدم حصولهم على التعليم أو فرص عمل.. فهم يعاملون كوباء يجب التخلص منه قبل أن يتفشى، وبالرغم من أن القضية أصبحت مسار اهتمام دولى إلا أن حكومة بورما لاتزال تصر على عدم الإكتراث لحل الأزمة أوالإعتراف بما يتعرض له الروهينجا من اضطهاد، بل إنه فى خطوة أكثر إستفزازا قامت مؤخرا فقد أصدرت أول أمس بيان رسمى بإحصاء سكانى شامل منذ ثلاثة عقود مستثنية منه أقلية الروهينجا.

ومن ناحية أخرى فقد إتهمت زعيمة المعارضة أونج سان سو تشى، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والمدافعة عن حقوق الشعب فى بورما، بمشاركتها سياسيا وأخلاقيا فى عملية التصفية الممنهجة التى يتعرض لها الروهينجا بالتزامها الصمت التام، وذلك لأنها تعمل لمصلحتها الشخصية وطموحاتها الرئاسية، فكيف لها أن تدافع عن الأقلية المسلمة، الذين لا يتجاوز عددهم الـ ١٫٣ مليون وتخسر مقابل ذلك تأييد الغالبية البوذية، التى يبلغ عددها ٥٠ مليون نسمة. وقد فقدت سوتشى الكثير من التأييد الدولى والشعبى لها بعدما كانت مسار تقدير الجميع لكونها أحد أيقونات النضال حينما انتقدت خلالها النظام العسكرى الحاكم فى البلاد طيلة ١٥ عاما، فلم توجه لها دعوة لحضور مؤتمر بالعاصمة النرويجية أوسلو، بينما تمت دعوة عدد من الفائزين بجائزة نوبل للسلام، ومن بينهم "ديزموند توتو" كبير أساقفة جنوب إفريقيا والمحامية الإيرانية "شيرين عبادى" ورئيس تيمور الشرقية الأسبق "خوسيه راموس هورتا".، الذين شاركوا بخطابات متلفزة فى ختام المؤتمر ليطالبوا بوضع حدٍ للاضطهاد والظلم والإبادة العرقية التى ترتكب بحق مسلمى الروهينيجا. لا شك أن هناك تحركات دولية لحل الأزمة، ولكنها تحركات بطيئة ولن تنقذ الألاف بل مئات الألأف، الذين تذوقوا من العذاب أشكالا والوان.. إلى متى سيستمر هذا الصمت ؟ أين المدافعين عن حقوق الإنسان‎؟ أين المنظمات الإسلامية والحقوقية ؟ أين المساعدات الإنسانية ؟ من سينقذ تلك الأقلية البائسة، التى لم ترغب سوى فى أقل حقوقها التى تضمن لها الأدمية، وأولها حق العيش فى وطن آمن. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق